أقوال جدارية من حول العالم: قصص العبارات وأماكن الجدران حوله
للعلّم - في هذا الدليل السريع ستتعرف على أهم الأقوال الجدارية المنتشرة في مدن عدة، القصص التي دفعت أصحابها لكتابة تلك العبارات، والمواقع التي حوّلت جدرانًا عادية إلى صفحات مفتوحة تحكي صوت الناس.
أصل فن الكتابة على الجدران
لم تكن الكتابة على الجدار ظاهرة عابرة أو فعلًا تخريبيًا خالصًا كما يعتقد البعض؛ بل هي امتداد لحاجة الإنسان العميقة إلى التعبير. منذ رسوم الكهوف الأولى في لاسكو وحتى الجرافيتي العصري في نيويورك، ظل الجدار مسرحًا مفتوحًا للأفكار الحرة. في العصور الرومانية القديمة، مثّلت جدران بومبي سجلًا حيًا لمشاعر السكان: من إعلان الحب إلى السخرية السياسية. عند اكتشاف المدينة المدفونة تحت الرماد لاحقًا، وجد علماء الآثار عبارات مثل «لا شيء يدوم للأبد» و«احذروا الكلب»، لتُظهر أن البشر لم يتغيروا كثيرًا في نزعتهم إلى المزاح أو التحذير عبر الطلاء والحجر.
انتقلت الفكرة لاحقًا إلى جدران المدن العربية مع الحركات التحررية في منتصف القرن العشرين. كانت العبارات تُكتب بفحم أو طباشير، ثم تختفي مع المطر، لكنها تعود أقوى بعدما يشعر أصحابها أن صوتهم خفت. هنا بدأ مفهوم «الجدار كمنبر» يترسخ.
أشهر الجدران التي تحمل أقوالًا في الشرق الأوسط
جدار شارع محمد محمود – القاهرة
يقع هذا الجدار قرب ميدان التحرير، وقد تحوّل إلى لوحة طويلة تمتد لعشرات الأمتار. كُتبت عليه شعارات ثورية، وبرزت عبارة «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» كأيقونة لصوت الشباب. القصة بدأت بعد أحداث 2011 عندما كان المتظاهرون يبحثون عن وسيلة دائمة تخلّد مطالبهم، فاستعان فنانو الشوارع بالألوان القوية لتثبيت الكلمات وسط الزحام، وصار الجدار مقصدًا لعدسات الصحافة الأجنبية والمحلية.
جدار بيرزيت – رام الله
على مقربة من جامعة بيرزيت، تنتصب كتلة إسمنتية رمادية تغلب عليها الكتابات بالأحمر والأسود. أشهرها جملة «سنعود ولو بعد حين»، كتبها طالب فقد أهله منزله خلال أحداث متلاحقة. ما يميز هذا الجدار أنه يتغيّر أسبوعيًا؛ إذ يعمد الطلبة إلى مسح ما سبق وكتابة قصص جديدة، وكأن الحائط دفتر يوميات جماعي.
حارة السعدية – عمان
تطل جداريات حارة السعدية في قلب جبل اللويبدة على مقاهي صغيرة تعج بالفنانين. هناك عبارة شهيرة تقول «ازرع حُلمًا تحصد وطنًا». حاكتها رسامة أردنية أرادت تشجيع سكان الحي على الاهتمام بالحدائق. مع مرور الوقت صار المارة يلتقطون صورًا أمام العبارة ويروون حكاية الرسامة التي زرعت عدة أشجار بنفسها قرب الجدار.
أقوال جدارية بارزة من أوروبا
جدار برلين – ألمانيا
بعد سقوط الجدار سنة 1989، تحوّل ما تبقى منه إلى معرض في الهواء الطلق. أشهر الأقوال المكتوبة «لا مزيد من الجدران» بخط يعلوه صدأ الزمن. كتبها شاب كان لا يتجاوز الثامنة عشرة، جاء من شرق المدينة في الليلة الأولى بعد الفتح. ظلّت عبارته نبوءة تذكّر زوار برلين بأن الحدود يمكن أن تهدم بكلمة.
