وزير الداخلية وثقافة الإنتاج والاعتماد على الذات
يشهد الأردن، كغيره من الدول النامية، تحولات جوهرية في بنية سوق العمل واتجاهات التشغيل. ومع تضاؤل فرص الوظائف الحكومية، برزت الحاجة إلى إعادة تشكيل الفكر التنموي لدى الشباب نحو فلسفة إنتاجية جديدة تقوم على "خلق الفرصة لا انتظارها"، عبر استثمار المهارات، والحرف، والمعارف الحديثة، وروح المبادرة.
لقد أصاب وزير داخليتنا مازن باشا الفراية عندما دعى الطلاب لخلق فرص عمل لأنفسهم، وهذا يعكس الفكر التنموي الجديد الذي يقوم على الإنتاج، والابتكار، وريادة الذات، ولا داعي أن ينتظر الطالب تخرجه وإنتظاره لوظيفة قد لا تأتي ، وهذا الفكر الاصل أن يشكر من يتبناه وأن يصبح سياسة حكومية ونهجا وطنيا لتعزيز ثقافة الإنتاج والإعتماد على الذات.
المطلوب من شبابنا الإنتقال من الإعتماد على مبدأ البحث عن الوظيفة ، والتي لم تعد مضمونة ، إلى صانع فرصة ،من خلال إمتلاك المهارة الملائمة لمباشرة مهنة أو إطلاق مشروع صغير يدر عليه دخلا. وهذا يعكس التحول نحو "الفكر الإنتاجي" القائم على الإعتماد على الذات وتحويل الموهبة إلى مصدر دخل وكذلك استثمار التكنولوجيا في تطوير الحرف والمشاريع الصغيرة، والأهم من ذلك تعزيزالوعي بأن المهنة أو المهارة يمكن أن تكون "مشروعًا مستدامًا" وليس عملًا مؤقتًا.
الفلسفة الإنتاجية هي عقلية ترى في كل مهارة، أو فكرة، أو حرفة، مشروعًا اقتصاديًا قائمًا بذاته، فالحرفي الذي يتقن صناعة الأثاث، والمبرمج الذي يطور تطبيقًا بسيطًا، والطالبة التي تبيع منتجات تجميل طبيعية عبر الإنترنت ، جميعهم يشاركون في الاقتصاد الوطني، دون انتظار باب توظيف حكومي، ويمكنهم جميعا الإشتراك بمظلة الضمان الإجتماعي للحصول على تقاعد مستقبلا ؛ وقد يكون أفضل بكثير من التقاعد الذي يحصل عليه الموظفين.
الشباب الأردني يمتلك طاقات هائلة في مجالات التكنولوجيا، الحرف اليدوية، التصميم، التسويق الرقمي، الزراعة الذكية، والصناعات الإبداعية. وهنا تكمن الحاجة الماسة للدعم الحكومي للفكر التنموي ، من خلال تشريعات سريعة تدعم برامج التمويل من خلال المنح و القروض الميسرة من غير فوائد ؛ وفترات سماح كافية ، إضافة إلى تقديم جملة من الإعفاءات الضريبية لمدة لاتقل عن خمس سنوات؛ وتخفيض أو إعفاءات من أثمان المياه والكهرباء ، ويمكن تخفيض الحد الأدنى للشمول بالضمان الإجتماعي لهذه الشرائح، وتعديل نظام التأمين الصحي لتسهيل شمول الشرائح المستهدفة بالحدود الدنيا من الإشتراكات التي يدفعها الموظف المماثل.
ومن الدعم الممكن من الحكومة، تقديم التدريب العملي والمهني ، والإحتضان الريادي وغير ذلك من سياسات تحفز ريادة الأعمال الاجتماعية والإنتاج المحلي.
ومثل هذا التوجه يحتاج الى دعم مجتمعي وإعلامي ، وربما تعديل المناهج الدراسية لتغيير النظرة الدونية للمهن ومحاولة ربط هذه المهن بتحسين أوضاع العاملين فيها بعكس الوظيفة التي يجب أن تظهرها مناهجنا بأنها مصدر للفقر.
