وجهات نظر

مازال جرح غزة ينزف

مازال جرح غزة ينزف

بالكاد بات الملك عبد الله الثاني، ليلته حين عاد من قمة شرم الشيخ، وقد كان في صدره كلام كثير ومشاعر مختلفة، فقد كان يطمع بما هو أفضل وأكثر وضوحاً في الخطط والقرارات ومبادرة الرئيس ترامب وقمته التي شارك في رئاستها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

أدرك الملك عبد الله أن شرم الشيخ لها مابعدها لأن في التفاصيل تكمن المشاكل عادة وتقوم الفتوى، ويستطيع الراغبون التفلت من أي التزام، ففي التفاصيل كما يقولون تكمن جهنم ، ولذا أراد الملك أعراب جملة قمة شرم الشيخ، وما جرى فيه بنيات أوضح، وقد عبر عن ذلك في مقابلته الشهيرة في برنامج بانوروما مع تلفزيون ال BBC، ليوصل الرسالة التي أراد ان يقولها.

غادر الملك بعد عودته من شرم الشيخ وتوجه راسا الى الفاتيكان والى الرئاسة الايطالية والحكومة، وفي كل محطات جولته الاوربية ليضع الجميع في رؤيته بمحاذير الاعتقاد بأن كل شيء كما يرام، لافتاً الانتباه الى جملة من القضايا الكامنه في التنفيذ ومدى الالتزام به.

لقد عبر الملك بوضوح أنه لا يثق برئيس الوزراء نتنياهو، وحكومته المتطرفة، وأنهم ما زالوا يعملون على إشعال المنطقة، وقد تحققت النبوءة الملكية في الانتهاكات اللاحقة والذرائع التي يختبئ وراءها رئيس الوزراء الاسرائيلي ومؤيدوه في الحكومة، وقد عملوا على تضليل الرئيس الأمريكي ترامب، الذي أرسل الى المنطقة نائبه فانس وصهره كوشنر ، وكان ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب قد تابع ولم يجد تطابق حساب الحقل مع البيدر، حين قال كوشنير، صهر الرئيس ايضا أن غزة كأنها رميت بقنابل ذرية ليؤكد حجم الدمار واستمراره وعلى ما ارتكبته اسرائيل من جرائم. الملك عمل من خلال جهده السياسي والدبلوماسي أن يشكل رافعة للجهود الدولية وان يصون الجهد الـ دولي في شرم الشيخ من الانهيار والتبديد.

لم يقف الكثير ون في غزة التي منعت عنها الصحافة الاجنبية على حجم الدمار وعلى المستوى الداخلي، فما زالت المجاعة وما زالت المسيرات الاسرائيلية تقتل الغزيين وما زالت الأدوية غائبة والمستشفيات معطلة والوقود بالكاد يصل، ما زالت غزة مشلولة ومهدمة ومعابرها الرئيسية مغلقة وخاصة معبر رفح، وما زالت الآف الشاحنات متوقفة ولم يصل منها الاّ القليل الذي لا يغير في الوضع شيئاً، ولم تحل ولن تحل المشكلة، الاّ إذا فتح معبر رفح مع مصر، والاّ إذا عادت وكالة الغوث الدولية تعمل بكامل طاقتها وإدارتها المميزة بمعرفة طبيعة المكان والتعامل مع المواطنين.

ما زالت اسرائيل تراهن على فتنة داخلية في غزة، حيث تواصل رفضها عودة السلطة الفلسطينية وحين تجد لحمايتها تعبيرات من حق اسرائيل أن تدافع عن نفسها بعد كل عدوان وخرق لوقف النار.

ما زالت اسرائيل تدعي اشتباكات داخلية مع قواتها كما في رفح وقد نفتها المقاومة، لأن اسرائيل تريد ذرائع لاستمرار عدوانها، ولذا حركت طابورا خامسا وقوات تأتمر بأمرها في داخل غزة نسبت اليها أعمال مقاومة.

لقد ثبت ان غزة لا تحكم الاّ بأهلها وهؤلا لا بد أن يكونوا من دمها ولحمها ومن ابنائها الذين يعيشون عذاباتها ويتطلعون لحريتها ومع أن التوافق قد جاء على أن تخلي حماس المسؤولية عن غزة مقابل مرحلة انتقالية لعدة سنوات تتولى أطراف محايدة ومدنية ادارة القطاع، الا أن اسرائيل ما زالت تعطل ذلك وما زالت تقف حجر عثرة ضد عودة السلطة الفلسطينية أو قيادة فلسطينية يقبلها الغزيون، وهذا الأمر ليس جديداً، ففي فكر الحركة الصهيونية منذ نشأة اسرائيل أن لا يحكم غزة وفلسطين أحد من ابنائها.

وقد كان الاستثناء الوحيد رئيس السلطة ياسر عرفات الذي قضى في الحصار وكذلك الرئيس أبو مازن، الذي عملت اسرائيل كل جهدها ان لا يشارك ومنعته من حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحتى المشاركة في شرم الشيخ، لولا الضغوط والجهود العربية والدولية، لإحضاره وتدخل الرئيس الفرنسي كي يقابل الرئيس ترامب على عجل، وقد جرى تغييب السلطة الفلسطينة ودورها، ولم تذكر في قوائم الحاضرين ولم يرفع العلم الفلسطيني الذي يرفرف في 160 دولة وأمام الأمم المتحدة.

ما زال الجرح الفلسطيني نازفاً وما زال الصمود الفلسطيني قائما وما زالت ارادة الشعب الفلسطيني هي الكفيلة بحمايته وافشال مخططات التهجير التي ما زالت حيّة.