وجهات نظر

بين الضمير والصفقات الملك عبدالله يضع العالم أمام مسؤوليته

بين الضمير والصفقات الملك عبدالله يضع العالم أمام مسؤوليته

في عالم تتسارع فيه الأحداث وتكثر فيه المبادرات السياسية، تبقى كلمات القادة مؤشراً على اتجاهات السياسة ورؤية المستقبل. وعندما نقارن كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني بكلمة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يتضح الفارق الجوهري في المبدأ والمنهج.

الملك وضع النقاط على الحروف عندما شدّد على أن حق الشعوب في الحياة الكريمة، وفي تقرير مصيرها، وفي إقامة دولها المستقلة هو حق أصيل غير قابل للتفاوض، وليس مكافأة تُمنح عند حسن السلوك أو نتيجة صفقات سياسية. الملكغ أكد بشكل لا لبس فيه أن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني ، هو حق لا جدال فيه، منصوص عليه في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ويشكل أساس أي سلام عادل ودائم في المنطقة. وهنا شدّد الملك ضمناً على أن الصمت يعني القبول بما يحدث اليوم من قتل وتجويع وتدمير ، ولذلك لا يمكننا الصمت أمام هذه الانتهاكات أو الالتفاف عليها تحت أي ذريعة.

أما خطاب الرئيس ترامب فجاء منحازاً بالكامل لرواية واحدة، إذ ركّز بشكل كبير على قضية الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في أنفاق غزة، واعتبر الإفراج عنهم الشرط الأول لأي حديث عن حل أو تسوية. لكنه في المقابل تجاهل تماماً حق الشعب الفلسطيني في الحياة الكريمة، وفي السكن والتعليم، وفي الخروج من المجاعة التي تحاصر سكان غزة، وتغافل عن القتل اليومي والتدمير الممنهج الذي يتعرض له المدنيون. بدا وكأنه يرسل رسالة غير عادلة مفادها أن حياة الإسرائيلي – بل حتى جثته – أهم من حياة آلاف الفلسطينيين الذين يقتلون ويشردون يومياً، متجاهلاً أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يقوم على هذا الميزان المختل للإنسانية.

الفرق بين الخطابين ليس في الأسلوب الدبلوماسي فحسب، بل في جوهر الفكرة:

الملك ينطلق من مبدأ الحق والشرعية الدولية باعتباره أساس الاستقرار والسلام.

بينما خطاب ترامب يختزل مصائر الشعوب في صفقات سياسية وشروط أحادية، ويتعامل مع حياة ملايين الفلسطينيين وكأنها تفصيل ثانوي أمام حسابات سياسية داخلية أو تحالفات دولية.

رسالة الملك عبدالله للعالم واضحة: العدالة الحقيقية تبدأ من الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وأن أي عملية سلام لا تقوم على هذا الأساس محكوم عليها بالفشل. فحق إقامة الدولة الفلسطينية ليس جائزة، بل استحقاق تاريخي وأخلاقي وإنساني يجب على المجتمع الدولي دعمه، لأنه السبيل الوحيد لضمان أمن واستقرار المنطقة.

واليوم، أكثر من أي وقت مضى، تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية التحرك العملي، ليس فقط بالاكتفاء بالبيانات والدعوات، بل بالاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية ودعم قيامها على الأرض، وتوفير الضمانات السياسية والقانونية لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته الكاملة. إن التردد في هذه الخطوة يعني استمرار دوامة العنف والاضطراب، بينما الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثّل بداية الطريق نحو شرق أوسط أكثر أمناً واستقراراً.