قراءة دستورية في إرجاء الدورة العادية
صدرت الإرادة الملكية السامية بإرجاء انعقاد الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة حتى السادس والعشرين من شهر تشرين الأول الحالي، حيث سيتفضل جلالة الملك عبد الله الثاني بافتتاحها وإلقاء خطبة العرش أمام مجلسي الأعيان والنواب مجتمعين. وتأتي هذه الخطوة انسجامًا مع أحكام الدستور التي منحت الملك، بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية، صلاحية إرجاء انعقاد الدورة العادية، باعتبارها مظهرا من مظاهر التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإحدى صور المرونة التي أتاحها المشرّع الدستوري لضمان انتظام الحياة البرلمانية.
إن فلسفة إرجاء الدورة العادية تكمن في التبعات الدستورية المترتبة على افتتاحها، وأهمها قيام الملك بإلقاء خطبة العرش. فعلى الرغم من أن المادة (79) من الدستور تجيز لرأس الدولة أن ينيب رئيس الوزراء أو أحد الوزراء لإلقاء هذه الخطبة، إلا أن جلالته يحرص دائمًا على الحضور الشخصي لهذه الجلسة، التي تُعد من أرفع المناسبات الدستورية في الدولة الأردنية.
كما يمنح الإرجاء أعضاء مجلس النواب فرصة للاستعداد للاستحقاقات الدستورية الكبرى التي تواكب بداية كل دورة عادية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس المجلس وأعضاء المكتب الدائم. فهذه الاستحقاقات تشكل محطة مفصلية تحدد اتجاهات العمل البرلماني في المرحلة المقبلة، وتستدعي وقتًا كافيًا للتحضير والتوافق داخل البيت النيابي حول الرئيس القادم ونوابه ومساعديه، وفق أحكام النظام الداخلي لمجلس النواب.
ومن منطلق حرص المشرّع الدستوري على تكريس التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فقد فرض مجموعة من الضمانات على حق الملك في إرجاء الدورة العادية، تكفل تكريس نظام الحكم النيابي الملكي. وأولى هذه الضمانات تتمثل بضرورة صدور القرار بالإرجاء قبل حلول الموعد الدستوري لبدء الدورة العادية، وهو اليوم الأول من شهر تشرين الأول، حتى لا ينشأ لمجلس الأمة الحق في الاجتماع من تلقاء نفسه سندًا لأحكام المادة (78/2) من الدستور. فالتوقيت الدقيق في إصدار الإرادة الملكية قبل ذلك التاريخ يعكس التزاما صارما بأحكام الدستور، ويؤكد أن ممارسة حق الإرجاء تتم في إطار من الانضباط الدستوري الذي يحول دون أي فراغ تشريعي أو خلاف في التفسير.
كما فرض المشرّع الدستوري ضمانة أخرى تتمثل بعدم تجاوز مدة الإرجاء شهرين اثنين، وذلك كي لا يتم تعطيل أعمال مجلس الأمة أو شلّ نشاطه التشريعي والرقابي. فهذا الحكم يكفل التوازن بين حق الملك في ممارسة صلاحياته الدستورية، وحق المجلس في مباشرة مهامه في المواعيد الزمنية المقررة.
إن حق الملك في إرجاء انعقاد الدورة العادية يختلف عن سلطته الدستورية في تأجيل جلسات مجلس الأمة. فالإرجاء يقع على الدورة قبل بدايتها، في حين أن التأجيل ينصب على جلسات المجلس بعد بدء الدورة، عملًا بأحكام المادة (81) من الدستور. وبحسب هذا الترتيب، فإن حق الملك في الإرجاء والتأجيل لا يُمارس إلا ثلاث مرات في الدورة الواحدة؛ فإذا أُرجئ اجتماع المجلس مرة واحدة، يتبقى للملك الحق في تأجيل الجلسات مرتين فقط. وفي جميع الأحوال، لا يجوز أن تزيد مدد التأجيلات في غضون أية دورة عادية واحدة على شهرين، بما في ذلك مدة الإرجاء، ولا تدخل مدد هذه التأجيلات في حساب مدة الدورة.
