وجهات نظر

حرب الزيتون ..

حرب الزيتون ..

تصر إسرائيل على أن يظل الفلسطيني محاصرًا على أرضه ولا تسمح له بأي مساحة حتى ولو كانت صغيرة لكي لا يمارس حياته ولو بدرجة اطمئنان محدودة، فهي تشن الحرب عليه من كل الاتجاهات وفي مختلف المجالات من تضييق على حركته وتنقله وهدم للبيوت وقتل عشوائي حتى تجعل حياته مستحيله..

لم يعد موسم قطاف الزيتون يشكل عصبًا اقتصاديًا هاما للفلسطينيين في الضفة الغربية حيث جعله الاحتلال في كل عام معاناة وقهر وتحول قرى الضفة إلى ساحة حرب بين المستوطنين وأصحاب الأرض لمنعهم ليس فقط من الاستفادة من زيتونهم بل لإشعارهم أن الأرض ليست خالصة لهم في ظل سياسات السيطرة الإسرائيلية على الأرض والموارد.

فبينما ينشغل العالم بالحديث عن حلول سياسية مجرّدة، تدور على الأرض معركة بطيئة ومستمرة، هدفها تفريغ الأرض الفلسطينية وخنق قدرات الفلسيطيني على التحمل والاستمرار. ، وهذا جزء من استراتيجية أوسع تُدار بدقة منذ سنوات، غايتها إعادة رسم الجغرافيا السكانية والاقتصادية للضفة لمصلحة مشروع استيطاني يتوسع بشراسة..

في كل موسم زيتون، تزداد معاناة أهل الأرض حيث تتصاعد الاعتداءات عليهم بطرق وأساليب أكثر بشاعة وقسوة، وهل أبشع من أن يرى الإنسان جهده وماله يسرق أمام عينيه دون أن يستطيع حتى الإعتراض بوجه مستوطنيين قادمين من خلف البحار وجيش يحميهم بقرار سياسي لتنكيل بالمواطن الأصيل ، ويمنعه من الوصول إلى أراضيه بحجة “المنع الأمني” الذي بات يقسم ظهر الفلسطيني ويسرق أرضه أمام عينيه..

هذه الممارسات ليست منفصلة عن مخطط واسع ، لدفع أهل الأرض إلى تركها تحت شعور باليأس وعدمية الاستمرار في المقاومة من أجل البقاء في ظل منظومة قانونية وأمنية تمنح المستوطنين حماية وتتيح لهم العمل بحرية ، والنتيجة هي واقع اقتصادي متدهور للفلسطينيين، حيث تتقلص مساحات الزراعة المنتجة، وتتراجع قدرة الأسر على الاعتماد على ما تبقى من أراضيها ،ويمثل قطاع الزيتون ما يقرب من نصف النشاط الزراعي الفلسطيني في بعض مناطق الضفة وهذا معناه أن أي ضرر يصيب هذا القطاع يؤثر على معيشة الناس التي هي على أرض الواقع شبه مستحيلة و يتراجع مستواها يوميا، حيث الارتفاع الضخم لمعدلات البطالة والفقر.. وهذا يؤكد أن الضغط الإسرائيلي على المزارعين الفلسطينيين أصبح وسيلة لإخضاعهم اقتصاديًا، والقضاء على استقلالهم الإنتاجي. فالسيطرة على الأرض لا تتم بالأساليب المباشرة فقط ، با أيضا عبر إفقادها قيمتها المعيشية حتى يضطر أصحابها إلى تركها.

سياسيًا، لا يمكن فصل “حرب الزيتون” عن البنية الأشمل للاحتلال في الضفة الغربية أساسها السيطرة على الموارد الطبيعية سواء المياه أو الأرض زراعية وغير زراعية وهي عنصر أساسي في سياسة اسرائيلية تهدف لجعل حياة الفلسطينيين تدور في إطار من القيود البيروقراطية التى من المستحيل أن يستطيع احد التغلب عليها.. ابرزها ان صاحب الأرض يلزمه الحصول على تصريح للوصول إلى أرضه وتحديد المناطق المسموح العمل فيها، تحت مراقبة أمنية مشددة ، وهذا كله يجعل من أبسط تفاصيل الحياة اليومية جزءًا من معاناة مأساوية لكل مناحي الحياة للمواطن الفلسطيني بمعنى أخر جعله يشعر بالقهر الدائم المؤدي إلى اليأس..

إن ما يجري اليوم في الضفة الغربية لا يمكن اختزاله في “اعتداءات موسمية”. بل هو نموذج مكثّف لإدارة احتلال طويل الأمد من أبرز أركانه الضغط الاقتصادي والتفكيك الاجتماعي .

ومع غياب موقف دولي واضح، يتكرس واقع جديد تُدار فيه الضفة كوحدة أمنية خاضعة بالكامل لإرادة الاحتلال، بينما يبقى الفلسطيني في مواجهة مفتوحة، لا يملك فيها سوى إرادة الاستمرار.

بهذا المعنى، تصبح “حرب الزيتون” عنوانًا لمرحلة كاملة من الصراع ، صراع لا يُقاس بعدد المواجهات أو الخسائر الفورية، بل بمدى ما تتركه من أثر تراكمي على الأرض والناس، فالمعركة هنا ليست فقط حول محصول، بل حول الحق في أن تكون هذه الأرض مصدر حياة لأصحابها..

إسرائيل تريد من كل ما تقوم به ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية أن تكون لها اليد العليا بكل شؤون حياتهم لدفعهم إلى مغادرة أرضهم تمهيدا لإكمال مشروعها في الضم لينتهي الحلم الفلسطيني في التحرر، في ظل غياب تام لأي فعل على الأرض من قبل المجتمع الدولي بكل تفاصيله وكياناته ويبقى الفلسطيني وحد في مواجهة المد الإسرائيلي الأسود..