سوالف

هل نمر فعلًا بـ"أزمة منتصف العمر" عند سن الخامسة والثلاثين؟

هل نمر فعلًا بـ"أزمة منتصف العمر" عند سن الخامسة والثلاثين؟

للعلّم - يُعدّ مفهوم "أزمة منتصف العمر" واحدًا من أكثر المصطلحات النفسية انتشارًا في الثقافة الشعبية، إذ يشير إلى مرحلة انتقالية يعتقد أنها تصيب الأفراد في منتصف حياتهم، وتكون غالبًا مصحوبة بمشاعر القلق والندم والتساؤل عن الهوية والإنجازات، مما قد يدفع البعض إلى اتخاذ قرارات غير مألوفة في محاولة لاستعادة شبابهم أو البحث عن معنى جديد للحياة.

تعود جذور هذا المصطلح إلى المحلل النفسي الكندي إليوت جاك، الذي صاغه عام 1965 في ورقته الشهيرة "الموت وأزمة منتصف العمر". ربط جاك بين إدراك الفرد لحقيقة الموت وحدود الحياة وبين حدوث تحول في الإبداع والإنتاجية عند بلوغ سن 35 تقريبًا. واستند في نظريته إلى دراسة السير الذاتية لعدد من المبدعين التاريخيين، مثل دانتي وفناني عصر النهضة، حيث لاحظ تغيّرًا في إنتاجيتهم وأسلوبهم الإبداعي في هذه المرحلة العمرية. وسرعان ما تبنّت الثقافة الشعبية الفكرة، واقترنت بصور نمطية مثل شراء سيارات رياضية باهظة أو إجراء تغييرات جذرية في الوظيفة أو المظهر.

لكن هذا التصور يواجه اليوم نقدًا متزايدًا. فالأستاذة ناومي وينتر-فينسنت من جامعة نورث إيسترن في لندن تشير إلى أن نظرية جاك اعتمدت على عينة محدودة ركزت على "أعمال الرجال العظماء"، ولم تشمل دراسة منهجية واسعة أو تجارب النساء. كما أن تحديد سن الأزمة عند الخامسة والثلاثين استند إلى مفهوم ديني قديم يقدر متوسط العمر البشري بسبعين عامًا، وهو ما لم يعد منطقيًا في عصرنا حيث تجاوز متوسط العمر في كثير من الدول الثمانين عامًا.

تؤكد وينتر-فينسنت أن الأدلة العلمية الداعمة لفكرة "أزمة منتصف العمر" ضعيفة، وأن ما يمر به الأفراد في هذه المرحلة غالبًا لا يتعدى كونه فترة طبيعية من التقييم الذاتي وإعادة النظر في الأهداف، لا أزمة نفسية حتمية. وتلفت إلى أن الجانب الأكثر إثارة في نظرية جاك لم يكن فكرة الأزمة بحد ذاتها، بل تركيزه على التحول الإبداعي؛ إذ ميّز بين إبداع شبابي متوهج يظهر في بدايات العمر، وإبداع ناضج أكثر عمقًا ومعنى يتشكل لاحقًا بعد مواجهة الإنسان لحقيقة فناء الحياة.

في المقابل، يشهد عصرنا محاولات لتحدي فكرة تقبّل حدود العمر، مثل مبادرات "لا تموت" التي يقودها المستثمر برايان جونسون، والتي تهدف إلى إطالة فترة الشباب أو حتى تحقيق شكل من أشكال "الخلود" بالتكنولوجيا، ما يتعارض مع فرضية جاك الأساسية حول التصالح مع الموت كنقطة تحول.

وتخلص الدراسات الحديثة إلى أن "أزمة منتصف العمر" ليست حقيقة نفسية ثابتة بقدر ما هي بناء اجتماعي وثقافي تشكّل عبر التاريخ. ومع تغير أنماط الحياة وتأخر مراحل النضج الاجتماعي، يبدو عمر الخامسة والثلاثين اليوم أقرب إلى بداية النضج منه إلى منتصف العمر، لتصبح الفكرة أقرب إلى خرافة ثقافية منها إلى حقيقة علمية راسخة.