الاستراتيجيات: الأردن مهدد بانخفاض حصة الفرد من المياه إلى 43 م3 سنويًا
للعلّم -
* شح المياه يهدد بخسائر تصل إلى 14% من الاقتصاد الوطني بحلول 2050
* فاتورة المياه تستنزف الموازنة: مديونية القطاع تقفز إلى 3 مليار دينار
* الفاقد يُضاعف الكلفة الحقيقية للمتر المكعب من الناقل الوطني
* الفاقد من المياه (50%) إشكالية مزمنة تعترض كل الحلول
* تضاعف الطلب في أقل من عقدين في ظل شبكات مهترئة وتعدّيات على مناطق تغذية المياه
* استنزاف جوفي وتقلبات مناخية تهدد حصة الفرد -الشحيحة أصلا- من المياه في الأردن
* حقوق الأردن المنتقصة في المياه المشتركة بين الدول المجاورة يفاقم الضغوطات
أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة سياسات بعنوان "المياه: خيارات الأردن أمام أزمة الإمدادات والاستخدامات" والتي سلط فيها الضوء على الوضع الراهن لقطاع المياه في الأردن. كما استعرضت الورقة التحديات الهيكلية التي تواجه القطاع من منظور العرض والطلب والتمويل، إلى جانب تقديم بعض التوصيات لتعزيز الأمن المائي في الأردن.
وأوضح المنتدى في ورقته بأن العالم يواجه شحًّا مائيًّا متصاعدًا بفعل التغير المناخي والنمو السكاني، وأن التوقعات تشير إلى أن الطلب العالمي على المياه سيزداد بنسبة تتراوح بين (20% إلى 30%) بحلول عام (2050)، مما سيؤدي إلى تراجع نصيب الفرد من الموارد المائية المتجددة، والذي سينعكس باتساع الفجوة بين العرض والطلب على المستوى الدولي، ويهدد أمن المياه واستدامتها على نطاق أوسع.
وأكدّت الورقة بأن الأردن يُعدّ من الدول الأكثر فقرًا في المياه؛ إذ تُقدَّر حصة الفرد السنوية من مصادر المياه العذبة المتجددة بنحو (61) مترًا مكعبًا سنويًّا خلال العام (2021)، وهو أقل بكثير من حد الفقر المائي العالمي المطلق والبالغ (500) متر مكعب سنوياً. وفي هذا السياق نوهت الورقة إلى أنه، وفي حال استمر نمط الاستهلاك الحالي، فمن المتوقع أن تنخفض حصة الفرد في الأردن إلى (43) مترًا مكعبًا فقط في العام 2100.
وذكرت الورقة بأن أزمة فقر المياه في الأردن تتفاقم بفعل مجموعة من العوامل في جانبي العرض والطلب. إذ يعتمد الأردن على تأمين احتياجاته المائية بشكل أساسيّ على ثلاثة مصادر رئيسة؛ وهي المياه الجوفية التي تشكل النسبة الأكبر من إجمالي إمدادات المياه في الأردن وبنحو (58%)، مشيرة إلى أن هذا المصدر لطالما كان عرضة للاستنزاف المفرط، نتيجة تجاوز حجم السحوبات المائية من غالبية الأحواض لمستوياتها الآمنة، وبمعدلات كبيرة وملحوظة.
فيما تشكل المياه السطحية وهي المصدر الثاني لإمدادات المياه في الأردن، ما نسبته (26%) من إجمالي الإمدادات. ويعاني هذا المصدر من تقلبات موسمية حادة نتيجة التغير المناخي، ما يضعف إمكانية الاعتماد عليه بشكل كبير. وقد أشارت الورقة إلى أن السدود المائية في الأردن تفقد كميات كبيرة من المياه المخزنة تصل أحيانا إلى ما يزيد عن (30%) من إجمالي المخزون السنوي نتيجة تغيرات المناخ، ونمط الهطول المطري. علاوة على أن كميات المياه المخزنة في السدود (14 سدًّا) المنتشرة في المملكة لم تتجاوز (114) مليون متر مكعب خلال العام 2022؛ أي ما نسبته (32%) فقط من السعة التخزينية.