بريستول – المملكة المتحدة
يشتهر حي ستوكس كروفت بجداره المكسو برسوم بانكسي. فوق هذه الرسوم تظهر كلمات: «كلنا نبحث عن مخرج من هذه المتاهة». صاحب العبارة طبيب نفسي حرّرها بعد مداواة مرضى الإدمان. يروي السكان أن الطبيب أراد تلخيص معاناتهم في جملة واحدة، فكتبها ثم غادر، لتصبح جزءًا من هوية المكان.
باريس – جدار الحب
على تلة مونمارتر يرتفع جدار أزرق كُتبت عليه كلمة «أحبك» بأكثر من 250 لغة. الفكرة ابتكرها فنانَان فرنسيان أرادا الاحتفاء بتنوع المدينة. بينما يتهادى السياح إلى الجدار ويلتقطون الصور، يكتشفون وجود لغة نادرة كالأمازيغية أو التاغالوغ، ما يمنحهم إحساسًا بأن الحب يتجاوز الحدود.
الجدران الناطقة في أمريكا اللاتينية
بوغوتا – كولومبيا
تنتشر في حي كانديلاريا عبارات سياسية مثل «الذاكرة أقوى من الرصاص». تعود القصة إلى صحافية فقدت زميلها في حادث أمني، فاختارت الجدار وسيلة لتذكير السكان بأن الرواية لا يجب أن يُكممها العنف. اليوم يظهر المرشدون السياحيون مكان العبارة كعلامة على مقاومة النسيان.
سانتياغو – تشيلي
على الجدران الخارجية لمحطة مترو «بايكيدانو» ظهرت عبارة «الموت لمن يسرق حلم الشعب». كتبتها مجموعة مجهولة خلال احتجاجات 2019. الفنون الجميلة في الجامعة المحلية قامت بتوثيق الجملة، وخلال معرض لاحق عرضت صورًا تتتبع تغيرها مع الأيام، إذ أضاف أحدهم «والحياة لمن يحميه» ليكمل الدائرة.
بوينس آيرس – الأرجنتين
في حي باليرمو، تتربع جملة «نحن ما نحكيه» على جدار وردي بارتفاع ثلاثة أمتار. صاحب العبارة شاعر شاب تُوفي في حادث سير قبل نشر ديوانه الأول، فقام أصدقاؤه بطلاء كلمته المفضلة تكريمًا له. تحوّل المكان إلى «مقام» لعشاق الشعر، يتركون زهورًا تحت الحائط كل ذكرى ميلاده.
كيفية توثيق وحفظ الأقوال الجدارية
رغم جمال العبارات، إلا أن الجدران معرضة للتقشير أو التدمير. ظهرت مبادرات عدة لتوثيقها:
تصوير عالي الدقة: يُستخدم فيه توجيه ضوء متجانس للحصول على نسخ قابلة للطباعة.
أرشفة رقمية: يجري تخزين الصور والوصف الجغرافي في منصات مفتوحة المصدر.
خرائط تفاعلية: يشارك الزوار موقع الجدار وقصته لتحفيز السياحة الثقافية.
ورش صيانة: يتطوع فنانون لإعادة طلاء النصوص الباهتة بحبر مقاوم لعوامل الطقس.
هذه الخطوات لا تحفظ الكلمات فقط، بل تؤسس لذاكرة جماعية تتيح للأجيال فهم سياق العبارة والمرحلة التاريخية التي ولدت فيها.
ما الذي يمكن أن نتعلمه من هذه العبارات؟
تختصر الأقوال الجدارية فلسفات حياتية في كلمات قليلة. من «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» في القاهرة إلى «لا مزيد من الجدران» في برلين، نجد خيطًا مشتركًا: الرغبة في الحرية. كما تعلّمنا أن الحائط قد يغدو كتابًا مفتوحًا لآمال الناس وخيباتهم، وأن الرسالة المرسومة قادرة على تجاوز حدود اللغة والجغرافيا.
في مجمل القصص السابقة يتجلى عنصر المشاركة؛ فكل عبارة وُلدت من موقف شخصي ثم تحولت إلى أغنية جماعية يتلقفها المارة. وهنا نقف أمام درس أخير: إذا أردت أن تصل رسالتك إلى أبعد مدى، فابحث عن جدار فارغ، اكتب كلماتك بصدق، ودع الريح تحمل حبرك إلى من يحتاج سماعه.
