سوالف

اضطراب التعلق التفاعلي لدى الأطفال … حالة تستدعي الانتباه المبكر

اضطراب التعلق التفاعلي لدى الأطفال … حالة تستدعي الانتباه المبكر

للعلّم - اضطراب التعلق التفاعلي لدى الأطفال … حالة تستدعي الانتباه المبكر
ما هو اضطراب التعلق التفاعلي (RAD)؟

اضطراب التعلق التفاعلي (Reactive Attachment Disorder - RAD) هو اضطراب نفسي نادر نسبيًا، لكنه عميق التأثير على الأطفال، خاصة أولئك الذين لم يحظوا بفرص تكوين روابط عاطفية آمنة مع الوالدين أو مقدمي الرعاية الأساسيين. يظهر غالبًا في السنوات الأولى من عمر الطفل، عندما لا تُلبّى احتياجاته الأساسية من الحب، والاهتمام، والاستقرار. هذه الفجوة العاطفية المبكرة قد تترك أثرًا طويل المدى على قدرته في بناء علاقات صحية لاحقًا.

تتمثل خطورة RAD في أنه لا يقتصر على طفولة الفرد، بل قد يمتد ليؤثر على الصحة النفسية والاجتماعية في المراهقة والبلوغ، إذا لم تتم معالجته بشكل مبكر وفعّال.

الأسباب والعوامل المؤثرة

الأسباب ليست واضحة تمامًا، لكن الباحثين يشيرون إلى تداخل عدة عوامل بيولوجية وبيئية:

الإهمال العاطفي أو الجسدي المبكر: مثل عدم الاستجابة لبكاء الرضيع أو تجاهل حاجته للشعور بالأمان.

الرعاية المؤسسية: الأطفال الذين نشأوا في دور رعاية أو ملاجئ مزدحمة حيث تقل فرص الاتصال الفردي مع مقدم رعاية ثابت.

سوء المعاملة المبكر: التعرض للعنف الجسدي أو النفسي في السنوات الثلاث الأولى من العمر.

عدم الاستقرار الأسري: كثرة تنقل الطفل بين أسر حاضنة أو عدم وجود مقدم رعاية ثابت.

العوامل الوراثية: بعض الدراسات تشير إلى أن الاستعداد الوراثي قد يزيد من احتمال تطور RAD عند التعرض للضغوط البيئية.

الصعوبات النفسية لدى الوالدين: إصابة أحد الوالدين بالاكتئاب، القلق، أو اضطراب الشخصية قد يؤثر بشكل مباشر على قدرة الطفل في تطوير ارتباط آمن.

الأعراض والعلامات

الأطفال الذين يعانون من RAD قد يظهرون أنماطًا سلوكية لافتة، منها:

صعوبات في تكوين الثقة: يجدون صعوبة في الاعتماد على الآخرين أو طلب المساعدة.

تجنب التواصل العاطفي: يظهرون برودًا أو انعزالًا عند التفاعل مع الكبار.

مشكلات في تنظيم العواطف: قد تتراوح بين الغضب المفاجئ، ونوبات البكاء، والتوتر المستمر.

غياب الاستجابة الطبيعية: لا يبتسمون بسهولة، أو لا يطلبون الحنان بشكل طبيعي كباقي الأطفال.

صعوبات في العلاقات مع الأقران: يجدون صعوبة في اللعب أو تكوين صداقات متوازنة.

سلوكيات متناقضة: قد يظهرون أحيانًا اعتمادًا مفرطًا على الآخرين، وأحيانًا أخرى رفضًا كاملًا للتقارب.

التأثيرات بعيدة المدى

إذا لم يُعالج RAD في وقت مبكر، فقد يؤدي إلى:

صعوبات في تكوين علاقات رومانسية أو أسرية مستقرة في المستقبل.

مشكلات أكاديمية وسلوكية في المدرسة نتيجة ضعف القدرة على التركيز والتواصل.

زيادة خطر الإصابة باضطرابات المزاج مثل الاكتئاب والقلق.

ميول أكبر نحو العزلة الاجتماعية أو السلوكيات العدوانية.

احتمالية أعلى للتعرض لمشكلات الإدمان أو الانحراف في مرحلة المراهقة.

العوامل التي تزيد من حدة RAD

هناك ظروف قد تجعل من الصعب على الطفل التعافي:

استمرار الإهمال أو التعرض لسوء المعاملة حتى بعد التشخيص.

عدم توفر بيئة أسرية مستقرة.

غياب الدعم النفسي المتخصص.

إصابة الوالدين باضطرابات نفسية غير معالجة.

هذه العوامل تعكس مدى تعقيد RAD باعتباره مزيجًا من التجارب المبكرة، الوراثة، والبيئة المحيطة.

استراتيجيات الوقاية

الوقاية من RAD تبدأ منذ اللحظات الأولى لولادة الطفل:

الاستجابة لاحتياجات الرضيع فورًا: مثل التغذية، الحمل، التهدئة عند البكاء.

توفير بيئة أسرية مستقرة: يقلل من مشاعر الخوف وعدم الأمان.

تعزيز الروابط العاطفية: عبر اللمس، التواصل البصري، واللعب.

الدعم المبكر للأسر المهددة بالإهمال: من خلال برامج الرعاية الاجتماعية والصحية.

طرق العلاج والتدخل

رغم أن RAD قد يبدو معقدًا، إلا أن التدخل المبكر يفتح آفاقًا كبيرة للتعافي. من أبرز استراتيجيات العلاج:

العلاج النفسي المتمركز حول التعلق: يهدف إلى إعادة بناء الروابط العاطفية بين الطفل ومقدم الرعاية.

العلاج الأسري: يساعد الأسرة على فهم طبيعة الاضطراب وكيفية دعم الطفل عاطفيًا.

العلاج السلوكي: لتدريب الطفل على تنظيم مشاعره والتفاعل الاجتماعي الإيجابي.

التدخل التربوي: دعم الطفل في المدرسة لتعويض أي فجوات تعليمية أو اجتماعية.

التدريب الوالدي: إرشاد الأهل حول كيفية التعامل مع الطفل بطريقة ثابتة، حنونة، ومنظمة.

العلاج الطبي عند الحاجة: إذا ظهرت اضطرابات مرافقة مثل الاكتئاب أو القلق، قد تُستخدم بعض الأدوية تحت إشراف مختص.

دور المجتمع والمؤسسات

المعلمون: يمكنهم ملاحظة سلوكيات الطفل والإحالة للتقييم المبكر.

الأخصائيون الاجتماعيون: يساهمون في تحسين بيئة الطفل الأسرية.

المنظمات الصحية: مسؤولة عن توفير برامج دعم للأطفال المعرضين للإهمال أو سوء المعاملة.

اضطراب التعلق التفاعلي ليس مجرد مشكلة طفولة عابرة، بل هو اضطراب يمكن أن يحدد مسار حياة الطفل إذا لم يُعالج مبكرًا. فهم أسبابه، التعرف على علاماته، وتطبيق التدخلات المناسبة في الوقت المناسب يُعد حجر الأساس لمساعدة هؤلاء الأطفال على بناء روابط آمنة، وتنظيم عواطفهم، وتطوير علاقات صحية في المستقبل.

الوعي المجتمعي والاهتمام المبكر من الأسرة والمدرسة والمختصين قد يشكل الفارق بين طفل يعاني من عزلة عاطفية دائمة، وطفل ينمو ليصبح بالغًا متوازنًا قادرًا على الحب والثقة والاندماج في المجتمع.