وجهات نظر

في هوية المكان الأردني

في هوية المكان الأردني


الكتابة اليومية في الصحف تصنع للكاتب الجاد اسماً وشهرة، ولكنها لا تورثه تراثاً يمكن الامساك به، الاّ إذا جمع ما يكتب، وهذه لا تتوفر دائماً، ولذا رأيت حين تقاعدت قبل أن أعود للكتابة في الرأي مؤخراً، لقد انصرفت لعشر سنوات الى التأليف وصناعة الكتب، وقررت أن اختار الكتابة عن المدن،تحديدا لأن الكتابة عن المدينة تكون محايدة وموضوعية الى حد كبير، ولذا استطعت ان انجز حوالي 22 كتابا، عن كل مدينة أساسية.كتابا مجلدا

حين شرعت في التاليف، قمت بمسح واسع لجغرافية هذه المدن، ودونت ما رأيت إضافة الى ما وفرته المصادر التاريخية من كتب وأوعية معرفية ومخطوطات، ووجدت أموراً مفاجئة أن كثيرا من المعلومات والحقائق غير واردة في الكتب المتوفرة بين يدي القراء وخاصة كتب المناهج المدرسية التي تخلو من كثير من المعلومات الهامة.

كان عليّ أن أوثق ذلك بالصورة أو بالربط مع المصادر والمراجع التاريخية القديمة التراثية والحديثة، وقد كان الأمر شاقاً وممتعاً في نفس الوقت، ففي كتابي عن العقبة (آيلة)نشرت "العهدة المحمدية" لأهل آيلة، وهي وثيقة تم تجميعها من كتب التاريخ القديمة، وقد وقعت بين الرسول (ص) و أمير آيلة وقراها القس حنا بن رؤبة، بحضور علي بن ابي طالب وشرحبيل بن حسنة وعبادة بن الصامت.

وقد وردت كلمات العهدة في كتاب فتوح البلدان للواقدي وكتاب ياقوت الحموي، معجم البلدان وكتاب البلاذري ، وكانت باكورة الكتب التي الفتها عن المدن عام 2008 عن غزة باسم "غزة ماذا يقول التاريخ"، وقد أوردت فيه حقائق لا يعرفها الكثيرون عن سرّ صمودهذه المدينة التاريخي الأسطوري عبر التاريخ

، كما أنجزت كتاباً عن "أم الرصاص" وهو يتناول تاريخ المدينة التي ضمت 14 كنيسة، في مربع واحد وموقعها إلى الجنوب الغربي من مطار الملكة علياء، حيث أم الرصاص وموقع ابو الوليد، (موقع اثري) اما ام الرصاص فاسمها العربي القديم ميفعة.

وقد صورت العديد من الكنائس الشهيرة التي أضيف لها الكنائس الشهيرة التي جرى اكتشافها أخيرا من بعثة ايطالية، وأخرى أميركية والفسيسفاء فيها تضاهي فسيسفاء مأدبا، وما زالت تتوهج بألوانها الزاهية، ويمكن للمشاهد أن يراها وهو يسير على ارتفاع أكثر من متر فوقها حتى لا يمشي الزوار على الفسيسفاء مباشرة، والأرضية الضخمة التي تزيد مساحتها عن مائة متر مربع، تضم خرائط لكنائس الشرق الأوسط، حيث عليها رسوم لكنائس بلاد الشام وغزة وكنائس في مصر وفلسطين.

أما كتابي عن الطفيلة (ثوفوليس) مدينة الجبال، ففيه الجديد، فإلى جوار الطفيلة. مدينة بصيرا التاريخية التي كانت عاصمة للحضارة الأدومية التي أمتدت من آيلة حتى تدمر وأبعد من ذلك، وغطت مساحات من بلاد الشام، وصادمت المكابييين الذين عاصروا المسيح في فلسطين وأنكروا دعوته وعملوا على قتله وصلبه، وقد استطاع الادوميون بتحالف مع الكنعانيين في فلسطين أن يهزموا المكابيين الى أن جاء ثيطس عام 73 م، وهدم معابدهم وسيطر عليهم و.. حكمهم.

وبصيرا وإمتدادها كان له تأثير كبير في الحضارة حيث اكتشفت المعادن في جبال الطفيلة من نحاس وغيره، ويعتبر موقع (فنان )، وهو على البحر الميت قبالة الطفيلة، حيث يوجد الآن فندق صغير يقصده السياح، ويعتبر موقع فنان أول موقع في التاريخ استطاع أهله آنذاك تسخير المعادن وصناعتها لتكوين أواني للطبخ والاستعمال الحياتي، وهذه المعلومة غير معروفة تماماً في بلادنا، ولدى كثير من العرب ، رغم أنها تدرس في الجامعات الغربية التي تدرك أهمية المكان ومساهماته في الحضارة الانسانية.

وغير الطفيلة من المدن كان كتابي عن عجلون، وعن أشهر الكنائس فيها، وهي (كنيسة مار الياس 636 م) وعن موقع المدينة وبناء قلعة الربض الشهيرة، والتي بناها القائد عز الدين أسامه، أحد قادة صلاح الدين الايوبي، وقد اقام فيها إلى ان كانت عجلون بوابة فتح القدس، فنزلت قوات صلاح الدين منها الى سهل حطين جنوباً حيث كانت المعركة الفاصلة التي أهلت صلاح الدين لفتح القدس وهزيمة المملكة اللاتينية التي كان يحكمها ريتشارد قلب الأسد.

أما الكرك، التي حكمت القاهرة وبلاد الشام زمن المماليك فقد وصفها بيركهارت العالم السويسري الذي قدّم البترا للعالم والذي جاء الى الكرك وكتب عنها قبل أن يتحول الى السلط ويكتب عنها، ثم ينطلق منها الى زيارة عمان ليرى فيها موقع سبيل الحوريات لقد كتب في أوراقه التي نشرت بعض مضمونها انه استأجر بغرض زيارة عمان، اثنين من رجال السلط، بثلاثة دنانير من الذهب ليحموه من قطاع الطرق ومن الوحوش وقد أقام في عمان قليلا وهو من كتب عن الشراكس الذين نزلوا على ماء عمان في السيل، ووصف حياتهم وسكنهم وغرف الغيار بالمدرج الروماني، التي سكنوا بداية فيها وقال انهم 150، وقد كان لديهم العربات التي تجرها الأبقار كمزارعين.

سلسلة الكتب التي زادت عن العشرين جاءت تحت عنوان في "هوية المكان"، وللحديث بقية.