وجهات نظر

مستوطنات أم قواعد عسكرية

مستوطنات أم قواعد عسكرية

بدأت اسرائيل بتحويل مستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة الى قواعد عسكرية تعتمد على نفسها أمام اي طارئ، بدل اعتمادها على القوات المركزية والجيش، وأقامت اجنحة طوارئ واسعة متذرعة بهجوم السابع من اكتوبر في غزة.

وستكون في المستوطنات معسكرات فيها مختلف أنواع الأسلحة ومهابط للهيلوكبتر وأيضاً للطائرات، كما سيكون فيها مرابض للمدفعية ومقرات وملاجئ للدبابات، وهذا ما جرى اثارته أخيراً في الأوساط العسكرية وتسرب نقاشه الى الكنيست وتحدث عنه كبار الضباط.

لم تكتف القيادة الإرهابية الاسرائيلية الحالية التي تعتمد على الاستيطان والاحتلال والتوسع، بأن جعلت كل فلسطين التاريخية قاعدة عسكرية متصلة كما رأينا في احتلالها وعدوانها المستمر على غزة، بل أنها ذهبت الى جعل كل مستوطنة رئيسية قاعدة عسكرية معتمدة على نفسها.

الاستيطان هو عصب الاحتلال الاسرائيلي وقد بدأ مبكراً في ايار عام 1948، حيث كانت بدايات الاستيطان منذ العام 1882 على يد من أسموا أنفسهم بالرواد وكانوا على شكل مزارعين، أقاموا "الموشاف" ونشره وحاولوا أن يقيموا استيطانهم بهدوء، ولكنهم اصطدموا بالفلاحين الفلسطينيين الذين شعروا بالخطر وقاموا الاستيطان واشعلوا ثورات متصلة في مواجهته، ولكن ظل سرطان الاستيطان يسري دون توقف حتى اليوم، وشهد طفرات متزايدة بعد توقيع اتفاقيات اوسلو، التي تركت اثارها الجهنمية اليوم، ولعل أوسع قفزات الاستيطان تجري الآن في مصادرة المنطقة (ج) حسب اتفاق اوسلو وهي معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة، حيث تمنع سلطات الاحتلال الاسرائيلي الفلاحين واصحاب الأراضي الفلسطينيين الوصول الى ارضهم، وحتى قطف أشجار الزيتون بأن سمحت للمستوطنين المسلحين مواصلة الهجوم على القرى الفلسطينية والأراضي المحيطة بها وجرف الأشجار وحرقها وتدميرها واقامة البؤر الاستيطانية وحماية المستوطنين بالجنود المسلحين، رغم أن المستوطنين هم أنفسهم مسلحون ، وقد تشكلت حتى الآن أكثر من 13 فرقة استيطانية متجددة تعمل في الضفة الغربية والقدس، ليس فقط ماسميت بصبية التلال، وغيرها من الاسماء، وإنما تبرز يومياً اسماء جديدة تحترف القتل وتستولي على الأرض والبيوت وتطرد المواطنين، وتحرمهم من دخول أرضهم، وهذا النشاط لم يتوقف ويجري دعمه بشكل رسمي رغم المواقف الدولية العديدة التي اعترضت على الاستيطان وحذرت من استيراد منتجات المستوطنين ومقاطعتها، الاّ أن اسرائيل لم تنصع لقرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص، وتجد حماية، من جانب الادارات الأمريكية التي تغيرت مواقفها من الاستيطان لصالح اليمين الاسرائيلي.

اصرار الأردن على سلام عملي فاعل جعله يوكد على ذلك وأخره في مؤتمر شرم الشيخ بالتمسك الواضح بضرورة اقامة الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين وكان ذلك جلياً في مقابلة الملك الأخيرة لتلفزيون ال BBC، وما زال الملك يسعى وينتقل من دولة الى اخرى ويحط الرحال في العواصم والمنتديات والمحافل ويتحدث بصوت مسموع أمام العالم كله يذكر بغياب انسانية البشرية المعاصرة أمام مشاهد الابادة والتطهير العرقي واستمرار شراء الوقت لصالح العدوان الذي يضع الذرائع لاستمرار القتل بكل الأشكال وخاصة التجويع وعدم دخول المساعدات الاّ بالقطارة.

وكان الأمير الحسن بن طلال، قد أسمى المستوطنات بالمستعمرات، وظل يستعمل هذا الاسم وقد حذر أخيراً بعد أن كتب كثيراً في الموضوع، حذر من مغبة استمرار بناء المستعمرات وخطورة ذلك، وقال كلاماً هاما في مؤتمر (الاغاثة العاجلة للقطاع الصحي في غزة. ")أن وقف اطلاق النار لا يعتبر سلاماً بأي حال، مستذكرا ما حدث بعد الحرب على غزة عام 2014، حيث دفعت أموال كثيرة، سرعان ما تحولت الى ركام ودعى على فرصة حقيقية للعمل الجماعي، داعياً الى استثمار رأس المال الانساني فيي اعادة اعمار القطاع، (هذا قبل تدمير غزة مجددا بعد السابع من اكتوبر 2023).

ويرى الامير الحسن، أن إعادة إعمار كرامة الانسان ووجدانه قبل بناء الهياكل المادية، محذراً من استغلال الوضع في غزة لمصالح ضيقة.

صرخة الأمير ذهبت أدراج الرياح، وجملته لم يجر اعرابها وبقيت المستعمرات، التي تتحول الآن في الضفة الغربية المحتلة الى قواعد عسكرية، تشكل مخاطر أكبر وتنذر باعادة اشعال الشرق الأوسط كله، لأن استمرار الاستيطان لم يترك مكانا للدولة الفلسطينية التي صوت العالم على اقامتها، وهذا ما دفع الملك عبد الله الثاني، ان يضع اقامة الدولة الفلسطينية مقابل الهلاك في حال عدم قيامها، وظلت اسرائيل ترفض تسمية المستوطنات بالمستعمرات، باعتبارها تذكر بجنوب افريقيا، وقد استعمل مصطلح المستعمرات بدل المستوطنات في كتابات الزميل حماده الفراعنة، الذي جرت قرصنة صفحاته لهذا السبب حتى الآن

لا أريد أن اتتبع تاريخ وبداية الاستيطان واكتفي بذكر حجمه وطبيعته وخاصة في زمن حكومات نتنياهو ، حيث صدر تقرير اسرائيلي هذا العام يتناول زيادة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة بنسبة 40% خلال حكم نتنياهو الذي تطلبه الآن المحكمة الجنائية الدولية رغم ضغوط الادارة الأمريكية لمنع ذلك، فقد ارتفع عدد المستوطنات في زمنه من 128 في الضفة الغربية الى 178 بزيادة ما ذكرناه من نسبة، وقد رافق التقرير، العريضة المرسلة الى نتنياهو من حزب الليكود الى رئيس الكنيست تطالب نتنياهو الذي حرك الأمر بتطبيق السيادة على الضفة الغربية وضمها بشكل فوري رغم صدور تصريحات أمريكية ضد ذلك

وما زالت الوحدات السكنية في المستوطنات تتزايد، إذ تمت الموافقات على 42 ألف وحدة سكنية استيطانية جديدة، حيث وصل عدد البؤر الاستيطانية غير القانونية 214، وحيث بلغت مساحات الارض المصادرة حوالي 787 كيلو متر مربع وسط الضفة الغربية، كما جرى هدم 138 مبنى فلسطينيا منذ سنتين حتى الآن.