كما أشارت الورقة إلى أن عدم التزام دول الجوار باتفاقيات المياه المشتركة، والتغول على حصة الأردن منها، تسبب بتراجع كبير في مصادر مياه نهري اليرموك والأردن.
وفي جانب الطلب، أوضحت الورقة بأن تحدي النمو السكاني المتسارع في الأردن يعدّ العامل الأكبر في تزايد الطلب على المياه. فقد تضاعف عدد السكان خلال العقدين الماضيين نتيجة الزيادة الطبيعية وأزمات اللجوء. فقد ساهم اللجوء السوري (1.3 مليون لاجئ) بزيادة الطلب على المياه في محافظات الشمال بنسبة (40%). كما أن ارتفاع معدل التحضر في المملكة والتمدد السكاني والعمراني العشوائي يُشكّل تحديًا متصاعدًا يهدد استدامة الموارد المائية في الأردن.
وذكرت الورقة بأن أنماط الاستهلاك غير المستدامة، وخاصة في المناطق الحضرية، تسهم غالبًا في الضغط على محطات المعالجة والضخ وشبكات التوزيع القائمة، لا سيما في أشهر الصيف الحارة والجافة. مما يؤدي إلى برامج صارمة لتوزيع المياه دوريًّا على الأحياء، والتي غالبًا ما تكون مرة واحدة بالأسبوع، ولساعات محدودة.
هذا، وقد أشارت الورقة، إلى أن القطاع الزراعي يُعدّ المستهلك الأكبر للمياه، وبأكثر من 50% من إجمالي السحوبات المائية في المملكة، في الوقت الذي تقل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي عن (5%). ورغم أهمية هذا القطاع في تحقيق الأمن الغذائي، ودعم سُبل عيش المزارعين، إلا أنه يكشف عن مكامن هشاشة عميقة، نتيجة استهلاكه الكبير للموارد المائية. حيث بينت الورقة أن سحوبات القطاع الزراعي من المياه الجوفية تشكل حوالي (38.6%) من إجمالي السحوبات المائية، ما يضع ضغوطًا هائلة على الأحواض المائية التي تعاني بالأساس من الاستنزاف المفرط. في حين يستهلك القطاع الزراعي ما نسبته (51.6%) من المياه السطحية، وهي الأكثر عرضة للتقلبات المطرية. وفي هذا السياق، أوضحت الورقة أن استنزاف القطاع الزراعي غير المدروس للمياه الجوفية والسطحية يهدد بنضوب الأحواض، وتدهور نوعية المياه، ما يؤثر على أمن الأردن المائي.
كما لفتت الورقة إلى جانب مشرق من هذه الصورة، حيث إن القطاع الزراعي يعتمد على المياه المعالجة بنسبة (26.9%) من إجمالي استهلاكه السنوي. وهو ما يعكس تقدّم الأردن في إعادة الاستخدام، إلا أن استدامة هذا المصدر لتلبية احتياجات الزراعة مرهون بقدرة محطات معالجة المياه العادمة وكفاءتها، كما يتطلب استثمارات مستمرة في البنية التحتية، وضبط صارم لضمان جودة المياه.
وذكرت الورقة بأن أزمة المياه في الأردن لا تقف عند حدود الموارد، بل تمتد لتشكل عبئًا ماليًّا متزايدًا على الموازنة العامة؛ نتيجة ضعف قدرة الإيرادات على تغطية النفقات، وتذبذبها الحاد، وهو ما أدى إلى ارتفاع مديونية القطاع لتصل إلى حوالي (3) مليارات دينار، أو ما نسبته (8%) من الناتج المحلي الإجمالي بحسب بيانات العام 2025. كما أشارت الورقة إلى أن هذا التحدي يستدعي إصلاحًا شاملًا لقطاع المياه يشمل رفع الكفاءة التشغيلية، ومراجعة سياسة التسعير، وتعزيز الاستثمار في المشاريع المستدامة.
وعند مقارنة أداء الأردن عالميا، أوضحت الورقة بأن مرتبة الأردن في مؤشر ترابط المياه والطاقة والغذاء العالمي (WEF Nexus Index 2023)، تعد منخفضة ((152) من أصل (165) دولة). كما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن استمرار شح المياه سيساهم في خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين (6% و14%) بحلول عام 2050، وهو ما يؤكد على البُعد الاقتصادي لأزمة المياه. حيث إن الحفاظ على أمن المياه واستدامتها ليس مجرد مسألة بيئية، بل هو شرطا أساسيا لاستقرار الاقتصاد والمجتمع.
