المعلم .. نبض الحضارة ومصباح الإنسانية
في الخامس من أكتوبر من كل عام، يقف العالم أجمع احترامًا وإجلالًا لمعلّمٍ لم يكتب التاريخ بمداد غير مداده، ولم تُشعل الحضارات مصابيحها إلا بزيت فكره. إنه اليوم العالمي للمعلم، الذي أقرّته اليونسكو ومنظمة العمل الدولية عام 1994، تخليدًا لذكرى توقيع التوصية التاريخية الصادرة عام 1966 بشأن أوضاع المعلّمين، تلك الوثيقة التي وضعت أول إطار عالمي لحقوق وواجبات المعلمين، وتضع المعايير الدولية للتدريس والتعلم.
و لأن توحّد العالم على الخامس من أكتوبر، فقد أضافت بعض الدول العربية لمستها الخاصة؛ فمصر تختار يوم 21 ديسمبر، وعُمان تحتفي في 24 فبراير، بينما تشارك الأردن والعراق والسعودية والإمارات سائر الأمم في الخامس من أكتوبر. كل ذلك دليل على أن للمعلم عيدًا متجددًا، أينما كان الموعد فالقيمة واحدة، والقدسية واحدة.
لا مهنة في الوجود أشرف من مهنة المعلم، ولا وظيفة أنبل من أن تمدّ يدك لتنتشل عقلًا من ظلام الجهل إلى نور المعرفة. هو الذي يزرع في التلميذ بذور الفضيلة قبل العلم، ويصوغ من الحروف جسورًا للنهضة، ويحوّل جملةً قصيرة على السبورة (اللوح) إلى مشروع حياة كامل. فالمعلم ليس مجرد ناقل لمعلومة، بل هو مربٍّ وموجّه ومُلهم. ومن يملك عقل الأجيال يملك حاضر الأمم ومستقبلها.
الاحتفال بالمعلم وتخصيص يوم له شيء اساسي
لأن أوضاع المعلم ليست رفاهية، بل شرط وجود لحياة تربوية صحيحة. فجاء هذا اليوم ليذكّر الحكومات بواجبها نحو تحسين ظروفه المهنية والاقتصادية، وليعيد الاعتبار لمكانته الاجتماعية التي بدأت تترنّح تحت ضغوط الحياة الحديثة بتكريم رسالة التعليم. والدعوة إلى تحسين أوضاعهم المهنية والاجتماعية.
يوم المعلم هو مناسبة عالمية يتم فيها الاحتفاء بدور المعلم ورسالة التعليم في بناء الأجيال وصناعة المستقبل.
الإعلام بدوره يُعيد رسم صورة المعلّم في الوعي الجمعي عن طريق برامج وثائقية، تقارير صحفية، لقاءات مع أساتذة قدامى، كلها تسهم في إبراز أثره في المجتمع. أن الاحتفاء الحقيقي بالمعلم لا يكتمل بالخطابات ولا بالورود وحدها، بل باستراتيجية شاملة تمنحه أجرًا كريمًا يليق برسالته.
و تدريبًا مستمرًا يواكب ثورة المعرفة والتقنيات.
ومكانة اجتماعية رفيعة تعيد له هيبته كقدوة وموجّه.
فالمعلم، في نهاية المطاف، ليس موظفًا في زمنٍ عابر، بل هو المهندس الأعظم لروح الأمة. بهذا، يبقى يوم المعلم مناسبة لتجديد العهد عهد الأوطان مع رجالها ونسائها الذين يزرعون بذور الغد، فينبتون حضارة لا يذبل ربيعها.
المعلم في صفحات التاريخ
منذ فجر الحضارات، أدركت الشعوب أن التعليم ليس ترفًا، بل سلاحًا للبقاء. في مصر القديمة، كان الكتبة والمعلمون طبقة رفيعة، يعلّمون أبناء النبلاء كتابة الهيروغليفية، ويؤرخون لحياة الفراعنة. وفي الحضارة الإسلامية، لمع نجم المعلّم في حلقات المساجد والمدارس، فكان العلماء مثل: (الخليل بن أحمد الفراهيدي) و(سيبويه) و(الإمام الشافعي) معلمون قبل أن يكونوا فقهاء وعلماء لغة. بل إن كبار الخلفاء كانوا يفتخرون بجلوسهم تلاميذ بين يدي معلّميهم.
أما في التاريخ الحديث، فقد تحوّل المعلّم إلى رمز للنهضة. ففي اليابان مثلًا، بعد الحرب العالمية الثانية، وضعت الدولة المعلم في مرتبة الشرف، ومنحته راتبًا ومكانة تعادل رتبة الوزير، إدراكًا بأن النهوض لا يبدأ بالمصانع بل بالعقول.