وإذا ما نظرنا إلى الدساتير المقارنة، نجد أن الفكرة ذاتها حاضرة في عدد من الأنظمة الدستورية العربية. فالدستور الكويتي لسنة 1962 مثلًا ينص في المادة (83) على أن يعقد مجلس الأمة دوره العادي في تشرين الأول بدعوة من الأمير، وإذا لم تتم الدعوة اجتمع المجلس من تلقاء نفسه، على أن للأمير أن يؤجل الاجتماع لمدة لا تتجاوز شهرا واحدا بمرسوم. وهو قيد زمني يقترب في مضمونه من الضمانة التي أقرها الدستور الأردني، وإن كان يختلف عنها من حيث المدة المقررة.
أما الدستور البحريني لسنة 2002 فقد ذهب أبعد من ذلك حين نص في المادة (85) منه على حق الملك في تأجيل اجتماع المجلس الوطني مدة لا تتجاوز شهرين، وهو نص يكاد يتطابق مع ما ورد في الدستور الأردني من حيث الحدود الزمنية وضبط الممارسة الدستورية.
وفي المغرب، ينص الفصل الخامس والستون من دستور 2011 على أن يعقد البرلمان جلساته في دورتين عاديتين، تبدأ الأولى في الجمعة الثانية من شهر تشرين الأول، بحضور الملك الذي يفتتح الدورة بخطاب ملكي. ورغم أن النص لم يشر صراحة إلى مسألة الإرجاء، إلا أن سلطة الملك في تحديد توقيت الجلسة الافتتاحية منحت هذه الصلاحية بعدا عمليا قريبا من فكرة الإرجاء التي يعرفها الدستور الأردني.
ويمكن القول إن الدستور الأردني جاء أكثر دقة ووضوحا من حيث النص على مسألة إرجاء انعقاد الدورة العادية واختلافه عن مفهوم التأجيل، مقارنة بما ورد في بعض الدساتير العربية الأخرى. فقد حدد أجلًا صريحًا لا يجوز تجاوزه وهو شهران، وربط ممارسة هذا الحق بضمانات تحول دون تعطيل أعمال البرلمان أو المساس باستقلاله. فبينما اكتفت بعض الدساتير بترك مسألة الإرجاء للممارسة أو حددت آجالًا زمنية أقصر، جاء النص الأردني أكثر إحكامًا وانضباطًا بما يرسخ مبدأ التوازن بين السلطات.
خلاصة القول، إن إرجاء انعقاد الدورة العادية لمجلس الأمة هو أداة دستورية لضبط إيقاع الحياة البرلمانية لا لتعطيلها، فقد جمع الدستور الأردني بين المرونة والضمانات الدقيقة، مما يرسخ مبدأ التوازن بين السلطات، وبذلك تبقى التجربة الأردنية نموذجًا متميزًا في تنظيم العلاقة بين الملك ومجلس الأمة.
إن فلسفة إرجاء الدورة العادية تكمن في التبعات الدستورية المترتبة على افتتاحها، وأهمها قيام الملك بإلقاء خطبة العرش. فعلى الرغم من أن المادة (79) من الدستور تجيز لرأس الدولة أن ينيب رئيس الوزراء أو أحد الوزراء لإلقاء هذه الخطبة، إلا أن جلالته يحرص دائمًا على الحضور الشخصي لهذه الجلسة، التي تُعد من أرفع المناسبات الدستورية في الدولة الأردنية.
كما يمنح الإرجاء أعضاء مجلس النواب فرصة للاستعداد للاستحقاقات الدستورية الكبرى التي تواكب بداية كل دورة عادية، وفي مقدمتها انتخاب رئيس المجلس وأعضاء المكتب الدائم. فهذه الاستحقاقات تشكل محطة مفصلية تحدد اتجاهات العمل البرلماني في المرحلة المقبلة، وتستدعي وقتًا كافيًا للتحضير والتوافق داخل البيت النيابي حول الرئيس القادم ونوابه ومساعديه، وفق أحكام النظام الداخلي لمجلس النواب.
ومن منطلق حرص المشرّع الدستوري على تكريس التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فقد فرض مجموعة من الضمانات على حق الملك في إرجاء الدورة العادية، تكفل تكريس نظام الحكم النيابي الملكي. وأولى هذه الضمانات تتمثل بضرورة صدور القرار بالإرجاء قبل حلول الموعد الدستوري لبدء الدورة العادية، وهو اليوم الأول من شهر تشرين الأول، حتى لا ينشأ لمجلس الأمة الحق في الاجتماع من تلقاء نفسه سندًا لأحكام المادة (78/2) من الدستور. فالتوقيت الدقيق في إصدار الإرادة الملكية قبل ذلك التاريخ يعكس التزاما صارما بأحكام الدستور، ويؤكد أن ممارسة حق الإرجاء تتم في إطار من الانضباط الدستوري الذي يحول دون أي فراغ تشريعي أو خلاف في التفسير.