وخلُصت الورقة إلى أن الإشكالية المزمنة والرئيسة التي تعترض قطاع المياه ومنظومة الأمن المائي في المملكة، هي تحدي الفاقد المائي، والذي بلغ حوالي (50%) من الإمدادات خلال عام (2022). وقد توزع هذا الفاقد مناصفة بين الفاقد الإداري والفاقد الفني، ما يعني بان حوالي نصف المياه المزودة لا تصل إلى المستهلكين، أو لا يتم تحصيل أثمانها بسبب التسربات والفاقد التجاري كضعف العدادات أو الاعتداءات.
وفي سياق متصل، استعرض المنتدى عدد من التوصيات لتعزيز الأمن المائي في الأردن واستدامته، كان من أبرزها؛ ضرورة معالجة مشكلة الفاقد المائي في شبكات التوزيع كونه الفيصل الإستراتيجي للمضي في تنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر ونقلها إلى العاصمة عمان. مشيرا إلى أن هذا الفاقد يشكل تهديدًا لأهداف المشروع الإستراتيجية من حيث ارتفاع الكلفة الفعلية على الحكومة للمتر المكعب، والتي ستشكل ضعف الكلفة المتفق عليها مع المستثمر مهما بلغت.
كما أكد المنتدى على ضرورة تبني تقنيات حديثة لحصر مواقع التسريب وتقليص حجمه، وإطلاق حملة وطنية شاملة لتحديد المواقع ذات الفاقد المرتفع لتوجيه الجهود الفنية لمعالجته، إلى جانب تحديث شبكات المياه الرئيسة والحد من الاعتداءات عليها.
هذا، وشدد المنتدى على أهمية إعادة توجيه النشاط الزراعي جغرافيًّا بما يتناسب مع وفرة الموارد المائية، وتقليل الاعتماد على الأحواض الجوفية المستنزفة من خلال إعادة توطين الأنشطة الزراعية قرب المناطق الأقل ضغطًا على المصادر المائية، واستحداث مناطق زراعية جديدة بالقرب من مشروع تحلية المياه في العقبة، بما يعزز من قدرة الأردن على تحقيق أمنه الغذائي والمائي معًا. وفي هذا السياق، أوصى المنتدى بضرورة العمل على اعتماد التحلية كمصدر رئيس لتزويد العقبة بالمياه، بما يخفّض الكلف، ويحمي الأحواض الجوفية كحوض الديسي، ويعزز عدالة توزيع الموارد المائية.
كما أوصى بضرورة توسيع نطاق استخدام المياه العادمة المعالجة لتحقيق وفورات مائية تسهم في تخفيف الضغط عن المصادر العذبة والاستفادة من التجارب الدولية في بناء استراتيجيات للاعتماد على المياه المعالجة، وبالشراكة مع القطاع الخاص، إلى جانب اعتماد سياسة تسعيرية تصاعدية عادلة تراعي الكميات المستهلكة ونوعية المحاصيل الزراعية، بحيث تشكل الأسعار حافزًا للاستخدام الرشيد دون أن تتحول إلى عبء على صغار المزارعين.
وشدد المنتدى على أهمية تعزيز الحوكمة الرشيدة كركيزة أساسية لضمان إدارة مستدامة للموارد المائية في الأردن؛ من خلال إنشاء وتمكين جهة مستقلة وحيادية لتنظيم الأداء ومراقبته، كخطوة محورية لتعزيز التنسيق بين الجهات المسؤولة عن قطاع المياه، وتفعيل أدوات الرصد والرقابة، ووضع آليات صارمة للمساءلة للحد من الاستخدام غير المشروع للمياه. كما نوه المنتدى إلى أهمية تمكين الشركات العاملة في القطاع، ومنحها درجة من الاستقلالية في الإدارة، والتخطيط، واتخاذ القرار؛ لضمان استدامة الموارد، وحماية أمن المياه الوطني.
