وجهات نظر

نتنياهو في ظل الإمبراطور ترامب

نتنياهو في ظل الإمبراطور ترامب

يصعب على أي محلل ، قراءة ما يدور في خاطر رئيس ، تتغيّر مواقفه وفق مقتضى الحال مثل ترامب ، خاصةً بعد عرضه الإمبراطوري ، الذي تداخلت فيه فوضى المعاني بالتلميحات ، هنا وهناك أمام الكنيست . الجميع يعرف أن واشنطن مستعدة للدفاع عن إسرائيل ، هذه فرضيةٌ مفروغ من صحّتها في وجدان أهل الشرق الأوسط ، ويعرفها حكّام المنطقة جيداً ، ولكن وفق البيت الابيض ، هذا لا يعني إطلاق يد تل أبيب تماماً ، دون أي رادع أو بعض حساب .

لكن نتنياهو تجاهل ، هذه المعادلة في حربه على غزة ، عندما تمادى بتوسيع مداها ، حتى وصلت أركان الخليج العربي . لقد حاول ترامب، تصحيح مسار إسرائيل المنفلت ، بعد أن سادها فيضٌ من النشوة ، بفضل الدعم الأمريكي ، إذ أعتقد بعضهم أنها خاليةٌ من الضوابط ، ظنّ نتنياهو وفقها أن ليس لها حدود ، طوال مرحلة الحرب التي امتدّت نحو عامين .

مجازر غزة لم تُثر اهتمام ترامب ، ولكن الهجوم على قطر ، كان بالنسبة له تجاوزٌ إسرائيليٌ لهوامش الحركة الممنوحة لنتنياهو ، لم يكن هذا الاخير بافضل أحواله ، وهو يقبل إيقاف الحرب التي أوغل فيها بالأكاذيب ، فقد كانت رسالة ترامب واضحة للكنيست ، قال فيها أن واشنطن ومصالحها أولاً ومصالح إسرائيل في المرتبة الثانية ، وبدا لأعضاء الكنيست المبتهجين بإطراءات ترامب ، أن إسرائيل ليست اكثرمن محمية أمريكية بنظر الاخير ، إذ نَقَلَ مسؤول بارز في البيت الأبيض ، عن ترامب قوله " إسرائيل بدون الولايات المتحدة لن تكون موجودة أصلا ، وأنا لست مضطراً لقول هذا " .

رغم كل الدعم الذي قدمه ترامب ، فإن الفجوة بين ادارته وإسرائيل من جهة ، وبقية العالم العربي ، بشأن القضايا طويلة الأمد ، ستبقى موجودة ، في ظل هكذا حكومة متطرفة، خاصة مسألة الطريق نحو حل الدولتين ، وهي المسألة التي لاتزال بحاجة ملحة لقيادة أمريكية واعية .

لقد شكّل خطاب ترامب رافعة سياسية لنتنياهو ، بل غسيل سمعه له ، حاول ترامب من خلاله إعادة الاعتبار له ، ليس أمام العالم وحسب ، وانما داخل إئتلاف حكومته الهش أيضاً ، ولكن ثبات هذا الأطراء ، يبقى في دائرة الشك ، على المدى البعيد مع زعيم مثل ترامب ، وربما يكون له ثمن عند رجل يصعب رصد ردود أفعاله ، وهو ما جعل الاتفاق الموقّع ، مجرد بيان يعبّر عن رؤية أكثر من كونه أي شيء آخر ، إذ بدا واضحاً تجاهل ترامب ، لكل المعايير السياسية التي تحكم علاقات واشنطن بدول المنطقة ، هذا الانحياز الامريكي المطلق والمعروف عربياً لصالح إسرائيل ، ربما هو الذي دفع زعماء السعودية والإمارات ، لمقاطعة قمة شرم الشيخ ، كونهم يعلمون جيداً، أن الإعمار والرفاه الاقتصادي المزعوم في غزة ، والمفترض أن يأتي على حساب خزائنهم بنظر ترامب ، لا يُغني عن الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني .

لقد أوضح ترامب بهذا السلوك الإمبراطوري الأبوي ، الذي أغدقه على نتنياهو ، أن الأخير لن يتمكن ، من المناورة ، والوقوف طويلا بين تحالفين ، ذاك الذي يقيمه مع ترامب ، والآخر الذي يقوده ويتحكّم به سيموتريتش وبن غفير .

لا أظن أن نتنياهو بعد اتفاق غزة ، قادرٌ على مواصلة تجسير الهوة بين التحالفين ، والرضوخ طويلا لغلاة اليمين في حكومته ، وإرضاء الرئيس ترامب في آن واحد ، وهو الأمر الذي باتت الإدارة الأمريكية ، تخشى من عواقبه على مصالحها الطويلة المدى في المنطقة .