وجهات نظر

العلَم لا نقاش به

العلَم لا نقاش به


في الوقت الذي أصبحت فيه منصات التواصل منصات للتنظير المجاني، وللإفتاء بكل صغيرة وكبيرة، ظهر بعض من يحاول أن يأخذ قرار إلزام "نصب العلَم" الأردني أمام المباني الجديدة لمكان لا يليق بالعلَم ورمزيته والفكرة نفسها، فهم أخذوا يتحدثون عن "تكاليف" و"أعباء مالية"، وكأن العلَم أصبح بحساباتهم بند مالي يمكن التفاوض عليه، فلمَ كل هذا التفكير؟.

العلَم، ليس قطعة قماش، وليس مجرد ديكور يتغير ، فهو "شرف وهوية وولاء" وفوق كل الحسابات، والأدهى أن التكلفة التي تحدث عنها هؤلاء لا تتجاوز خمسين دينارا، أي ما يعادل "وجبة في مطعم"، ومع ذلك وجدت من يترجم هذا القرار وكأنه حملة جباية أو سيضيف عبئاً على المواطن، بعيدا عن أي شيء يتعلق بالولاء والانتماء للعلم رمز السيادة.

زرت العديد من الدول العربية والغربية، ورأيت أعلامها ترفرف على نوافذ البيوت، وفي حدائق المنازل، وعلى أسطح المباني، دون قانون يجبرهم، ودون لائحة تلزمهم، فهم يفعلون ذلك بفخر وانتماء ويصرفون على تزيين العلَم أكثر بكثير مما يتحدثون عنه هنا، ما يجعلني اتساءل، لماذا حين نطلب نحن برمز بسيط لوطننا، يبدأ البعض بكيل الهرطقات؟.

الحقيقة أن هذا القرار، ورغم بساطته، يأتي ضمن سلسلة من الخطوات التي تهدف لتعزيز "الرمزية الوطنية" في الحياة العامة والخاصة، حيث أن "رفع العلَم" أمام المنشأت والمباني ليس فقط فعلا وطنيا، بل التزام قانوني يعزز من حضور الدولة ورمزها في الفضاء العام.

مجتمعيا، هذا القرار يحمل "رسالة تربوية" بليغة، خصوصا للأجيال الجديدة التي نشأت وسط زحام المنصات والمفاهيم المتداخلة، فوجود العلَم أمام كل بيت ومدرسة ومحل هو تذكير يومي بالوطن، بهويته ومؤسساته ورموزه، كما هو درس في المواطنة لا يعطى بالكلام، بل يغُرس بالفعل.

شخصيا أجد أنه من "العيب علينا" أن ننتظر قانونا أو نظاما أو من يلزمنا بـ " غرس العلَم" أمام بيوتنا، فهذا "واجب بديهي" يجب أن نتسابق عليه، لا أن نجلس ونضعه تحت مجهر وجهات النظر، فهذا القرار "رمزي وهادف" يعي معانيه فقط من يعرف قيمة الأوطان واستقرارها وأمنها وأمانها، فالعلَم مظلة نستظل بها من ويلات الأحداث والمتغيرات من حولنا.

خلاصة القول، من لا يرى بالعلَم إلا كلفة، لن يرى في الوطن إلا حسابا مصرفيا، ومن يقيس الانتماء بمقدار ما يدفع، لا بمقدار ما يمنح، هو من يثقل كاهل الوطن، لا العكس، فالعلَم ليس قطعة قماش، بل التزام أخلاقي، ورمز سيادي، وشهادة انتماء لا يحملها إلا من عرف معنى الدولة ومعنى المواطنة.