ودعا المنتدى في ورقته كذلك إلى تعزيز كفاءة الطاقة داخل قطاع المياه والذي يعد من أكثر القطاعات استهلاكًا للكهرباء؛ وذلك عبر التوسع في استخدام مصادر الطاقة النظيفة، وتبني أنظمة تحكم ذكية (SCADA systems) لجدولة تشغيل المضخات وتقليل الهدر، إضافة إلى استغلال الطاقة الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي كالحمأة العضوية والغاز الحيوي. كما شددت الورقة على أهمية تمكين منصة الترابط ما بين قطاع المياه والطاقة والغذاء والبيئة (WEFE Nexus) كأداة محورية لتنسيق السياسات بين هذه القطاعات وبما يعزز من الحوكمة الرشيدة للموارد.
وفي جانب الفرص المستقبلية، أوصت الورقة بتطوير حزمة من الحوافز الاقتصادية والفنية المرتبطة مباشرة بتحسين كفاءة المياه والإنتاجية المائية، ودعم تقنيات الري الحديثة، وتشجيع البحث العلمي والجامعات على تطوير محاصيل منخفضة الاستهلاك المائي وأنظمة استشعار ذكية لإدارة المياه. كما أشارت إلى أهمية فتح آفاق جديدة للاستثمار النوعي، مثل إدارة الحمأة والزراعة الذكية مناخيًّا، لما لها من أثار إيجابية في تعزيز الإنتاجية الزراعية وخلق فرص عمل جديدة. كما وشدد المنتدى على أهمية فتح باب الشراكة أمام القطاع الخاص لاستكشاف وحفر الآبار الجوفية.
وأخيرًا، شدد المنتدى على ضرورة المطالبة بالحقوق المائية للأردن بموجب الاتفاقيات الدولية ووفقًا لمبادئ القانون الدولي، وعلى رأسها اتفاقية وادي عربة (1994) واتفاقية نهر اليرموك (1987)، من خلال تفعيل اللجان الفنية المشتركة وتطوير آليات ملزمة للمتابعة والردع، خاصة في ظل الأعباء المتزايدة التي يتحملها الأردن نتيجة استضافته لنحو ثلث سكانه من اللاجئين، الأمر الذي يتطلب تحركًا حقيقيًا يحافظ على الحقوق المائية، ويعزز من استدامة أمنه المائي.
* شح المياه يهدد بخسائر تصل إلى 14% من الاقتصاد الوطني بحلول 2050
* فاتورة المياه تستنزف الموازنة: مديونية القطاع تقفز إلى 3 مليار دينار
* الفاقد يُضاعف الكلفة الحقيقية للمتر المكعب من الناقل الوطني
* الفاقد من المياه (50%) إشكالية مزمنة تعترض كل الحلول
* تضاعف الطلب في أقل من عقدين في ظل شبكات مهترئة وتعدّيات على مناطق تغذية المياه
* استنزاف جوفي وتقلبات مناخية تهدد حصة الفرد -الشحيحة أصلا- من المياه في الأردن
* حقوق الأردن المنتقصة في المياه المشتركة بين الدول المجاورة يفاقم الضغوطات
أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة سياسات بعنوان "المياه: خيارات الأردن أمام أزمة الإمدادات والاستخدامات" والتي سلط فيها الضوء على الوضع الراهن لقطاع المياه في الأردن. كما استعرضت الورقة التحديات الهيكلية التي تواجه القطاع من منظور العرض والطلب والتمويل، إلى جانب تقديم بعض التوصيات لتعزيز الأمن المائي في الأردن.
وأوضح المنتدى في ورقته بأن العالم يواجه شحًّا مائيًّا متصاعدًا بفعل التغير المناخي والنمو السكاني، وأن التوقعات تشير إلى أن الطلب العالمي على المياه سيزداد بنسبة تتراوح بين (20% إلى 30%) بحلول عام (2050)، مما سيؤدي إلى تراجع نصيب الفرد من الموارد المائية المتجددة، والذي سينعكس باتساع الفجوة بين العرض والطلب على المستوى الدولي، ويهدد أمن المياه واستدامتها على نطاق أوسع.
