سوالف

تعدد الشخصيات: بين أعماق العقل وانعكاسات الذاكرة

تعدد الشخصيات: بين أعماق العقل وانعكاسات الذاكرة

للعلّم - هل يمكن أن يعيش الإنسان بأكثر من شخصية داخل جسده الواحد؟ قد يبدو الأمر أقرب إلى الحبكة الدرامية في الأفلام، لكن "اضطراب تعدد الشخصيات" أو ما يعرف علميًا بـ اضطراب الهوية الانفصامي (Dissociative Identity Disorder - DID) هو حالة نفسية حقيقية ومعقدة، تجعل الفرد يتنقل بين شخصيات مختلفة قد تختلف في العمر، الجنس، الطباع، وحتى طريقة الكلام.

كيف يتكون هذا الاضطراب؟

تعدد الشخصيات غالبًا ما يرتبط بتجارب صادمة في الطفولة، مثل التعرض للعنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي. يفسر الأطباء النفسيون هذه الحالة على أنها آلية دفاعية للعقل: فحين يعجز الطفل عن مواجهة الصدمة بشكل مباشر، يقوم العقل بـ"تجزئة" الهوية وخلق شخصيات أخرى تتحمل الألم بدلًا عنه. ومع مرور الوقت، تصبح هذه الآلية عادة متجذرة، فتظهر شخصيات متعددة تتناوب على السيطرة.

ملامح الشخصيات المتعددة

كل شخصية قد تمتلك:

اسماً مختلفاً أو طريقة خاصة في الحديث.

صفات متباينة: إحداها قد تكون قوية وحازمة، وأخرى خجولة وطفولية.

تفضيلات مغايرة في الطعام، اللباس، وحتى الخط اليدوي.

ذكريات منفصلة: ما تتذكره شخصية قد تنكره أخرى تمامًا.

كيف يشعر المصاب؟

غالبًا ما يعاني الشخص من فقدان ذاكرة فجائي، كأنه قفز من مشهد لآخر في فيلم دون أن يشاهد اللقطات بينهما. قد يستيقظ ليجد أغراضًا لم يشترها، أو رسائل لم يكتبها، أو أصدقاء لا يتذكر لقاءهم. هذه الفجوات تجعل الحياة اليومية مليئة بالحيرة والارتباك.

هل يمكن العلاج؟

رغم صعوبة الاضطراب، إلا أن العلاج النفسي العميق – خاصة العلاج بالكلام (العلاج المعرفي السلوكي) والعلاج بالتنويم الإيحائي – يساعد المريض على:

التعرف على الشخصيات المختلفة.

فهم جذور الصدمة.

دمج هذه الشخصيات تدريجيًا في هوية واحدة أكثر تماسكًا.

بين الأسطورة والعلم

لطالما أثار اضطراب تعدد الشخصيات فضول الناس، حتى صار مادة دسمة للأفلام والروايات. لكن خلف القصص المثيرة، هناك أشخاص حقيقيون يعانون بصمت، يحاولون يوميًا التوفيق بين هوياتهم المختلفة. فهمهم وتقديم الدعم لهم ليس رفاهية، بل مسؤولية إنسانية.