بين ربيحات والغوانمة ثمة وطن !!
بمحض المصادفة ودونما اي تخطيط قرأت كتابين بالتوالي من جنس المذكرات..
ما ان فرغت من العيش مع مذكرات الدكتور صبري ربيحات بكل ما اخذتني به، حتى وجدت نفسي منغمسا مع روح الدكتور المرحوم يوسف الغوانمة المشاكسة في مذكراته..
انتقلت الهوينا من الجنوب الى الشمال في وطن يبدو احيانا انه وطن العجائب.. فلقد تلقيت بكل الشرف حزمة من كتب من مؤلفات المرحوم الدكتور يوسف غوانمة، وكذلك كتاب المملكة الهاشمية في الحجاز للمرحومة ابنته (هنادي) حين فاجأنا الموت باختطافها مبكرا وخسرنا احدى مبدعات الأردن.
وهبتني استاذة التاريخ المتخصصة في حزبي الليكود والعمل الدكتورة نرمين كريمة المرحوم يوسف، هذه الحزمة الجميلة هدية منها بكرم معهود فيها، ووافيت نفسي اختار البدء بكتاب المذكرات للمرحوم الدكتور يوسف غوانمة المؤرخ المحترم النبيل، بعنوان (مذكراتي، رحلة حلم، وطموح، واشواك)
احببت ان ابدأ بتعرفي على الدكتور يوسف غوانمة، اذ تعود علاقتي به إلى منتصف الثمانينيات، حين كنت اعد مع الدكتور علي الزغل يرحمه الله برنامج المعسكر القومي للشباب العربي، ورحت ابحث بعد ان فرغت من بحث الجنرال الباكستاني ا. ا. اكرام، الذي وثق لمعركة اليرموك، عن تثبيت للحقائق من عالم اردني، ودلني الدكتور عدنان بدران اطال الله في عمره، على يوسف الغوانمة،
قال مداعبا لي حين سألته: بتحب تشرب قهوتك مع خالد بن الوليد، عليك بيوسف غوانمة
واشهد انه كان نعم المرجع لي في ذلك الزمن الاردني البهي، حين كنا نصنع مشروعا شبابيا ظننا انفسنا اننا نتمم بعض مكارم مشروع النهضة العربية..
ثم بعد ذلك التقينا على حواف مطلع التسعينيات، في لجنة ملكية لانجاز مشروع جريدة النهضة، وكان احدى احلام سيد الاردن الحسين رحمه الله، وكان يوسف وانا اعضاء في تلك اللجنة والتي لم تر النور بسبب ان اللغة كانت تطغى على المفاهيم والاهداف وتبخرت الفكرة كلها، وربما ان يأتي يوم قريب اتناول كل جوانب تلك التجربة..
وجدت يوسف غوانمة باكاديميته لا يحفل بما حوله من معارك صاخبة بين طرفي المعادلة التي اودت بالتجربة وظل مخلصا لاكاديميته، ويناقش القضايا بمنتهى المسؤولية!!
ولقد رسخ في ذهني صورة دائمة عن يوسف
مذكرات يوسف غوانمة.. فيها اعتراف يدرك الامتنان لدور المرأة الشريكة. فزوجته التي اصطفاها ابنة استاذه في المدرسة، قد وقفت معه بثبات وإرادة وتحملت كل تبعات الشراكة بصبر حتى يظفر بما خطط له
وإن رصده لحياة مكة المكرمة في ستينيات القرن الماضي تلهم الانسان بفكرة راسخة انه ليس بالنفط وحده ترتقي الامم، فالاردن
الذي افتقر الى مصادر دخل باذخة كان قد انجز ما يفوق كل اشقائه لمثابرة ناسه واهله الذين تعلموا ان الطموح وسيلة ارتقاء، وكذلك نباهة القيادة ووعيها في ادراكها لمعنى (النشوء والارتقاء)
ظلال مصر التي احبها يوسف غوانمة بعناية، ظلت تسكن قلبه، وابقى على امتنانه لها، لانه حظي بعلومه العليا من جامعة الاسكندرية.
يوسف غوانمة اول من نبش في تاريخ الكرك في العصر الايوبي، وبذلك اكمل ما بدأه الاستاذ المبجل عدنان البخيت اطال الله عمره، حول هذا الحيز القيم الذي هو سرة الولاء للدولة الهاشمية
إن تجربة الاستاذ الدكتور يوسف غوانمة في اليرموك، قد صنع منها حكايته الخاصة للحب المنبعث من تحت كل حرف من حروف مذكراته.. واخطر ما في توقفه في محطة الجامعة، تلك الصراحة الجسورة التي شخصت لأول مرة، كيف حيكت المؤامرة على جامعة باكملها للاطاحة بشخص هو عدنان بدران.. لقد انصف يوسف عدنان انصافا يستحقه…
وظل يعتبر جامعة اليرموك بيته الذي يدفئ فيه قلبه…
إن ما حفلت به مذكرات يوسف غوانمة عن الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في بلدة سحم الكفارات المدججة بالتاريخ والتراث والاثار والرمان، يصح ان تكون نموذجا يروى عن حياة الريف في بلادنا، لقد رسخ يوسف في مذكراته معنى (التكافل الانساني) في بلدات الضفتين ابان الوحدة..
