وجهات نظر

خطاب ملكي .. نحو موقف عربي موحد وفاعل

خطاب ملكي ..  نحو موقف عربي موحد وفاعل


أعاد جلالة الملك عبدالله الثاني في خطابه أمام قمة الدوحة قراءة واقع باتت فيه سياسات القوة تفرض نفسها على الحسابات القانونية والدبلوماسية، كما عرض جلالته إطاراً استراتيجياً شاملاً للتعامل مع المرحلة المقبلة، منبها إلى التحولات الخطيرة التي تهدد الأمن الإقليمي والدولي، حيث قدّم قراءة عميقة للعدوان، باعتباره حلقة جديدة في سلسلة من السياسات الإسرائيلية الممنهجة التي تشمل غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، وتستهدف في جوهرها إعادة تشكيل المنطقة وفق منطق القوة والإخضاع، بيد أن هذا الربط بين مسارح الصراع المختلفة يشير إلى أن الملك يرى في السلوك الإسرائيلي مشروعاً متكاملاً يتجاوز حدود فلسطين ليطال منظومة الأمن العربي ككل.

كشفت كلمة الملك عن إدراك أردني بأن المشكلة لم تعد مقتصرة على الاحتلال أو الاستيطان، بل تجاوزت ذلك في ظل تحول إسرائيل إلى قوة خارج إطار القانون الدولي، مستفيدة من صمت المجتمع الدولي وتراخيه، ما شجعها على التمادي في سياساتها، فعندما قال الملك «إن إسرائيل فوق القانون لأن العالم سمح لها بذلك»، كان يحمّل القوى الكبرى مسؤولية مباشرة عن استمرار النزاع وتصاعده، ويشير ضمناً إلى أن الرهان على الضغط الدولي وحده لم يعد كافياً، وأن البديل هو موقف عربي وإسلامي أكثر صلابة وفاعلية.

كما حملت الكلمة رسالة تضامن استراتيجي، حيث أكد الملك أن أمن قطر من أمن الأردن، ما يعني أن العدوان على أي دولة عربية يُنظر إليه كتهديد مباشر للأمن القومي الأردني والعربي، وهو ما يعكس رؤية الأردن لدوره كركيزة للاستقرار الإقليمي، ويعيد التذكير بأن وحدة الموقف العربي باتت اليوم ضرورة وجودية أمام مخاطر التوسع الإسرائيلي.

أحد الأبعاد المركزية في الخطاب هو الدعوة إلى مراجعة شاملة لأدوات العمل العربي والإسلامي المشترك، خاصة وأن الآليات التقليدية فقدت فعاليتها أمام التحديات الحالية، والمطلوب الانتقال من الإدانة اللفظية إلى تبني سياسات عملية تفرض كلفة حقيقية على إسرائيل وتعيد التوازن إلى المعادلة، وفي هذا السياق جاء تأكيد الملك أن الرد يجب أن يكون «واضحاً، حاسماً، ورادعاً» بمثابة دعوة لتغيير قواعد الاشتباك السياسي والدبلوماسي، وربما الاقتصادي، مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.

بعمقه السياسي ورسائله متعددة المستويات، يمكن اعتبار خطاب جلالة الملك محاولة لإعادة توجيه البوصلة العربية والإسلامية نحو موقف موحد وفاعل، وتحذيراً من أن استمرار التعامل مع الأزمات بردود أفعال جزئية سيجعل المنطقة أكثر هشاشة أمام مشاريع القوة الإسرائيلية. إنها كلمة تضع الجميع أمام مسؤولياتهم وتحث على الانتقال من مرحلة التوصيف إلى مرحلة الفعل، قبل أن تصبح تكلفة التردد أكبر من تكلفة المواجهة.

كانت كلمة الملك رسالة تحذير وتحدٍّ؛ تحذير من أنّ تراكم الإفلات من العقاب يشرع لمرحلة جديدة من الصراع، وتحدٍّ للدول العربية والإسلامية لتحويل لحظة الغضب إلى هندسة سياسة عملية تعيد للأمن الإقليمي شروطه القانونية والسياسية، بيد أن القدرة على ترجمة هذه الكلمات إلى أدوات ملموسة ستكون المعيار الفاصل بين إدارة الأزمة وابتلاعها لمزيد من الهشاشة في المنطقة.