أمة تبحث عن نبيها في زمن التيه
لم تعد أزمات الأمة اليوم محصورة في حدود السياسة أو الاقتصاد أو الخلافات العابرة بين دولها وشعوبها، بل تجاوزت ذلك إلى أزمة عميقة في المعنى والهوية. لقد صارت الأمة، التي كانت يومًا منارةً للعدل والرحمة، تعيش غربةً عن ذاتها، تتقاذفها أمواج الفتن، وتستنزفها الحروب الداخلية والخارجية، وتنهشها أنياب الفساد والظلم، حتى غدت كياناً مثقلاً بالجراح، عاجزاً عن استعادة صوته أو لملمة شتاته.
في خضم هذا التيه، يعلو السؤال الصارخ: أين هو رسول الرحمة في واقعنا؟ ليس بوصفه شخصية تاريخية نحتفي بذكراها كل عام، ولا رمزاً عاطفياً نعلقه في قلوبنا فحسب، بل باعتباره المنهاج الذي يمكن أن يعيد لهذه الأمة روحها. العالم المرهق اليوم من صخب الكراهية وصراع المصالح وفوضى القيم يحتاج إلى القلب الذي وسع الإنسانية كلها، إلى الصوت الذي نادى في مكة قبل قرون: “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.
غير أن واقعنا يشي بأننا قد ابتعدنا كثيراً عن مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم. اختزلنا القوة في المال والسلاح، ونسينا أن جوهر نهضتنا كان في القيم التي جاء بها: الصدق، الرحمة، الأمانة، العدل. غابت هذه المعاني من ساحاتنا العامة، فانقلبت الكلمة إلى سلاح، وتحولت السياسة إلى سوق نخاسة، وأصبح الإعلام مصنعاً للوهم. كأننا نعيد إنتاج جاهلية جديدة، لكن بأسماء عصرية وأزياء ملوّنة.
الرسالة التي نحتاج إليها اليوم ليست شعاراً يُرفع في الاحتفالات، ولا خطاباً عاطفياً ينتهي بانتهاء المناسبة. ما تحتاجه الأمة هو استدعاء النموذج النبوي في حياتها اليومية: عدله في محاكمها، رحمته في بيوتها، صدقه في إعلامها، إنسانيته في تعاملها مع الآخر. إننا لسنا في حاجة إلى معجزة خارقة بقدر ما نحن بحاجة إلى أن نُحيي ما تركه لنا: كتاباً هادياً لا يأتيه الباطل، وسيرةً حيّة تملك أن تخرجنا من الظلام إذا جعلناها نبضاً في مؤسساتنا ومجتمعاتنا.
اليوم، وفي ظل عالم يزداد قسوة، يختنق الإنسان فيه بسطوة المادة وتتصارع الأمم على حساب الضعفاء، تبدو الحاجة ماسة إلى أن يعود النبي إلينا لا جسداً، فقد اكتمل الدين ورحل الجسد الطاهر، وإنما منهجاً وهدياً وروحاً. إننا بحاجة إلى رحمته لنواجه القسوة، إلى صدقه لنكسر الزيف، إلى نوره لنشق طريقنا وسط الظلام. فإن عدنا إليه عدنا لأنفسنا، وإن أدرنا ظهورنا فلن نجني إلا المزيد من الخسائر والانكسارات.
إن الأمة اليوم لا تبحث عن بطل خارق بقدر ما تبحث عن ذاتها الضائعة في إرث نبيها، تبحث عن المعنى الذي يعيد صياغة وجودها، عن الرحمة التي تطفئ نار الفتن، وعن نور يبدد عتمة القلوب قبل عتمة الطرقات. وما ذلك إلا أن نعيد سيرة محمد صلى الله عليه وسلم حيّة نابضة في كل تفاصيلنا، فبغيرها لن يكون لنا مكان إلا على هوامش التاريخ.
في خضم هذا التيه، يعلو السؤال الصارخ: أين هو رسول الرحمة في واقعنا؟ ليس بوصفه شخصية تاريخية نحتفي بذكراها كل عام، ولا رمزاً عاطفياً نعلقه في قلوبنا فحسب، بل باعتباره المنهاج الذي يمكن أن يعيد لهذه الأمة روحها. العالم المرهق اليوم من صخب الكراهية وصراع المصالح وفوضى القيم يحتاج إلى القلب الذي وسع الإنسانية كلها، إلى الصوت الذي نادى في مكة قبل قرون: “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.
غير أن واقعنا يشي بأننا قد ابتعدنا كثيراً عن مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم. اختزلنا القوة في المال والسلاح، ونسينا أن جوهر نهضتنا كان في القيم التي جاء بها: الصدق، الرحمة، الأمانة، العدل. غابت هذه المعاني من ساحاتنا العامة، فانقلبت الكلمة إلى سلاح، وتحولت السياسة إلى سوق نخاسة، وأصبح الإعلام مصنعاً للوهم. كأننا نعيد إنتاج جاهلية جديدة، لكن بأسماء عصرية وأزياء ملوّنة.
الرسالة التي نحتاج إليها اليوم ليست شعاراً يُرفع في الاحتفالات، ولا خطاباً عاطفياً ينتهي بانتهاء المناسبة. ما تحتاجه الأمة هو استدعاء النموذج النبوي في حياتها اليومية: عدله في محاكمها، رحمته في بيوتها، صدقه في إعلامها، إنسانيته في تعاملها مع الآخر. إننا لسنا في حاجة إلى معجزة خارقة بقدر ما نحن بحاجة إلى أن نُحيي ما تركه لنا: كتاباً هادياً لا يأتيه الباطل، وسيرةً حيّة تملك أن تخرجنا من الظلام إذا جعلناها نبضاً في مؤسساتنا ومجتمعاتنا.
اليوم، وفي ظل عالم يزداد قسوة، يختنق الإنسان فيه بسطوة المادة وتتصارع الأمم على حساب الضعفاء، تبدو الحاجة ماسة إلى أن يعود النبي إلينا لا جسداً، فقد اكتمل الدين ورحل الجسد الطاهر، وإنما منهجاً وهدياً وروحاً. إننا بحاجة إلى رحمته لنواجه القسوة، إلى صدقه لنكسر الزيف، إلى نوره لنشق طريقنا وسط الظلام. فإن عدنا إليه عدنا لأنفسنا، وإن أدرنا ظهورنا فلن نجني إلا المزيد من الخسائر والانكسارات.
إن الأمة اليوم لا تبحث عن بطل خارق بقدر ما تبحث عن ذاتها الضائعة في إرث نبيها، تبحث عن المعنى الذي يعيد صياغة وجودها، عن الرحمة التي تطفئ نار الفتن، وعن نور يبدد عتمة القلوب قبل عتمة الطرقات. وما ذلك إلا أن نعيد سيرة محمد صلى الله عليه وسلم حيّة نابضة في كل تفاصيلنا، فبغيرها لن يكون لنا مكان إلا على هوامش التاريخ.