إن سحم الكفارات، قد خلدها يوسف غوانمة وادخلها للحياة العامة في مذكراته لتصير مثل كل البلدات التي اشهرتها اما الزعامة التي تتخطى المحلية مثل (المختارة وال جنبولاط) او الكرك والمجالي، او الخليل والجعبري ومرقة، رعاة الوحدة بين الضفتين…
لقد خلد يوسف غوانمة مكان ولادته بخير ما يكون التخليد..
اسهمت مذكرات يوسف الغوانمة بالمرور التفصيلي والتوضيحي لهيجان امة العرب في خمسينيات القرن الفارط..
لقد كان يوسف موضوعيا في بوحه بالاخلاص للبعث الحزب، ووصفه لرفضه الهيمنة على عقله وخروجه مبكرا من التجربة..
ان النضال الطلابي الذي كان هو احد عناوينه مع المرحوم (حقي الخصاونة) والذي مضى الى سبيل ربه مقتولا استبسالا في الدفاع عن الحركة الطلابية يظل سفرا خالدا في تمسك الاردنيين بعروبتهم ورفضهم الدائم للتجزءة
بقي القول ان الحياة العائلية التي صاغها يوسف غوانمة مع شريكة عمره ورفيقة دربه ام هشام رحمها الله والتي وصف مرضها بمنتهى الانسانية والرقة، تظل صورة لنضج ابناء الطبقة الوسطة وحرصهم على التقدم، وكذلك البرهان على ان ابناء الريف تواقون دوما الى خلق حالة عائلية متقدمة راقية وهانئة،
ولقد اثمرت هذه الشراكة النبيلة قامات علمية يشار لها بالاعتزاز والمباهاة..
بين قبره يرحمه الله في سحم وقصره المكون من عشرات الكتب في التاريخ يظل يوسف غوانمة احد علماء التاريخ في بلادنا مصدر فخار، وبوابة علم
يرحمه الله
ما ان فرغت من العيش مع مذكرات الدكتور صبري ربيحات بكل ما اخذتني به، حتى وجدت نفسي منغمسا مع روح الدكتور المرحوم يوسف الغوانمة المشاكسة في مذكراته..
انتقلت الهوينا من الجنوب الى الشمال في وطن يبدو احيانا انه وطن العجائب.. فلقد تلقيت بكل الشرف حزمة من كتب من مؤلفات المرحوم الدكتور يوسف غوانمة، وكذلك كتاب المملكة الهاشمية في الحجاز للمرحومة ابنته (هنادي) حين فاجأنا الموت باختطافها مبكرا وخسرنا احدى مبدعات الأردن.
وهبتني استاذة التاريخ المتخصصة في حزبي الليكود والعمل الدكتورة نرمين كريمة المرحوم يوسف، هذه الحزمة الجميلة هدية منها بكرم معهود فيها، ووافيت نفسي اختار البدء بكتاب المذكرات للمرحوم الدكتور يوسف غوانمة المؤرخ المحترم النبيل، بعنوان (مذكراتي، رحلة حلم، وطموح، واشواك)
احببت ان ابدأ بتعرفي على الدكتور يوسف غوانمة، اذ تعود علاقتي به إلى منتصف الثمانينيات، حين كنت اعد مع الدكتور علي الزغل يرحمه الله برنامج المعسكر القومي للشباب العربي، ورحت ابحث بعد ان فرغت من بحث الجنرال الباكستاني ا. ا. اكرام، الذي وثق لمعركة اليرموك، عن تثبيت للحقائق من عالم اردني، ودلني الدكتور عدنان بدران اطال الله في عمره، على يوسف الغوانمة،
قال مداعبا لي حين سألته: بتحب تشرب قهوتك مع خالد بن الوليد، عليك بيوسف غوانمة
واشهد انه كان نعم المرجع لي في ذلك الزمن الاردني البهي، حين كنا نصنع مشروعا شبابيا ظننا انفسنا اننا نتمم بعض مكارم مشروع النهضة العربية..
