وجهات نظر

الملك عبد الله .. صوت الحكمة في زمن الحرب

الملك عبد الله  ..  صوت الحكمة في زمن الحرب

في زمنٍ اشتدّت فيه العواصف، وتراجع فيه صوتُ العقل أمام ضجيج الحرب، نهض الملك عبدالله الثاني بن الحسين بثبات القائد المؤمن بعدالة الموقف، يعمل بصمت الكبار، وبحكمة الهاشميين التي لا تبحث عن ضوءٍ ولا تنتظر ثناء.

قاد جلالته جهودًا جبارة، متقدّمة بالفعل لا بالقول، دفاعًا عن حقٍّ عربيٍّ أصيل، وعن إنسانٍ محاصرٍ في غزة، فكان الصوت العاقل في عالمٍ غابت فيه العدالة، والبوصلة التي أعادت للإنسانية اتجاهها الصحيح.

لم يكن يسعى إلى مجدٍ شخصي، بل إلى سلامٍ عادلٍ وشاملٍ يصون كرامة الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة، ويصون معهما الموقف الأردني الثابت الذي لا يعرف المساومة.

على مدى عامين من حربٍ قاسيةٍ وإبادةٍ جماعية ارتكبها الاحتلال بحقّ الشعب الفلسطيني، ظلّ الملك عبدالله الثاني يرفع الصوت الإنساني والسياسي في وجه آلة القتل، محذّرًا من التمادي في الظلم، وداعيًا العالم إلى تحمّل مسؤوليته الأخلاقية.

وفي الوقت الذي خيّم فيه الصمت على كثيرين، كان جلالته يقود حراكًا دبلوماسيًا واسعًا، يوظّف مكانته المرموقة وعلاقاته الدولية الرفيعة ليكون للأردن، وللقضية الفلسطينية، موقعُ الفعل لا موقعُ القول.

وفي ميدان السياسة والسيادة، كان الملك أول زعيم عربي يتوجّه إلى واشنطن ليواجه مشاريع التهجير ويُسقط أوهام الوطن البديل، مؤكدًا أمام قادة العالم أن الأردن لن يكون ساحة لتصفية القضية الفلسطينية، وأن ثوابته الوطنية غير قابلة للمساومة.

لم يكتفِ جلالته بذلك الموقف الشجاع، بل حمل الرواية الفلسطينية إلى العواصم الكبرى، فحرّك الرأي العام العالمي وأعاد الوعي الإنساني إلى مساره.

ولعلّ خطابه أمام البرلمان الأوروبي شكّل نقطة تحوّل في الرؤية الدولية، إذ خاطب الضمير العالمي بلغة الحق والإنسان، ودفع بالكثير من الدول إلى الاعتراف بدولة فلسطين، بعد أن أيقظ في العالم حسّ العدالة الغائب.

وفي القمّة العربية الأخيرة في الدوحة، كان الملك عبدالله الثاني صوتًا صريحًا لا يهادن، طالب بالأفعال لا الأقوال، وبمواقف حازمة تضع حدًّا للعدوان، في مشهدٍ جسّد صلابة الموقف الأردني وعمق الحكمة الهاشمية في التعامل مع الأزمات.

أما في ميدان الواجب الإنساني، فقد كان الأردن، بتوجيهات مباشرة من جلالة الملك، في مقدّمة من لبّى نداء غزة.

فمنذ اللحظات الأولى، انطلقت الجسور الجوية والبرية الأردنية لكسر الحصار، حيث نفّذ سلاح الجو الملكي أكثر من 564 إنزالًا جويًا داخل المناطق المحاصرة، فيما سيّرت الهيئة الخيرية الهاشمية 201 قافلة إغاثية تضمّ أكثر من 8,600 شاحنة محمّلة بالغذاء والدواء والمستلزمات الإنسانية.

كما واصلت المستشفيات الميدانية الأردنية عملها في القطاع، مقدّمة آلاف العمليات الجراحية والعلاجات للنساء والأطفال وكبار السن، لتبقى راية الجيش العربي مرفوعة في ميادين العطاء والرحمة كما هي في ميادين الشرف والبطولة.

تلك الأرقام والمواقف ليست مجرّد إنجازات إنسانية، بل شواهد حيّة على نهج الأردن الثابت منذ تأسيسه: دعم القضية الفلسطينية في كل المراحل، بالقول والفعل، بالموقف والميدان.

وما قام به جلالة الملك عبدالله الثاني اليوم هو الأساس الذي بُنيت عليه اتفاقية وقف الحرب في غزة، وهو الحقيقة التي تشهد عليها مواقفه المعلنة وتحركاته المثبتة.

إنه القائد الذي جمع بين الحكمة والشجاعة، بين الثبات والمرونة، ليصنع للأردن موقعه الأسمى في التاريخ، ويؤكد أن الصوت الهاشمي كان — وسيبقى — صوت العدالة العربية والإنسانية معًا.

ومن واجبنا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نلتف حول قيادتنا الهاشمية، وأن نحافظ على وحدة جبهتنا الداخلية، وأن نغلب المصلحة الوطنية العليا، من أجل قوة الأردن ومنعته واستمراره في حمل رسالته التاريخية نحو السلام العادل ومشروع تحديث الدولة.