وجهات نظر

الاعتراف بالدولة الفلسطينية واستراتيجية المواجهة الأردنية

الاعتراف بالدولة الفلسطينية واستراتيجية المواجهة الأردنية


خطوة كبيرة تحققت مع اعتراف ثلاثي من قبل بريطانيا وكندا وأستراليا لتشكل اختراقًا مهمًا على طريق صعب كانت الأردن في مقدمة الدول التي أصرت على تمهيده في مواجهة الصعوبات التي استمرت اسرائيل في إنتاجها بصورة متصلة لسنوات طويلة في سعي لتفويت فرص السلام وتكريس الواقع لمصلحتها للالتفاف على الحقوق الفلسطينية الثابتة والراسخة، وتهديد جميع دول المنطقة وعرقلة مسيرة تحقيق نهضة منشودة من خلال العمل المستمر على زعزعة مرتكزات الاستقرار وتهديد الأمن الإقليمي.

يدور حديث كثير حول رمزية الخطوة التي اتخذت تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والمتوقع أن تتوسع بانضمام دول جديدة لركب الاعتراف الذي ينتقل بالقضية الفلسطينية إلى مستوى آخر من المواجهة، ويحرج اسرائيل ليضعها في زاوية حرجة دفعتها لممارسة الغضب والعودة لمحاولة قلب الأوراق لتضع السابع من أكتوبر بوصفه حدثًا منفصلًا تحاول اسرائيل دائمًا فصلها عن سياق الاحتلال.

في مواجهة ضغوط كبرى ترافقت مع صفقة القرن في الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب وقف الأردن ليعلن تمسكه بحل الدولتين ويرفض استراتيجيات الترغيب والترهيب التي حاولت أن تجعل منطق الصفقة يغطي على متطلبات الحق، ليتمكن الأردن من بناء تحالف عربي ودولي يعود بحل الدولتين لأنه البوابة الوحيدة لتحقيق سلام دائم وعادل وشامل وذلك في مواجهة محاولة تفتيت المحاور وتجزئة المراحل التي تمرست اسرائيل فيها.

النجاح المتحقق مع الاعتراف المتتابع يحسب للأردن التي مثلت السند الحقيقي للسلطة الوطنية الفلسطينية وقامت باستثمار علاقاتها الدولية لتحمل صوتها في وقت حوصرت فيه السلطة ليصل التحيز الأمريكي ذروته مع رفضه منح تأشيرات لرئيس السلطة محمود عباس للحضور في الهيئة العامة للأمم المتحدة، ولكن الأردن تحرك مبكرًا ليمكن عباس من الخروج والتواصل مع البريطانيين بعد نقله بواسطة طائرات سلاح الجو الملكي من مقر المقاطعة إلى عمان.

لا يمكن الوصول إلى حل الدولتين من غير تأسيس دولة فلسطينية تستطيع أن تمثل مصالح الشعب الفلسطيني وأن تقف للمطالبة بحقوقه والدفاع عنها، والاعتراف خطوة قانونية مؤثرة يجب أن يتم البناء عليها، مع التحوط لإجراءات يمكن أن تتخذها اسرائيل لتفجير الأوضاع في الضفة الغربية أو العمل على تعقيدها.

يقف الأردن اليوم بوصفه دولة محترمة تعتمد على سياسة تقوم على المصداقية والعمق الأخلاقي في مواجهة دولة مارقة تمارس البلطجة تحت دعاوى فارغة وكاذبة، ومهما حققت اسرائيل في المدى القصير فإن مآلها مزيد من النبذ والإقصاء، وهو ما سيجعلها تسير على مصير النظام العنصري لجنوب افريقيا وأسوأ من ذلك، وهو ما يستدعي الالتفاف حول الأردن في هذه المواجهة من الداخل الوطني ومن العمق العربي ومن المجتمع الدولي المتحضر، ووقوف الجميع وراء السلطة الوطنية لتتمكن من التقدم للدولة ذات السيادة التي يمكن أن تبني السلام الحقيقي بمختلف أدواتها وخياراتها.