وأكدّت الورقة بأن الأردن يُعدّ من الدول الأكثر فقرًا في المياه؛ إذ تُقدَّر حصة الفرد السنوية من مصادر المياه العذبة المتجددة بنحو (61) مترًا مكعبًا سنويًّا خلال العام (2021)، وهو أقل بكثير من حد الفقر المائي العالمي المطلق والبالغ (500) متر مكعب سنوياً. وفي هذا السياق نوهت الورقة إلى أنه، وفي حال استمر نمط الاستهلاك الحالي، فمن المتوقع أن تنخفض حصة الفرد في الأردن إلى (43) مترًا مكعبًا فقط في العام 2100.
وذكرت الورقة بأن أزمة فقر المياه في الأردن تتفاقم بفعل مجموعة من العوامل في جانبي العرض والطلب. إذ يعتمد الأردن على تأمين احتياجاته المائية بشكل أساسيّ على ثلاثة مصادر رئيسة؛ وهي المياه الجوفية التي تشكل النسبة الأكبر من إجمالي إمدادات المياه في الأردن وبنحو (58%)، مشيرة إلى أن هذا المصدر لطالما كان عرضة للاستنزاف المفرط، نتيجة تجاوز حجم السحوبات المائية من غالبية الأحواض لمستوياتها الآمنة، وبمعدلات كبيرة وملحوظة.
فيما تشكل المياه السطحية وهي المصدر الثاني لإمدادات المياه في الأردن، ما نسبته (26%) من إجمالي الإمدادات. ويعاني هذا المصدر من تقلبات موسمية حادة نتيجة التغير المناخي، ما يضعف إمكانية الاعتماد عليه بشكل كبير. وقد أشارت الورقة إلى أن السدود المائية في الأردن تفقد كميات كبيرة من المياه المخزنة تصل أحيانا إلى ما يزيد عن (30%) من إجمالي المخزون السنوي نتيجة تغيرات المناخ، ونمط الهطول المطري. علاوة على أن كميات المياه المخزنة في السدود (14 سدًّا) المنتشرة في المملكة لم تتجاوز (114) مليون متر مكعب خلال العام 2022؛ أي ما نسبته (32%) فقط من السعة التخزينية.
كما أشارت الورقة إلى أن عدم التزام دول الجوار باتفاقيات المياه المشتركة، والتغول على حصة الأردن منها، تسبب بتراجع كبير في مصادر مياه نهري اليرموك والأردن.
وفي جانب الطلب، أوضحت الورقة بأن تحدي النمو السكاني المتسارع في الأردن يعدّ العامل الأكبر في تزايد الطلب على المياه. فقد تضاعف عدد السكان خلال العقدين الماضيين نتيجة الزيادة الطبيعية وأزمات اللجوء. فقد ساهم اللجوء السوري (1.3 مليون لاجئ) بزيادة الطلب على المياه في محافظات الشمال بنسبة (40%). كما أن ارتفاع معدل التحضر في المملكة والتمدد السكاني والعمراني العشوائي يُشكّل تحديًا متصاعدًا يهدد استدامة الموارد المائية في الأردن.
وذكرت الورقة بأن أنماط الاستهلاك غير المستدامة، وخاصة في المناطق الحضرية، تسهم غالبًا في الضغط على محطات المعالجة والضخ وشبكات التوزيع القائمة، لا سيما في أشهر الصيف الحارة والجافة. مما يؤدي إلى برامج صارمة لتوزيع المياه دوريًّا على الأحياء، والتي غالبًا ما تكون مرة واحدة بالأسبوع، ولساعات محدودة.
هذا، وقد أشارت الورقة، إلى أن القطاع الزراعي يُعدّ المستهلك الأكبر للمياه، وبأكثر من 50% من إجمالي السحوبات المائية في المملكة، في الوقت الذي تقل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي عن (5%). ورغم أهمية هذا القطاع في تحقيق الأمن الغذائي، ودعم سُبل عيش المزارعين، إلا أنه يكشف عن مكامن هشاشة عميقة، نتيجة استهلاكه الكبير للموارد المائية. حيث بينت الورقة أن سحوبات القطاع الزراعي من المياه الجوفية تشكل حوالي (38.6%) من إجمالي السحوبات المائية، ما يضع ضغوطًا هائلة على الأحواض المائية التي تعاني بالأساس من الاستنزاف المفرط. في حين يستهلك القطاع الزراعي ما نسبته (51.6%) من المياه السطحية، وهي الأكثر عرضة للتقلبات المطرية. وفي هذا السياق، أوضحت الورقة أن استنزاف القطاع الزراعي غير المدروس للمياه الجوفية والسطحية يهدد بنضوب الأحواض، وتدهور نوعية المياه، ما يؤثر على أمن الأردن المائي.