كما فرض المشرّع الدستوري ضمانة أخرى تتمثل بعدم تجاوز مدة الإرجاء شهرين اثنين، وذلك كي لا يتم تعطيل أعمال مجلس الأمة أو شلّ نشاطه التشريعي والرقابي. فهذا الحكم يكفل التوازن بين حق الملك في ممارسة صلاحياته الدستورية، وحق المجلس في مباشرة مهامه في المواعيد الزمنية المقررة.
إن حق الملك في إرجاء انعقاد الدورة العادية يختلف عن سلطته الدستورية في تأجيل جلسات مجلس الأمة. فالإرجاء يقع على الدورة قبل بدايتها، في حين أن التأجيل ينصب على جلسات المجلس بعد بدء الدورة، عملًا بأحكام المادة (81) من الدستور. وبحسب هذا الترتيب، فإن حق الملك في الإرجاء والتأجيل لا يُمارس إلا ثلاث مرات في الدورة الواحدة؛ فإذا أُرجئ اجتماع المجلس مرة واحدة، يتبقى للملك الحق في تأجيل الجلسات مرتين فقط. وفي جميع الأحوال، لا يجوز أن تزيد مدد التأجيلات في غضون أية دورة عادية واحدة على شهرين، بما في ذلك مدة الإرجاء، ولا تدخل مدد هذه التأجيلات في حساب مدة الدورة.
وإذا ما نظرنا إلى الدساتير المقارنة، نجد أن الفكرة ذاتها حاضرة في عدد من الأنظمة الدستورية العربية. فالدستور الكويتي لسنة 1962 مثلًا ينص في المادة (83) على أن يعقد مجلس الأمة دوره العادي في تشرين الأول بدعوة من الأمير، وإذا لم تتم الدعوة اجتمع المجلس من تلقاء نفسه، على أن للأمير أن يؤجل الاجتماع لمدة لا تتجاوز شهرا واحدا بمرسوم. وهو قيد زمني يقترب في مضمونه من الضمانة التي أقرها الدستور الأردني، وإن كان يختلف عنها من حيث المدة المقررة.
أما الدستور البحريني لسنة 2002 فقد ذهب أبعد من ذلك حين نص في المادة (85) منه على حق الملك في تأجيل اجتماع المجلس الوطني مدة لا تتجاوز شهرين، وهو نص يكاد يتطابق مع ما ورد في الدستور الأردني من حيث الحدود الزمنية وضبط الممارسة الدستورية.
وفي المغرب، ينص الفصل الخامس والستون من دستور 2011 على أن يعقد البرلمان جلساته في دورتين عاديتين، تبدأ الأولى في الجمعة الثانية من شهر تشرين الأول، بحضور الملك الذي يفتتح الدورة بخطاب ملكي. ورغم أن النص لم يشر صراحة إلى مسألة الإرجاء، إلا أن سلطة الملك في تحديد توقيت الجلسة الافتتاحية منحت هذه الصلاحية بعدا عمليا قريبا من فكرة الإرجاء التي يعرفها الدستور الأردني.
ويمكن القول إن الدستور الأردني جاء أكثر دقة ووضوحا من حيث النص على مسألة إرجاء انعقاد الدورة العادية واختلافه عن مفهوم التأجيل، مقارنة بما ورد في بعض الدساتير العربية الأخرى. فقد حدد أجلًا صريحًا لا يجوز تجاوزه وهو شهران، وربط ممارسة هذا الحق بضمانات تحول دون تعطيل أعمال البرلمان أو المساس باستقلاله. فبينما اكتفت بعض الدساتير بترك مسألة الإرجاء للممارسة أو حددت آجالًا زمنية أقصر، جاء النص الأردني أكثر إحكامًا وانضباطًا بما يرسخ مبدأ التوازن بين السلطات.
خلاصة القول، إن إرجاء انعقاد الدورة العادية لمجلس الأمة هو أداة دستورية لضبط إيقاع الحياة البرلمانية لا لتعطيلها، فقد جمع الدستور الأردني بين المرونة والضمانات الدقيقة، مما يرسخ مبدأ التوازن بين السلطات، وبذلك تبقى التجربة الأردنية نموذجًا متميزًا في تنظيم العلاقة بين الملك ومجلس الأمة.