تجارب عديدة حققها الشباب الأردني، ولم تحضى بالتغطية الإعلامية المعززة ، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، مشروع "خُبز بيتي" في محافظة الكرك: بدأته مجموعة من السيدات الشابات من منازلهن، فتحول خلال عامين إلى مشروع تعاوني يشغل أكثر من 25 سيدة، ويورد منتجاته إلى المطاعم في عمّان، ومبادرة "شباب الحرف الرقمية" في إربد: شباب جامعيون تعلموا التصميم الرقمي عبر الإنترنت، وأنشأوا "ستوديوً" صغيرًا يقدم خدمات التصميم والتسويق للشركات المحلية، وفي البلقاء ، شاب جامعي استغل سطح منزله لإنشاء مزرعة "هايدروبونيك "مائية تنتج الخضار وتباع عبر الإنترنت، محققًا دخلًا شهريًا مستقرًا.
عالميا؛ هناك تجارب ملهمة، يمكن الإستفادة منها : فالحكومة الهندية مثلا أطلقت مبادرة “Start-Up India” التي حولت آلاف الخريجين إلى رواد أعمال في التكنولوجيا والزراعة والتعليم، فيما ركزت المانيا على التعليم المهني المزدوج (Dual System) الذي يدمج التدريب العملي والدراسة الأكاديمية، فخلقت سوقًا قويًا للحرفيين ، فيما تعتمد فنلندا برامج لتدريب الشباب على تحويل هواياتهم إلى مشاريع مدرة للدخل عبر منصات رقمية مدعومة من الدولة، وتقدم سنغافورة للشباب منحًا صغيرة لبدء مشاريع تكنولوجية بدل البحث عن وظائف حكومية.
كل الشكر لمعالي وزير الداخلية، الذي طرح موضوعا في غاية الأهمية، ونتمنى أن تشكل الحكومة فريقا من الخبراء لتقديم تصورا لبرنامج تحول من "ثقافة الوظيفة" إلى "ثقافة الإنتاج والاعتماد على الذات"، وهذا المشروع الذي سيلمس أثره المواطن والمجتمع الأردني بأسره.
* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا
لقد أصاب وزير داخليتنا مازن باشا الفراية عندما دعى الطلاب لخلق فرص عمل لأنفسهم، وهذا يعكس الفكر التنموي الجديد الذي يقوم على الإنتاج، والابتكار، وريادة الذات، ولا داعي أن ينتظر الطالب تخرجه وإنتظاره لوظيفة قد لا تأتي ، وهذا الفكر الاصل أن يشكر من يتبناه وأن يصبح سياسة حكومية ونهجا وطنيا لتعزيز ثقافة الإنتاج والإعتماد على الذات.
المطلوب من شبابنا الإنتقال من الإعتماد على مبدأ البحث عن الوظيفة ، والتي لم تعد مضمونة ، إلى صانع فرصة ،من خلال إمتلاك المهارة الملائمة لمباشرة مهنة أو إطلاق مشروع صغير يدر عليه دخلا. وهذا يعكس التحول نحو "الفكر الإنتاجي" القائم على الإعتماد على الذات وتحويل الموهبة إلى مصدر دخل وكذلك استثمار التكنولوجيا في تطوير الحرف والمشاريع الصغيرة، والأهم من ذلك تعزيزالوعي بأن المهنة أو المهارة يمكن أن تكون "مشروعًا مستدامًا" وليس عملًا مؤقتًا.
الفلسفة الإنتاجية هي عقلية ترى في كل مهارة، أو فكرة، أو حرفة، مشروعًا اقتصاديًا قائمًا بذاته، فالحرفي الذي يتقن صناعة الأثاث، والمبرمج الذي يطور تطبيقًا بسيطًا، والطالبة التي تبيع منتجات تجميل طبيعية عبر الإنترنت ، جميعهم يشاركون في الاقتصاد الوطني، دون انتظار باب توظيف حكومي، ويمكنهم جميعا الإشتراك بمظلة الضمان الإجتماعي للحصول على تقاعد مستقبلا ؛ وقد يكون أفضل بكثير من التقاعد الذي يحصل عليه الموظفين.