كما لفتت الورقة إلى جانب مشرق من هذه الصورة، حيث إن القطاع الزراعي يعتمد على المياه المعالجة بنسبة (26.9%) من إجمالي استهلاكه السنوي. وهو ما يعكس تقدّم الأردن في إعادة الاستخدام، إلا أن استدامة هذا المصدر لتلبية احتياجات الزراعة مرهون بقدرة محطات معالجة المياه العادمة وكفاءتها، كما يتطلب استثمارات مستمرة في البنية التحتية، وضبط صارم لضمان جودة المياه.
وذكرت الورقة بأن أزمة المياه في الأردن لا تقف عند حدود الموارد، بل تمتد لتشكل عبئًا ماليًّا متزايدًا على الموازنة العامة؛ نتيجة ضعف قدرة الإيرادات على تغطية النفقات، وتذبذبها الحاد، وهو ما أدى إلى ارتفاع مديونية القطاع لتصل إلى حوالي (3) مليارات دينار، أو ما نسبته (8%) من الناتج المحلي الإجمالي بحسب بيانات العام 2025. كما أشارت الورقة إلى أن هذا التحدي يستدعي إصلاحًا شاملًا لقطاع المياه يشمل رفع الكفاءة التشغيلية، ومراجعة سياسة التسعير، وتعزيز الاستثمار في المشاريع المستدامة.
وعند مقارنة أداء الأردن عالميا، أوضحت الورقة بأن مرتبة الأردن في مؤشر ترابط المياه والطاقة والغذاء العالمي (WEF Nexus Index 2023)، تعد منخفضة ((152) من أصل (165) دولة). كما تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن استمرار شح المياه سيساهم في خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين (6% و14%) بحلول عام 2050، وهو ما يؤكد على البُعد الاقتصادي لأزمة المياه. حيث إن الحفاظ على أمن المياه واستدامتها ليس مجرد مسألة بيئية، بل هو شرطا أساسيا لاستقرار الاقتصاد والمجتمع.
وخلُصت الورقة إلى أن الإشكالية المزمنة والرئيسة التي تعترض قطاع المياه ومنظومة الأمن المائي في المملكة، هي تحدي الفاقد المائي، والذي بلغ حوالي (50%) من الإمدادات خلال عام (2022). وقد توزع هذا الفاقد مناصفة بين الفاقد الإداري والفاقد الفني، ما يعني بان حوالي نصف المياه المزودة لا تصل إلى المستهلكين، أو لا يتم تحصيل أثمانها بسبب التسربات والفاقد التجاري كضعف العدادات أو الاعتداءات.
وفي سياق متصل، استعرض المنتدى عدد من التوصيات لتعزيز الأمن المائي في الأردن واستدامته، كان من أبرزها؛ ضرورة معالجة مشكلة الفاقد المائي في شبكات التوزيع كونه الفيصل الإستراتيجي للمضي في تنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر ونقلها إلى العاصمة عمان. مشيرا إلى أن هذا الفاقد يشكل تهديدًا لأهداف المشروع الإستراتيجية من حيث ارتفاع الكلفة الفعلية على الحكومة للمتر المكعب، والتي ستشكل ضعف الكلفة المتفق عليها مع المستثمر مهما بلغت.
كما أكد المنتدى على ضرورة تبني تقنيات حديثة لحصر مواقع التسريب وتقليص حجمه، وإطلاق حملة وطنية شاملة لتحديد المواقع ذات الفاقد المرتفع لتوجيه الجهود الفنية لمعالجته، إلى جانب تحديث شبكات المياه الرئيسة والحد من الاعتداءات عليها.
