وجهات نظر

استعادة السويد في مرحلة فارقة وبزخم جديد

استعادة السويد في مرحلة فارقة وبزخم جديد


كانت السويد من الدول الأوروبية التي اعترفت بدولة فلسطين بصورة مبكرة نسبيًا، خاصة أن الاعترافات الأوروبية السابقة على ذلك تأتت ضمن خطوة اتخذتها الكتلة الشرقية بعد الإعلان عن الدولة الفلسطينية في الجزائر في تشرين الثاني 1988 وفي مرحلة سابقة على اتفاقية أوسلو الأمر الذي أعطاها صبغة رمزية في تلك المرحلة، وبقيت السويد طويلًا من الدول الداعمة لفلسطين ولحل الدولتين والمطالبة بتطبيقه فعليًا على الأرض بوصفه المدخل الوحيد لتحقيق سلام مستدام في المنطقة.

على الرغم من ذلك، تفاجأ العالم، وخاصة الأردن التي سعت خلال السنوات الأخيرة لحشد الدعم للأونروا وأعمالها في فلسطين والدول العربية التي تنشط فيها المنظمة الدولية، بقرار سويدي يوقف التمويل للمنظمة الدولية مع التعهد باستمرار الدعم للشعب الفلسطيني، وأتت هذه الخطوة لتحمل رمزيةً كبيرةً لما اشتملت أيضًا من استجابة لدعوات التشويه الإسرائيلية التي استهدفت الأونروا وعملت على تقويضها نظرًا لأهميتها بالنسبة للفلسطينيين على المستوى الإغاثي والتنموي.

وقف الدعم السويدي أتى نتيجة ادعاءات إسرائيلية بمشاركة بعض موظفي الوكالة في أحداث السابع من أكتوبر 2023، وهو الأمر الذي استدعى أن يتواصل الأردن بشكل دائم مع السويد لمناقشة القرار وتوضيح وجهة النظر المقابلة، فالأمر لا يتوقف عند تعميق أزمة التمويل القائمة منذ سنوات بل ويتعلق بخطوة تسعى لتفريغ الأونروا من دورها ورمزيته على الساحة الفلسطينية والعربية، ويجرد الساعين لحل الدولتين ولإيجاد الحلول للعديد من الملفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية مما تشكله الأونروا من بنية أممية اضطلعت بأدوار كبيرة مع اللاجئين وشكلت أرشيفًا لوجودهم وقضيتهم على امتداد العقود الماضية.

يمكن أن تفهم الزيارة الملكية الأخيرة للسويد بأنها حلقة ضمن المساعي الأردنية المستمرة التي تسعى لاستثمار اللحظة التاريخية التي تجد إسرائيل نفسها معزولة داخلها بعد اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة، ومؤتمر حل الدولتين التي رعته السعودية وفرنسا، وهذه الزيارة من المتوقع أن تحدث تحولات كبيرة في الرؤية السويدية لإشكاليات عديدة متعلقة بالمنطقة، وفي المقاربات المتوقعة في مرحلة قادمة يمكن أن تطرح خلالها العديد من الملفات للوصول إلى تسويات متعجلة تخدم الطرف الإسرائيلي.

تتواصل الاستراتيجية الأردنية التي أسهمت بصورة مؤثرة في تشكيل توجه عالمي غير تقليدي يواجه الرواية الإسرائيلية، ويضع السلام ومتطلباته ضمن الأولويات بعد تواصل الإحراج الإسرائيلي للضمير العالمي من خلال العدوان الوحشي والمفتوح على الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، وبذلك تعتبر هذه الزيارة تأسيسًا لمرحلة جديدة تستعد لاحتمالات ما بعد اتفاقية وقف اطلاق النار في قطاع غزة التي ستنهي المأساة الإنسانية وتفتتح جولة صعبة ومعقدة من العمل السياسي الذي يجب أن يكون متكاملًا وشاملًا للحيلولة دون تمكين اليمين الإسرائيلي من نيل مكافآت مجانية على أعماله الإجرامية وسلوكه العدواني طيلة الأعوام الماضية، وبحيث لا يصبح ذلك هو المحرك الأساسي لصياغة مستقبل المنطقة في ظل الدعم الأمريكي المتواصل والمتصاعد للجانب الإسرائيلي.

تتميز المواقف الأردنية بالوعي تجاه هذه المتغيرات والتفاعلات والحساسية المبكرة التي تعكسها الدبلوماسية الملكية الضرورية من أجل الدخول في مناقشات قائمة على المكاشفة والانفتاح مع الدول الشريكة والمؤثرة والتي تستطيع أن تشكل ظهيرًا لوضع حل الدولتين على الأرض ليكون ذلك مدخلًا للسلام الذي تحتاجه المنطقة من أجل تحقيق الاستقرار الضروري للبناء والتنمية.