ختامًا، تذكّر أن الأقوال الجدارية ليست مجرد حروف ملونة، بل نبض مدينة وصدى لأصوات خافتة، وإذا أحسست في يوم أنك تمر أمام جدار صامت، فربما ينتظر كلمتك ليحكي حكاية جديدة.
أصل فن الكتابة على الجدران
لم تكن الكتابة على الجدار ظاهرة عابرة أو فعلًا تخريبيًا خالصًا كما يعتقد البعض؛ بل هي امتداد لحاجة الإنسان العميقة إلى التعبير. منذ رسوم الكهوف الأولى في لاسكو وحتى الجرافيتي العصري في نيويورك، ظل الجدار مسرحًا مفتوحًا للأفكار الحرة. في العصور الرومانية القديمة، مثّلت جدران بومبي سجلًا حيًا لمشاعر السكان: من إعلان الحب إلى السخرية السياسية. عند اكتشاف المدينة المدفونة تحت الرماد لاحقًا، وجد علماء الآثار عبارات مثل «لا شيء يدوم للأبد» و«احذروا الكلب»، لتُظهر أن البشر لم يتغيروا كثيرًا في نزعتهم إلى المزاح أو التحذير عبر الطلاء والحجر.
انتقلت الفكرة لاحقًا إلى جدران المدن العربية مع الحركات التحررية في منتصف القرن العشرين. كانت العبارات تُكتب بفحم أو طباشير، ثم تختفي مع المطر، لكنها تعود أقوى بعدما يشعر أصحابها أن صوتهم خفت. هنا بدأ مفهوم «الجدار كمنبر» يترسخ.
أشهر الجدران التي تحمل أقوالًا في الشرق الأوسط
جدار شارع محمد محمود – القاهرة
يقع هذا الجدار قرب ميدان التحرير، وقد تحوّل إلى لوحة طويلة تمتد لعشرات الأمتار. كُتبت عليه شعارات ثورية، وبرزت عبارة «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» كأيقونة لصوت الشباب. القصة بدأت بعد أحداث 2011 عندما كان المتظاهرون يبحثون عن وسيلة دائمة تخلّد مطالبهم، فاستعان فنانو الشوارع بالألوان القوية لتثبيت الكلمات وسط الزحام، وصار الجدار مقصدًا لعدسات الصحافة الأجنبية والمحلية.
جدار بيرزيت – رام الله
على مقربة من جامعة بيرزيت، تنتصب كتلة إسمنتية رمادية تغلب عليها الكتابات بالأحمر والأسود. أشهرها جملة «سنعود ولو بعد حين»، كتبها طالب فقد أهله منزله خلال أحداث متلاحقة. ما يميز هذا الجدار أنه يتغيّر أسبوعيًا؛ إذ يعمد الطلبة إلى مسح ما سبق وكتابة قصص جديدة، وكأن الحائط دفتر يوميات جماعي.
حارة السعدية – عمان
تطل جداريات حارة السعدية في قلب جبل اللويبدة على مقاهي صغيرة تعج بالفنانين. هناك عبارة شهيرة تقول «ازرع حُلمًا تحصد وطنًا». حاكتها رسامة أردنية أرادت تشجيع سكان الحي على الاهتمام بالحدائق. مع مرور الوقت صار المارة يلتقطون صورًا أمام العبارة ويروون حكاية الرسامة التي زرعت عدة أشجار بنفسها قرب الجدار.
أقوال جدارية بارزة من أوروبا
جدار برلين – ألمانيا
بعد سقوط الجدار سنة 1989، تحوّل ما تبقى منه إلى معرض في الهواء الطلق. أشهر الأقوال المكتوبة «لا مزيد من الجدران» بخط يعلوه صدأ الزمن. كتبها شاب كان لا يتجاوز الثامنة عشرة، جاء من شرق المدينة في الليلة الأولى بعد الفتح. ظلّت عبارته نبوءة تذكّر زوار برلين بأن الحدود يمكن أن تهدم بكلمة.
بريستول – المملكة المتحدة
يشتهر حي ستوكس كروفت بجداره المكسو برسوم بانكسي. فوق هذه الرسوم تظهر كلمات: «كلنا نبحث عن مخرج من هذه المتاهة». صاحب العبارة طبيب نفسي حرّرها بعد مداواة مرضى الإدمان. يروي السكان أن الطبيب أراد تلخيص معاناتهم في جملة واحدة، فكتبها ثم غادر، لتصبح جزءًا من هوية المكان.
