وجهات نظر

خطاب الملك .. بعين الذكاء الاصطناعي

خطاب الملك ..  بعين الذكاء الاصطناعي

شدتني كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في القمة العربية الإسلامية الطارئة التي انعقدت في الدوحة، لا فقط من حيث مضمونها السياسي المباشر، بل من حيث لغتها، وبنيتها، وطريقتها في بناء خطاب يحمل أبعادا تتجاوز اللحظة الآنية، وتمتد إلى قراءة مستقبلية دقيقة، ومن هنا جاءت فكرة الاستعانة بالذكاء الاصطناعي كأداة محايدة، فما كانت النتيجة؟

تابعت الخطاب كمتابع مهتم، لكن ككاتب، سألت نفسي، ماذا لو قرأته من زاوية لا تكتفي بالانطباع الأولي، بل تذهب إلى تحليل البنية، والمفردات، والتكرار المقصود في الخطاب؟ ومن هنا انطلقت في تجربة التحليل التقني، لا بحثا عن بديل للرأي، بل دعما لفهم أعمق.

النتيجة كانت مثيرة للاهتمام، حيث أشار التحليل إلى أن الخطاب بني وفق ما يعرف بـ"التكرار الهادف"،وهو استخدام متعمد لعبارات محورية، يراد ترسيخها في الوعي الجمعي، فعلى سبيل المثال "أمن قطر من أمننا"، و"العدوان الإسرائيلي لا يعرف حدودا"، وهنا لم يكن تكرارا لغويا عفويا، بل كان جزءا من بنية خطابية تعيد توجيه الانتباه، وتثبت الرسائل الأساسية في الذهن.

أما المفردات، فقد جاءت محمّلة بدلالات سياسية عميقة كما "العدوان الغاشم"، "الهيمنة"، "الفوضى"، "القانون الدولي"، وغيرها، وهي مفردات ظهرت كأركان لغوية داخل النص، لا لتوصيف الحالة فقط، بل للتأكيد على أن ما يحدث ليس مجرد اعتداء، بل سياسة ممنهجة، ترتكبها حكومة متطرفة.

التحليل أشار أيضا إلى سمة لافتة في الخطاب تكمن في الابتعاد عن الانفعال، والاقتراب من العقلانية السياسية، فلم يكن هناك أي محاولة للتهويل، ولا استعراض للغضب، بل قدم موقفا واضحا، بلغة قانونية وسيادية،رافضا الصمت، لكن بعيدا عن الصراخ، وهي سمة نادرة في خطابات الزعماء في مثل هذه اللحظات.

ولعل أبرز ما التقطه التحليل أيضا، هو الربط المنهجي بالخطاب بين عدة ساحات، فالملك انتقل في خطابه من غزة إلى الضفة، إلى لبنان، سوريا، وقطر، وهنا لم تكن مجرد إشارات متفرقة، بل خريطة صراع واحدة، تتعدد بها الجبهات، وتتوحد الأهداف تحت مشروع لا يعترف بالسيادة، ويستهدف استقرار المنطقة بأكملها.

خلاصة القول، الكلمة التي ألقاها الملك قصيرة، لكنها محكمة، متزنة، وحازمة، وقالت الكثير جدا دون ضجيج، ووجهت رسائل واضحة دون الحاجة إلى التفسير، والأهم أنها دعت لإعادة ترتيب الأولويات، وذكرت بأن ما يجمع العرب اليوم لم يعد فقط التاريخ والمصير، بل الخطر أيضا، والخطر هذه المرة لا ينتظر، ولا يستثني أحدا.