مشاريع التوليد الخاصة للكهرباء… بين الفرص والتحديات
منذ منتصف التسعينيات، دخل الأردن مرحلة جديدة في إدارة قطاع الكهرباء، تمثّلت في التوجّه نحو مشاريع التوليد الخاصة (IPP – Independent Power Producers). وقد جاءت هذه الخطوة بعد خصخصة قطاع الكهرباء عام 1996، في ظل تحديات توفير التمويل الحكومي لمشاريع جديدة لتوليد الكهرباء ، ما جعل خيار الشراكة مع القطاع الخاص هو المخرج الوحيد لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء
تعتمد مشاريع التوليد الخاصة على مبدأ أن شركات استثمارية تقوم ببناء محطات توليد كهرباء بتمويل ذاتي أو خارجي، وتدير هذه المحطات لفترة زمنية محددة (في مشاريع التوليد التقليدية والصخر الزيتي 26 عام وفي مشاريع الطاقة المتجددة 20 عاما ) وهو مايسمى في عرفا بمشاريع BOO اي بناء وتشغيل وتملك. (Build Own Operate )، قبل أن تعود ملكية ارض المشروع للدولة وإنهاءه او ان يتم تجديد التعاقد. الميزة الأساسية لهذه المشاريع أنها توفر على الحكومة عبء التمويل المباشر، وتضمن استمرارية التوليد بكفاءة تشغيلية عالية بعيداً عن البيروقراطية والمحسوبية التي قد ترافق الإدارة العامة الحكومية في بعض الاحيان.
منذ انطلاقة هذه التجربة، أنشئت عدة مشاريع توليد خاصة في الأردن ابتداءا من مشروع التوليد الاول في المناخر والثاني في القطرانة والثالث والرابع ايضا في المناخر شرق عمان وباستطاعة اجمالية تصل الى 1600 ميغا واط بالاضافة لمشروع محطة الزرقاء بقدرة 480 ميغا واط ومشروع الحرق المباشر للصخر الزيتي باستطاعة 470 ميغا واط مما يجعل مساهمة هذه المشاريع في الاستطاعة الاجمالية تزيد على 60% لغاية تاريخه .
إلا أن ما يؤخذ على هذه المشاريع أن معظم تمويلها يأتي من الخارج، وبالتالي فإن العائد على الاستثمار (IRR) – الذي لا يقل عادة عن 12% – يذهب في معظمه إلى مستثمرين أجانب. هذا يعني أن أرباح التشغيل تخرج من الاقتصاد الوطني بدلاً من أن تعود لتغذي البنوك أو المؤسسات المحلية.
يتضح من اعلاه ان المشكلة الأساسية التي ترافق هذا النموذج من المشاريع في الأردن هي اعتمادها على التمويل الخارجي عالي الكلفة، إذ ينظر المستثمرون إلى مشاريع الطاقة في المنطقة على أنها ذات مخاطر مرتفعة، وبالتالي يرفعون هامش العائد المطلوب لمواجهة هذه المخاطر”. ولو كان بالإمكان توفير تمويل محلي – من خلال البنوك الوطنية، أو صناديق استثمار اجتماعية مثل الضمان الاجتماعي او النقابات او البنوك ، أو عبر ائتلافات من الشركات المحلية – لكان الأثر افضل على الاقتصاد الوطني. فمن جهة، يخفّض ذلك كلف التمويل، ومن جهة أخرى تبقى الأرباح داخل الاقتصاد الأردني، مما يعزز الاستقرار المالي ويدعم النمو.
إحدى الإيجابيات المهمة لمشاريع التوليد الخاصة أنها تُدار بشكل مستقل بعيداً عن المحسوبيات، فاختيار الكفاءات يتم وفق معايير مهنية بحتة، والقرارات التشغيلية تعتمد على كفاءة الأداء لا على الضغوط السياسية أو الإدارية. هذه الميزة جعلت من هذه المشاريع أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات مقارنة بالمشاريع الحكومية التقليدية
اليوم، يبرز مشروع جديد لتوليد الكهرباء بقدرة 600 ميغاواط في شمال الاردن( الخناصري-المفرق )قرب خط الغاز العربي. هذا المشروع يحمل أهمية خاصة، ليس فقط لحجمه، بل أيضاً لإمكانية تمويله محلياً إذا ما تم تنفيذه عبر شراكة مع شركات وطنية مثل “السمراء لتوليد الكهرباء”. في ائتلاف التمويل والتنفيذ الذي قد يفتح الباب أمام نموذج جديد من “التوليد الخاص المحلي”، حيث تكون الكلفة محلية، والإيرادات محلية، والأرباح محلية.
رغم الانتقادات التي وُجّهت لهذه المشاريع على أنها “مكلفة” أو “مفروضة على الأردن”، إلا أن الواقع يؤكد أنها كانت – وما تزال – الخيار العملي الوحيد أمام الحكومة لتلبية الطلب المتنامي على الكهرباء. ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي اليوم هو تطوير نموذج تمويل محلي يضمن بقاء الفوائد الاقتصادية داخل البلد، ويخفّض كلفة التمويل الخارجي.