باريس – جدار الحب
على تلة مونمارتر يرتفع جدار أزرق كُتبت عليه كلمة «أحبك» بأكثر من 250 لغة. الفكرة ابتكرها فنانَان فرنسيان أرادا الاحتفاء بتنوع المدينة. بينما يتهادى السياح إلى الجدار ويلتقطون الصور، يكتشفون وجود لغة نادرة كالأمازيغية أو التاغالوغ، ما يمنحهم إحساسًا بأن الحب يتجاوز الحدود.
الجدران الناطقة في أمريكا اللاتينية
بوغوتا – كولومبيا
تنتشر في حي كانديلاريا عبارات سياسية مثل «الذاكرة أقوى من الرصاص». تعود القصة إلى صحافية فقدت زميلها في حادث أمني، فاختارت الجدار وسيلة لتذكير السكان بأن الرواية لا يجب أن يُكممها العنف. اليوم يظهر المرشدون السياحيون مكان العبارة كعلامة على مقاومة النسيان.
سانتياغو – تشيلي
على الجدران الخارجية لمحطة مترو «بايكيدانو» ظهرت عبارة «الموت لمن يسرق حلم الشعب». كتبتها مجموعة مجهولة خلال احتجاجات 2019. الفنون الجميلة في الجامعة المحلية قامت بتوثيق الجملة، وخلال معرض لاحق عرضت صورًا تتتبع تغيرها مع الأيام، إذ أضاف أحدهم «والحياة لمن يحميه» ليكمل الدائرة.
بوينس آيرس – الأرجنتين
في حي باليرمو، تتربع جملة «نحن ما نحكيه» على جدار وردي بارتفاع ثلاثة أمتار. صاحب العبارة شاعر شاب تُوفي في حادث سير قبل نشر ديوانه الأول، فقام أصدقاؤه بطلاء كلمته المفضلة تكريمًا له. تحوّل المكان إلى «مقام» لعشاق الشعر، يتركون زهورًا تحت الحائط كل ذكرى ميلاده.
كيفية توثيق وحفظ الأقوال الجدارية
رغم جمال العبارات، إلا أن الجدران معرضة للتقشير أو التدمير. ظهرت مبادرات عدة لتوثيقها:
تصوير عالي الدقة: يُستخدم فيه توجيه ضوء متجانس للحصول على نسخ قابلة للطباعة.
أرشفة رقمية: يجري تخزين الصور والوصف الجغرافي في منصات مفتوحة المصدر.
خرائط تفاعلية: يشارك الزوار موقع الجدار وقصته لتحفيز السياحة الثقافية.
ورش صيانة: يتطوع فنانون لإعادة طلاء النصوص الباهتة بحبر مقاوم لعوامل الطقس.
هذه الخطوات لا تحفظ الكلمات فقط، بل تؤسس لذاكرة جماعية تتيح للأجيال فهم سياق العبارة والمرحلة التاريخية التي ولدت فيها.
ما الذي يمكن أن نتعلمه من هذه العبارات؟
تختصر الأقوال الجدارية فلسفات حياتية في كلمات قليلة. من «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» في القاهرة إلى «لا مزيد من الجدران» في برلين، نجد خيطًا مشتركًا: الرغبة في الحرية. كما تعلّمنا أن الحائط قد يغدو كتابًا مفتوحًا لآمال الناس وخيباتهم، وأن الرسالة المرسومة قادرة على تجاوز حدود اللغة والجغرافيا.
في مجمل القصص السابقة يتجلى عنصر المشاركة؛ فكل عبارة وُلدت من موقف شخصي ثم تحولت إلى أغنية جماعية يتلقفها المارة. وهنا نقف أمام درس أخير: إذا أردت أن تصل رسالتك إلى أبعد مدى، فابحث عن جدار فارغ، اكتب كلماتك بصدق، ودع الريح تحمل حبرك إلى من يحتاج سماعه.
ختامًا، تذكّر أن الأقوال الجدارية ليست مجرد حروف ملونة، بل نبض مدينة وصدى لأصوات خافتة، وإذا أحسست في يوم أنك تمر أمام جدار صامت، فربما ينتظر كلمتك ليحكي حكاية جديدة.