صورة المعلم في الأدب
أما الأدب، فقد خلد ذكره في الشعر والرواية والمسرح؛ من قصائد تُشيد بقدسية دوره، إلى روايات تصوّره حارسًا على بوابة المستقبل. ولعل بيت شوقي الشهير:
قم للمعلم وفّه التبجيلا… كاد المعلم أن يكون رسولا - صار أيقونة خالدة تتردّد في كل يوم معلّم.
فالشعراء تغنّوا بمكانته؛ وشوقي لم يكن وحيدًا حين جعل من المعلم رسولًا، بل سبقه (ابن عبد ربه الأندلسي) حين قال "العلم شيء شريف، والمعلم شريف… لا يعدله شيء في المكارم".
- (الإمام الشافعي "من علّمني حرفًا صرت له عبدًا".
وفي الرواية، رسم (طه حسين) في "الأيام" صورة المعلّم الأزهري بما فيه من مهابة وصرامة، فيما قدّم (نجيب محفوظ) نماذج للمعلمين الذين يضيئون الطريق في أحياء القاهرة الشعبية. كذلك نجد في المسرح، أن شخصية المعلّم غالبًا ما تظهر رمزًا للمعرفة والحكمة.
(أفلاطون "المعلم الجيد يوضح، والمعلّم المتفوق يُلهم".(- (أرسطو "من يُعلّم الأطفال يساهم في بناء مستقبل الأمة أكثر ممن يصنع القوانين".
الفيلسوف (جون ديوي)" التعليم ليس استعدادًا للحياة، بل هو الحياة نفسها". والمعلم هو الأداة الأولى لتحقيق هذه الحياة.
يوم المعلم ليس يومًا عابرًا بين رزنامة الأعياد الدولية، بل هو لحظة وعي جماعي نتذكر فيها أن وراء كل طبيب بارع، ومهندس عبقري، وكاتب ملهم، وسياسي قائد… معلّمًا مجهولًا حمل الشعلة في بداية الطريق.
إن تكريم المعلم لا يكون فقط بوردة تُهدى في صباح الخامس من أكتوبر، بل بمنظومة متكاملة تحفظ له كرامته، وتمنحه حقه، وتؤمن له مكانته. فهو ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل مهندس العقول وصانع الحضارات.
فإذا كان الجندي يحمي حدود الوطن، فإن المعلّم يحمي حدوده الفكرية، ويزرع في أبنائه القدرة على الحلم، والجرأة على البناء، والإصرار على النهوض. ولهذا، حين ننحني للمعلم، فنحن في الحقيقة ننحني للزمن كله، لأنه هو الذي علّمنا كيف نصنع مستقبلًا يستحق أن يُعاش.
و لأن توحّد العالم على الخامس من أكتوبر، فقد أضافت بعض الدول العربية لمستها الخاصة؛ فمصر تختار يوم 21 ديسمبر، وعُمان تحتفي في 24 فبراير، بينما تشارك الأردن والعراق والسعودية والإمارات سائر الأمم في الخامس من أكتوبر. كل ذلك دليل على أن للمعلم عيدًا متجددًا، أينما كان الموعد فالقيمة واحدة، والقدسية واحدة.
لا مهنة في الوجود أشرف من مهنة المعلم، ولا وظيفة أنبل من أن تمدّ يدك لتنتشل عقلًا من ظلام الجهل إلى نور المعرفة. هو الذي يزرع في التلميذ بذور الفضيلة قبل العلم، ويصوغ من الحروف جسورًا للنهضة، ويحوّل جملةً قصيرة على السبورة (اللوح) إلى مشروع حياة كامل. فالمعلم ليس مجرد ناقل لمعلومة، بل هو مربٍّ وموجّه ومُلهم. ومن يملك عقل الأجيال يملك حاضر الأمم ومستقبلها.
الاحتفال بالمعلم وتخصيص يوم له شيء اساسي
لأن أوضاع المعلم ليست رفاهية، بل شرط وجود لحياة تربوية صحيحة. فجاء هذا اليوم ليذكّر الحكومات بواجبها نحو تحسين ظروفه المهنية والاقتصادية، وليعيد الاعتبار لمكانته الاجتماعية التي بدأت تترنّح تحت ضغوط الحياة الحديثة بتكريم رسالة التعليم. والدعوة إلى تحسين أوضاعهم المهنية والاجتماعية.
يوم المعلم هو مناسبة عالمية يتم فيها الاحتفاء بدور المعلم ورسالة التعليم في بناء الأجيال وصناعة المستقبل.