هذا، وشدد المنتدى على أهمية إعادة توجيه النشاط الزراعي جغرافيًّا بما يتناسب مع وفرة الموارد المائية، وتقليل الاعتماد على الأحواض الجوفية المستنزفة من خلال إعادة توطين الأنشطة الزراعية قرب المناطق الأقل ضغطًا على المصادر المائية، واستحداث مناطق زراعية جديدة بالقرب من مشروع تحلية المياه في العقبة، بما يعزز من قدرة الأردن على تحقيق أمنه الغذائي والمائي معًا. وفي هذا السياق، أوصى المنتدى بضرورة العمل على اعتماد التحلية كمصدر رئيس لتزويد العقبة بالمياه، بما يخفّض الكلف، ويحمي الأحواض الجوفية كحوض الديسي، ويعزز عدالة توزيع الموارد المائية.
كما أوصى بضرورة توسيع نطاق استخدام المياه العادمة المعالجة لتحقيق وفورات مائية تسهم في تخفيف الضغط عن المصادر العذبة والاستفادة من التجارب الدولية في بناء استراتيجيات للاعتماد على المياه المعالجة، وبالشراكة مع القطاع الخاص، إلى جانب اعتماد سياسة تسعيرية تصاعدية عادلة تراعي الكميات المستهلكة ونوعية المحاصيل الزراعية، بحيث تشكل الأسعار حافزًا للاستخدام الرشيد دون أن تتحول إلى عبء على صغار المزارعين.
وشدد المنتدى على أهمية تعزيز الحوكمة الرشيدة كركيزة أساسية لضمان إدارة مستدامة للموارد المائية في الأردن؛ من خلال إنشاء وتمكين جهة مستقلة وحيادية لتنظيم الأداء ومراقبته، كخطوة محورية لتعزيز التنسيق بين الجهات المسؤولة عن قطاع المياه، وتفعيل أدوات الرصد والرقابة، ووضع آليات صارمة للمساءلة للحد من الاستخدام غير المشروع للمياه. كما نوه المنتدى إلى أهمية تمكين الشركات العاملة في القطاع، ومنحها درجة من الاستقلالية في الإدارة، والتخطيط، واتخاذ القرار؛ لضمان استدامة الموارد، وحماية أمن المياه الوطني.
ودعا المنتدى في ورقته كذلك إلى تعزيز كفاءة الطاقة داخل قطاع المياه والذي يعد من أكثر القطاعات استهلاكًا للكهرباء؛ وذلك عبر التوسع في استخدام مصادر الطاقة النظيفة، وتبني أنظمة تحكم ذكية (SCADA systems) لجدولة تشغيل المضخات وتقليل الهدر، إضافة إلى استغلال الطاقة الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي كالحمأة العضوية والغاز الحيوي. كما شددت الورقة على أهمية تمكين منصة الترابط ما بين قطاع المياه والطاقة والغذاء والبيئة (WEFE Nexus) كأداة محورية لتنسيق السياسات بين هذه القطاعات وبما يعزز من الحوكمة الرشيدة للموارد.
وفي جانب الفرص المستقبلية، أوصت الورقة بتطوير حزمة من الحوافز الاقتصادية والفنية المرتبطة مباشرة بتحسين كفاءة المياه والإنتاجية المائية، ودعم تقنيات الري الحديثة، وتشجيع البحث العلمي والجامعات على تطوير محاصيل منخفضة الاستهلاك المائي وأنظمة استشعار ذكية لإدارة المياه. كما أشارت إلى أهمية فتح آفاق جديدة للاستثمار النوعي، مثل إدارة الحمأة والزراعة الذكية مناخيًّا، لما لها من أثار إيجابية في تعزيز الإنتاجية الزراعية وخلق فرص عمل جديدة. كما وشدد المنتدى على أهمية فتح باب الشراكة أمام القطاع الخاص لاستكشاف وحفر الآبار الجوفية.
وأخيرًا، شدد المنتدى على ضرورة المطالبة بالحقوق المائية للأردن بموجب الاتفاقيات الدولية ووفقًا لمبادئ القانون الدولي، وعلى رأسها اتفاقية وادي عربة (1994) واتفاقية نهر اليرموك (1987)، من خلال تفعيل اللجان الفنية المشتركة وتطوير آليات ملزمة للمتابعة والردع، خاصة في ظل الأعباء المتزايدة التي يتحملها الأردن نتيجة استضافته لنحو ثلث سكانه من اللاجئين، الأمر الذي يتطلب تحركًا حقيقيًا يحافظ على الحقوق المائية، ويعزز من استدامة أمنه المائي.