إن إدخال القطاع الخاص الأردني – بمرونته وقدرته على الابتكار – في تمويل وإدارة مشاريع التوليد، قد يشكّل مخرجاً استراتيجياً ليس فقط لقطاع الكهرباء، بل للاقتصاد الوطني ككل. وإذا ما تحقق ذلك، فإن الأردن سيكون قادراً على الجمع بين كفاءة الإدارة الخاصة، واستدامة التمويل المحلي، واستقرار المنظومة الاقتصادية.
والله من وراء القصد
									تعتمد مشاريع التوليد الخاصة على مبدأ أن شركات استثمارية تقوم ببناء محطات توليد كهرباء بتمويل ذاتي أو خارجي، وتدير هذه المحطات لفترة زمنية محددة (في مشاريع التوليد التقليدية والصخر الزيتي 26 عام وفي مشاريع الطاقة المتجددة 20 عاما ) وهو مايسمى في عرفا بمشاريع BOO اي بناء وتشغيل وتملك. (Build Own Operate )، قبل أن تعود ملكية ارض المشروع للدولة وإنهاءه او ان يتم تجديد التعاقد. الميزة الأساسية لهذه المشاريع أنها توفر على الحكومة عبء التمويل المباشر، وتضمن استمرارية التوليد بكفاءة تشغيلية عالية بعيداً عن البيروقراطية والمحسوبية التي قد ترافق الإدارة العامة الحكومية في بعض الاحيان.
منذ انطلاقة هذه التجربة، أنشئت عدة مشاريع توليد خاصة في الأردن ابتداءا من مشروع التوليد الاول في المناخر والثاني في القطرانة والثالث والرابع ايضا في المناخر شرق عمان وباستطاعة اجمالية تصل الى 1600 ميغا واط بالاضافة لمشروع محطة الزرقاء بقدرة 480 ميغا واط ومشروع الحرق المباشر للصخر الزيتي باستطاعة 470 ميغا واط مما يجعل مساهمة هذه المشاريع في الاستطاعة الاجمالية تزيد على 60% لغاية تاريخه .
إلا أن ما يؤخذ على هذه المشاريع أن معظم تمويلها يأتي من الخارج، وبالتالي فإن العائد على الاستثمار (IRR) – الذي لا يقل عادة عن 12% – يذهب في معظمه إلى مستثمرين أجانب. هذا يعني أن أرباح التشغيل تخرج من الاقتصاد الوطني بدلاً من أن تعود لتغذي البنوك أو المؤسسات المحلية.
يتضح من اعلاه ان المشكلة الأساسية التي ترافق هذا النموذج من المشاريع في الأردن هي اعتمادها على التمويل الخارجي عالي الكلفة، إذ ينظر المستثمرون إلى مشاريع الطاقة في المنطقة على أنها ذات مخاطر مرتفعة، وبالتالي يرفعون هامش العائد المطلوب لمواجهة هذه المخاطر”. ولو كان بالإمكان توفير تمويل محلي – من خلال البنوك الوطنية، أو صناديق استثمار اجتماعية مثل الضمان الاجتماعي او النقابات او البنوك ، أو عبر ائتلافات من الشركات المحلية – لكان الأثر افضل على الاقتصاد الوطني. فمن جهة، يخفّض ذلك كلف التمويل، ومن جهة أخرى تبقى الأرباح داخل الاقتصاد الأردني، مما يعزز الاستقرار المالي ويدعم النمو.
إحدى الإيجابيات المهمة لمشاريع التوليد الخاصة أنها تُدار بشكل مستقل بعيداً عن المحسوبيات، فاختيار الكفاءات يتم وفق معايير مهنية بحتة، والقرارات التشغيلية تعتمد على كفاءة الأداء لا على الضغوط السياسية أو الإدارية. هذه الميزة جعلت من هذه المشاريع أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات مقارنة بالمشاريع الحكومية التقليدية
اليوم، يبرز مشروع جديد لتوليد الكهرباء بقدرة 600 ميغاواط في شمال الاردن( الخناصري-المفرق )قرب خط الغاز العربي. هذا المشروع يحمل أهمية خاصة، ليس فقط لحجمه، بل أيضاً لإمكانية تمويله محلياً إذا ما تم تنفيذه عبر شراكة مع شركات وطنية مثل “السمراء لتوليد الكهرباء”. في ائتلاف التمويل والتنفيذ الذي قد يفتح الباب أمام نموذج جديد من “التوليد الخاص المحلي”، حيث تكون الكلفة محلية، والإيرادات محلية، والأرباح محلية.
رغم الانتقادات التي وُجّهت لهذه المشاريع على أنها “مكلفة” أو “مفروضة على الأردن”، إلا أن الواقع يؤكد أنها كانت – وما تزال – الخيار العملي الوحيد أمام الحكومة لتلبية الطلب المتنامي على الكهرباء. ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي اليوم هو تطوير نموذج تمويل محلي يضمن بقاء الفوائد الاقتصادية داخل البلد، ويخفّض كلفة التمويل الخارجي.
إن إدخال القطاع الخاص الأردني – بمرونته وقدرته على الابتكار – في تمويل وإدارة مشاريع التوليد، قد يشكّل مخرجاً استراتيجياً ليس فقط لقطاع الكهرباء، بل للاقتصاد الوطني ككل. وإذا ما تحقق ذلك، فإن الأردن سيكون قادراً على الجمع بين كفاءة الإدارة الخاصة، واستدامة التمويل المحلي، واستقرار المنظومة الاقتصادية.
والله من وراء القصد