الإعلام بدوره يُعيد رسم صورة المعلّم في الوعي الجمعي عن طريق برامج وثائقية، تقارير صحفية، لقاءات مع أساتذة قدامى، كلها تسهم في إبراز أثره في المجتمع. أن الاحتفاء الحقيقي بالمعلم لا يكتمل بالخطابات ولا بالورود وحدها، بل باستراتيجية شاملة تمنحه أجرًا كريمًا يليق برسالته.
و تدريبًا مستمرًا يواكب ثورة المعرفة والتقنيات.
ومكانة اجتماعية رفيعة تعيد له هيبته كقدوة وموجّه.
فالمعلم، في نهاية المطاف، ليس موظفًا في زمنٍ عابر، بل هو المهندس الأعظم لروح الأمة. بهذا، يبقى يوم المعلم مناسبة لتجديد العهد عهد الأوطان مع رجالها ونسائها الذين يزرعون بذور الغد، فينبتون حضارة لا يذبل ربيعها.
المعلم في صفحات التاريخ
منذ فجر الحضارات، أدركت الشعوب أن التعليم ليس ترفًا، بل سلاحًا للبقاء. في مصر القديمة، كان الكتبة والمعلمون طبقة رفيعة، يعلّمون أبناء النبلاء كتابة الهيروغليفية، ويؤرخون لحياة الفراعنة. وفي الحضارة الإسلامية، لمع نجم المعلّم في حلقات المساجد والمدارس، فكان العلماء مثل: (الخليل بن أحمد الفراهيدي) و(سيبويه) و(الإمام الشافعي) معلمون قبل أن يكونوا فقهاء وعلماء لغة. بل إن كبار الخلفاء كانوا يفتخرون بجلوسهم تلاميذ بين يدي معلّميهم.
أما في التاريخ الحديث، فقد تحوّل المعلّم إلى رمز للنهضة. ففي اليابان مثلًا، بعد الحرب العالمية الثانية، وضعت الدولة المعلم في مرتبة الشرف، ومنحته راتبًا ومكانة تعادل رتبة الوزير، إدراكًا بأن النهوض لا يبدأ بالمصانع بل بالعقول.
صورة المعلم في الأدب
أما الأدب، فقد خلد ذكره في الشعر والرواية والمسرح؛ من قصائد تُشيد بقدسية دوره، إلى روايات تصوّره حارسًا على بوابة المستقبل. ولعل بيت شوقي الشهير:
قم للمعلم وفّه التبجيلا… كاد المعلم أن يكون رسولا - صار أيقونة خالدة تتردّد في كل يوم معلّم.
فالشعراء تغنّوا بمكانته؛ وشوقي لم يكن وحيدًا حين جعل من المعلم رسولًا، بل سبقه (ابن عبد ربه الأندلسي) حين قال "العلم شيء شريف، والمعلم شريف… لا يعدله شيء في المكارم".
- (الإمام الشافعي "من علّمني حرفًا صرت له عبدًا".
وفي الرواية، رسم (طه حسين) في "الأيام" صورة المعلّم الأزهري بما فيه من مهابة وصرامة، فيما قدّم (نجيب محفوظ) نماذج للمعلمين الذين يضيئون الطريق في أحياء القاهرة الشعبية. كذلك نجد في المسرح، أن شخصية المعلّم غالبًا ما تظهر رمزًا للمعرفة والحكمة.
(أفلاطون "المعلم الجيد يوضح، والمعلّم المتفوق يُلهم".(- (أرسطو "من يُعلّم الأطفال يساهم في بناء مستقبل الأمة أكثر ممن يصنع القوانين".
الفيلسوف (جون ديوي)" التعليم ليس استعدادًا للحياة، بل هو الحياة نفسها". والمعلم هو الأداة الأولى لتحقيق هذه الحياة.
يوم المعلم ليس يومًا عابرًا بين رزنامة الأعياد الدولية، بل هو لحظة وعي جماعي نتذكر فيها أن وراء كل طبيب بارع، ومهندس عبقري، وكاتب ملهم، وسياسي قائد… معلّمًا مجهولًا حمل الشعلة في بداية الطريق.
إن تكريم المعلم لا يكون فقط بوردة تُهدى في صباح الخامس من أكتوبر، بل بمنظومة متكاملة تحفظ له كرامته، وتمنحه حقه، وتؤمن له مكانته. فهو ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل مهندس العقول وصانع الحضارات.
فإذا كان الجندي يحمي حدود الوطن، فإن المعلّم يحمي حدوده الفكرية، ويزرع في أبنائه القدرة على الحلم، والجرأة على البناء، والإصرار على النهوض. ولهذا، حين ننحني للمعلم، فنحن في الحقيقة ننحني للزمن كله، لأنه هو الذي علّمنا كيف نصنع مستقبلًا يستحق أن يُعاش.