وجهات نظر

الحراك الملكي .. "الإنسانية" إذ تقود السياسة

الحراك الملكي ..  "الإنسانية" إذ تقود السياسة


غدت جهود جلالة الملك عبدالله الثاني في الدفاع عن القضية الفلسطينية وإنهاء العدوان على غزة، نموذجاً ملهماً للعمل الدبلوماسي الفاعل على المستوى الدولي، خاصة وأنها تجمع بين الضغط الدبلوماسي والعمل الإنساني الميداني؛ ما يحول حضور الأردن إلى قوة مؤثرة شكلاً ومضموناً في أروقة صناعة القرار الدولي.

فمع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، يتصدّر جلالته مجدداً المنبر الدولي ويلقي خطابه أمام الجمعية العامة حاملاً صوت غزة ومعاناة الفلسطينيين، ومعيداً التأكيد على أن وقف الحرب وضمان تدفق المساعدات الإنسانية واجب أخلاقي وإنساني لا يحتمل التأجيل.

اتسمت دبلوماسية جلالته بالرصانة الاستراتيجية من خلال ربط الحقوق السياسية بحقوق البقاء الإنساني، واستثمار ثقة المجتمع الدولي بالموقف الأردني تاريخياً لحشد الدعم القانوني والسياسي لصالح حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية، لذلك فإن الحضور الأردني في أروقة الأمم المتحدة لم يقتصر على الخطاب الرسمي، بل يمتد إلى سلسلة لقاءات دبلوماسية مكثفة يعقدها جلالته مع قادة الدول والمسؤولين، في إطار حراك سياسي ودبلوماسي يهدف إلى توحيد الموقف الدولي والضغط الفعلي لوقف الحرب على غزة. هذه اللقاءات تعكس المكانة الاستثنائية التي يتمتع بها جلالة الملك في المجتمع الدولي، وتبرز الثقة التي يوليها قادة العالم لدوره كصوت عاقل يدعو للسلام العادل وحماية المدنيين.

الفاعلية السياسية للدبلوماسية الأردنية بدأت تظهر في تحولات ملموسة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي وبعض العواصم الغربية، حيث كان للأردن بقيادة جلالته أثر مباشر في دفع العديد من الدول الأوروبية إلى إعلان نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، وهو إنجاز سياسي يعكس إصرار عمّان على إبقاء حل الدولتين على رأس الأجندة الدولية، ومنع محاولات طمس الهوية الوطنية الفلسطينية أو فرض حلول أحادية الجانب، كما تصدى الأردن بحزم منذ اللحظة الأولى لأيّ محاولات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مؤكداً أن تثبيتهم في أرضهم هو خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية وحقهم المشروع في تقرير المصير.

لم تقف جهود جلالته عند الجانبين السياسي والدبلوماسي، بل امتدت لتشمل الجانب الإنساني بشكل لافت، حيث أطلق سلسلة مبادرات إنسانية لدعم غزة، شملت إنشاء مستشفيات ميدانية وإطلاق الممر الطبي الأردني وتسيير قوافل مساعدات برية وجوية بمشاركة دول عربية وأوروبية، كما ظل الأردن خلال العامين الماضيين الشريان الحيوي للمساعدات الإنسانية إلى القطاع، حاضراً براً وجواً رغم التحديات الأمنية؛ ما عزّز قدرة المجتمع الدولي على إيصال المعونات في أحلك الظروف.

في المحصلة، يمكن القول إن هذا الحراك الملكي يمثل أوسع جهد سياسي ودبلوماسي وإنساني يقوده الأردن في تاريخه الحديث، ويعكس التزام جلالة الملك الثابت بالدفاع عن القضية الفلسطينية على الساحة العالمية، وبفضل هذه الجهود أصبح الأردن صوتاً راسخاً للحق والعدالة، ومرجعاً لا يمكن تجاوزه عند الحديث عن مستقبل فلسطين والمنطقة، كما إن ما يميز حراك جلالة الملك هو الدمج بين الشرعية الأخلاقية والفعالية العملية، وهو دمج يحول دعوات وقف الحرب إلى أدوات ضغط وذات نتائج إنسانية ملموسة، ويثبت أن القيادة الأردنية قادرة على الجمع بين الدبلوماسية المؤثرة والجهد الإنساني المتواصل لحماية الشعب الفلسطيني وصون حقوقه التاريخية والإسهام في الحفاظ على استقرار المنطقة.