ثم بعد ذلك التقينا على حواف مطلع التسعينيات، في لجنة ملكية لانجاز مشروع جريدة النهضة، وكان احدى احلام سيد الاردن الحسين رحمه الله، وكان يوسف وانا اعضاء في تلك اللجنة والتي لم تر النور بسبب ان اللغة كانت تطغى على المفاهيم والاهداف وتبخرت الفكرة كلها، وربما ان يأتي يوم قريب اتناول كل جوانب تلك التجربة..
وجدت يوسف غوانمة باكاديميته لا يحفل بما حوله من معارك صاخبة بين طرفي المعادلة التي اودت بالتجربة وظل مخلصا لاكاديميته، ويناقش القضايا بمنتهى المسؤولية!!
ولقد رسخ في ذهني صورة دائمة عن يوسف
مذكرات يوسف غوانمة.. فيها اعتراف يدرك الامتنان لدور المرأة الشريكة. فزوجته التي اصطفاها ابنة استاذه في المدرسة، قد وقفت معه بثبات وإرادة وتحملت كل تبعات الشراكة بصبر حتى يظفر بما خطط له
وإن رصده لحياة مكة المكرمة في ستينيات القرن الماضي تلهم الانسان بفكرة راسخة انه ليس بالنفط وحده ترتقي الامم، فالاردن
الذي افتقر الى مصادر دخل باذخة كان قد انجز ما يفوق كل اشقائه لمثابرة ناسه واهله الذين تعلموا ان الطموح وسيلة ارتقاء، وكذلك نباهة القيادة ووعيها في ادراكها لمعنى (النشوء والارتقاء)
ظلال مصر التي احبها يوسف غوانمة بعناية، ظلت تسكن قلبه، وابقى على امتنانه لها، لانه حظي بعلومه العليا من جامعة الاسكندرية.
يوسف غوانمة اول من نبش في تاريخ الكرك في العصر الايوبي، وبذلك اكمل ما بدأه الاستاذ المبجل عدنان البخيت اطال الله عمره، حول هذا الحيز القيم الذي هو سرة الولاء للدولة الهاشمية
إن تجربة الاستاذ الدكتور يوسف غوانمة في اليرموك، قد صنع منها حكايته الخاصة للحب المنبعث من تحت كل حرف من حروف مذكراته.. واخطر ما في توقفه في محطة الجامعة، تلك الصراحة الجسورة التي شخصت لأول مرة، كيف حيكت المؤامرة على جامعة باكملها للاطاحة بشخص هو عدنان بدران.. لقد انصف يوسف عدنان انصافا يستحقه…
وظل يعتبر جامعة اليرموك بيته الذي يدفئ فيه قلبه…
إن ما حفلت به مذكرات يوسف غوانمة عن الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في بلدة سحم الكفارات المدججة بالتاريخ والتراث والاثار والرمان، يصح ان تكون نموذجا يروى عن حياة الريف في بلادنا، لقد رسخ يوسف في مذكراته معنى (التكافل الانساني) في بلدات الضفتين ابان الوحدة..
إن سحم الكفارات، قد خلدها يوسف غوانمة وادخلها للحياة العامة في مذكراته لتصير مثل كل البلدات التي اشهرتها اما الزعامة التي تتخطى المحلية مثل (المختارة وال جنبولاط) او الكرك والمجالي، او الخليل والجعبري ومرقة، رعاة الوحدة بين الضفتين…
لقد خلد يوسف غوانمة مكان ولادته بخير ما يكون التخليد..
اسهمت مذكرات يوسف الغوانمة بالمرور التفصيلي والتوضيحي لهيجان امة العرب في خمسينيات القرن الفارط..
لقد كان يوسف موضوعيا في بوحه بالاخلاص للبعث الحزب، ووصفه لرفضه الهيمنة على عقله وخروجه مبكرا من التجربة..
ان النضال الطلابي الذي كان هو احد عناوينه مع المرحوم (حقي الخصاونة) والذي مضى الى سبيل ربه مقتولا استبسالا في الدفاع عن الحركة الطلابية يظل سفرا خالدا في تمسك الاردنيين بعروبتهم ورفضهم الدائم للتجزءة
بقي القول ان الحياة العائلية التي صاغها يوسف غوانمة مع شريكة عمره ورفيقة دربه ام هشام رحمها الله والتي وصف مرضها بمنتهى الانسانية والرقة، تظل صورة لنضج ابناء الطبقة الوسطة وحرصهم على التقدم، وكذلك البرهان على ان ابناء الريف تواقون دوما الى خلق حالة عائلية متقدمة راقية وهانئة،
ولقد اثمرت هذه الشراكة النبيلة قامات علمية يشار لها بالاعتزاز والمباهاة..
بين قبره يرحمه الله في سحم وقصره المكون من عشرات الكتب في التاريخ يظل يوسف غوانمة احد علماء التاريخ في بلادنا مصدر فخار، وبوابة علم
يرحمه الله