وجهات نظر

الأردن ليس فندقا ..

الأردن ليس فندقا ..

يرتب الجميع أوراقه على أكثر من سيناريو، لما هو قادم بعد اتفاق غزة، ولا شك أن الأردن يقوم بالحسابات، ونأمل بمراجعة واسعة تتضمن مواجهة أخطاء ارتكبت، والبدء بمعالجة تبنى على قاعدة الأردن أولا وآخرا.

أول ما نحتاج شطبه من قاموسنا، تلك الصيغ الرمادية في خطابنا الرسمي التي تفهم على أكثر من وجه، وترضي مزاج جميع الأطراف.
الصراحة هذه سياسة مجربة لا تبني الاستقرار، حيث كانت النار تعود دائما من تحت الرماد عند أول ازمة، وما حدث خلال تطورات غزة، أكبر دليل على ذلك.
خطاب رمادي ترك مساحة لحماس وغيرها، محاولة تأسيس حاضنة لها في الأردن، تخاطبهم تحركهم، أيضا جعل نتنياهو وحكومته المتطرفة، يراهنون على هذا الخطاب، بالتسويق للوطن البديل، كون الأردن يضم جميع الفلسطينيين.
ليس هذا فقط، هناك من يعمل علانية وخلف الأبواب المغلقة، على المحاصصة بالأردن من باب المظلومية.
كل هؤلاء يريدون حلولا على حساب الأردن، وكأنه غير موجود، ومن هنا كانت الحملات التي شككت بوجوده من الأساس، واتهامات العمالة والخيانة، والقائمة تطول، بالطبع نحن أكبر من أن نرد، لكن هذا لا يعني التجاهل، خصوصا إذا كانت هذه الأصوات من الداخل.
كان الحسم دائما يأتي من قمة الهرم فالملك عبدالله الثاني كان واضحا وصريحا عندما قال أن لدينا جيش ونحارب ردأ على أي مخطط على حساب الأردن
لكن تبقى الإشكالية التي أنتجت هذا الوضع ، وهي حالة الازدواجية التي لم تعالج بحزم والتي تركت للبعض أن يختار، متى يكون أردنيا ومتى لا يكون، وسببها عدم الحزم والحسم في مسألة الهوية، والانتماء لمبررات الخوف التي يسوقها البعض، لعدم الخوض في هذه المسألة، لدرجة أن رفع العلم الأردني في تظاهرة على الأرض الأردنية، ليس محل ترحيب! ولدينا شواهد على الأرض.
كل من يطالب بضرورة إعادة تعريف الحدود بين الهويتين، يهاجم ويتهم بالعنصرية والعمالة! هذه الشماعة سقطت، مللنا من تجار القضية، وحان الوقت لرسم حدود بين الهويتين لمصلحة الطرفين، فتمسكنا بفلسطينية الفلسطيني هو خط الدفاع الأول عن القضية، واعتزازنا بهويتنا الأردنية يعد رأس حربة للدفاع عن وطننا.
الاستمرار بأسلوب التقية للتعامل مع هذه المسألة لم يعد مقبولا، رغم تصوير البعض أنه قضية حساسة وخطيرة، على العكس تماما.. لا يمكن أن تحصن الجبهة الداخلية، إلا بفك اشتباك الهوية، والاحترام المتبادل، وعدم السماح لأية مشاريع تستغل الأرض الأردنية، أو أي مكون فيها ضد سيادة الأردن وشعبه.

الأزمات لم تنته، والقادم صعب، هناك تحديات كبيرة تنتظرنا، نجحنا في اختبارات الأمس، ونجونا بفضل حكمة قيادتنا وجيشنا وأمننا، فالأردن بقوته ومنعته بنته تحديات جسام عبر التاريخ.

نعرف أعداءنا بالخارج، ولكننا ومنذ سنوات، ندفع ثمنا لأخطاء مسؤولين في الداخل ، اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا وفي مجالات عدة، نعم هذه حقيقة، فلدينا بطانة مسؤولين اختصرت الدولة وتخطيطها، وإدارة الدولة اليوم، مقيدة بوجوه مكررة ثبت فشلها، في أكثر من مجال،
لذلك يجب تفكيك هذه الدائرة التي تتحول لدولة عميقة، وتوسيع المشاركة والتجديد ومنع التهميش والأقصاء الشخصي إذا ما أردنا شارعا أردنيا موحدا، يقف سندا مع الدولة لا عليها.
علينا أن نؤكد على سيادة الهوية الأردنية، ودورنا الداعم للأشقاء الفلسطينيين، كما هو من الاشقاء العرب. لا حلول على حسابنا داعمين لصمودهم وخياراتهم وتفاوضهم، لكن تركيزنا كما الآخرين، على حماية الوطن.
وبخصوص الازدواجية لا يجب أن تكون محلا للجدل والنقاش داخل الأردن، هذه قضية محسومة ،وعلى الخطاب الإعلامي أن يكون واضحا فيها، والقانون جاهز لمحاسبة من يخالفها.. فالأردن ليس فندقا والجواز وثيقة انتماء أكثر منها رصيد في البنك، فحامله يجب أن يكون محترما له ولرمزيته .. فمن غير المقبول أن يكون الجواز بيد من يشكك أساسا بوجود الأردن. أقول ذلك ردا على الناكرين، الذين يحملون الجواز، يتنقلون به ويتمتعون باقتصاد وخدمات الدولة التي يشككون بها.
مهم القول من باب التذكير، لا من باب تحميل الجميلة.. إن الأردن الدولة الوحيدة التي فتحت أبوابها وبيوتها، ويشهد التاريخ والحاضر لمشاركة الأردنيين من أصول فلسطينية بالسلطة والبرلمان وصولا لرئاسة الحكومة.. لم تعاملهم الدولة بالوثائق، ولم تضعهم بمخيم يمنعهم من الخروج، ولم يضع الأردن قانونا بأن الفلسطيني الذي يموت ترث بيته الدولة! وللكثير منهم في وجداننا المحبة والعرفان.

ومع هذا، فإن الوحدة الوطنية تبقى مصطلحا هشا، ما لم يتم رسم حدود لا يجب تجاوزها، تحفظ القضية لأهلها والدولة الأردنية. ومن يتعامل مع الأردن على أنه فندق، عليه أن يعيد حساباته وحزم حقائبه، فالتاريخ أفضل معلم.