الشباب الأردني يمتلك طاقات هائلة في مجالات التكنولوجيا، الحرف اليدوية، التصميم، التسويق الرقمي، الزراعة الذكية، والصناعات الإبداعية. وهنا تكمن الحاجة الماسة للدعم الحكومي للفكر التنموي ، من خلال تشريعات سريعة تدعم برامج التمويل من خلال المنح و القروض الميسرة من غير فوائد ؛ وفترات سماح كافية ، إضافة إلى تقديم جملة من الإعفاءات الضريبية لمدة لاتقل عن خمس سنوات؛ وتخفيض أو إعفاءات من أثمان المياه والكهرباء ، ويمكن تخفيض الحد الأدنى للشمول بالضمان الإجتماعي لهذه الشرائح، وتعديل نظام التأمين الصحي لتسهيل شمول الشرائح المستهدفة بالحدود الدنيا من الإشتراكات التي يدفعها الموظف المماثل.
ومن الدعم الممكن من الحكومة، تقديم التدريب العملي والمهني ، والإحتضان الريادي وغير ذلك من سياسات تحفز ريادة الأعمال الاجتماعية والإنتاج المحلي.
ومثل هذا التوجه يحتاج الى دعم مجتمعي وإعلامي ، وربما تعديل المناهج الدراسية لتغيير النظرة الدونية للمهن ومحاولة ربط هذه المهن بتحسين أوضاع العاملين فيها بعكس الوظيفة التي يجب أن تظهرها مناهجنا بأنها مصدر للفقر.
تجارب عديدة حققها الشباب الأردني، ولم تحضى بالتغطية الإعلامية المعززة ، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، مشروع "خُبز بيتي" في محافظة الكرك: بدأته مجموعة من السيدات الشابات من منازلهن، فتحول خلال عامين إلى مشروع تعاوني يشغل أكثر من 25 سيدة، ويورد منتجاته إلى المطاعم في عمّان، ومبادرة "شباب الحرف الرقمية" في إربد: شباب جامعيون تعلموا التصميم الرقمي عبر الإنترنت، وأنشأوا "ستوديوً" صغيرًا يقدم خدمات التصميم والتسويق للشركات المحلية، وفي البلقاء ، شاب جامعي استغل سطح منزله لإنشاء مزرعة "هايدروبونيك "مائية تنتج الخضار وتباع عبر الإنترنت، محققًا دخلًا شهريًا مستقرًا.
عالميا؛ هناك تجارب ملهمة، يمكن الإستفادة منها : فالحكومة الهندية مثلا أطلقت مبادرة “Start-Up India” التي حولت آلاف الخريجين إلى رواد أعمال في التكنولوجيا والزراعة والتعليم، فيما ركزت المانيا على التعليم المهني المزدوج (Dual System) الذي يدمج التدريب العملي والدراسة الأكاديمية، فخلقت سوقًا قويًا للحرفيين ، فيما تعتمد فنلندا برامج لتدريب الشباب على تحويل هواياتهم إلى مشاريع مدرة للدخل عبر منصات رقمية مدعومة من الدولة، وتقدم سنغافورة للشباب منحًا صغيرة لبدء مشاريع تكنولوجية بدل البحث عن وظائف حكومية.
كل الشكر لمعالي وزير الداخلية، الذي طرح موضوعا في غاية الأهمية، ونتمنى أن تشكل الحكومة فريقا من الخبراء لتقديم تصورا لبرنامج تحول من "ثقافة الوظيفة" إلى "ثقافة الإنتاج والاعتماد على الذات"، وهذا المشروع الذي سيلمس أثره المواطن والمجتمع الأردني بأسره.
* أمين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الإدارة العامة سابقا