وجهات نظر

من جرش الى الفحيص .. حبل الثقافة متصل

من جرش الى الفحيص ..  حبل الثقافة متصل

انتهى مهرجان جرش، وكان ختامه مسك بمحاضرة جيدة اشترك فيها الزميل حمادة الفراعنة ومعالي وزير الإعلام الأسبق مهند المبيضين الذي قدم مطارحة جيدة عن التلاحم الأردني الفلسطيني ورزمة من المواقف المشرفة الأردنية في خدمة القضية الفلسطينية والتضحيات التي قدمها الأردنيون وما زالوا وخاصة تضحيات الجيش العربي ودور الملك وولي العهد والأميرة في تقديم المساعدات جوا لغزة وادار الندوةً الزميل الصحفي أسامة الرنتيسي تحت عنوان المسؤولية التاريخية للأردن تجاه فلسطين وقد احسن الفراعنة في اثارة جملة من موضوعات كان يجري تجنبها كتابوهات فقد اثار مواضيع مثل وحدة الضفتين وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية التي ولدت في الحضن الأردني حين افتتح الملك الحسين إلى جانب احمد الشقيري المجلس الوطني الفلسطيني الاول عام 1964 واحداث أيلول

وخطوة فك الارتباط وكان الفراعنة قد اعتبر ان إلحاق الضفة الغربية الفلسطينية للأردن خطأ وكان يجب ان تكون وحدة بين الضفة الفلسطينية والضفة الشرقية وان هذا الخطأ صحح في قرار فك الارتباط وأعتبر الفراعنة ان الملك حسين كان شريكا اساسياً في إبراز الهوية الوطنية الفلسطينية حين وفر مكان انعقاد للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان في فندق القدس عام 1984 بعد ان اغلقت العواصم العربية في وجه الفلسطينيين الذين خرجوا من لبنان منقسمين

كانت مداخلة الفراعنة فيها دفاع عن السياسة الأردنية وثناء عليها بأسلوب واضح يضحض كثيرا من الافتراءات فالسياق الذي تحدث فيه الفراعنة حتى عن معركة الكرامة سياق جديد وإيجابي ومنفتح للنقاش ومنصف وهذه المحاضرة وسواها من قبل جعلا مهرجان الفحيص اكثر انفتاحا وتسييسا من جرش الذي شهد حملات مغرضة ضده في حين لم يشهد الفحيص نقدا بنفس الزخم

انتهى المهرجانان وأنفض القوم الراضون والغاضبون لكن المهرجانين نجحا واديا رسالتهما

وتعمدت أن لا اكتب عند انتهاء جرش وان انتظر ردود الفعل وقد كنت كتبت بداية وقبل انعقاد دورة مهرجان جرش وسط حملات مغرضة حاولت منع قيام المهرجان

، حين زرت عراب المهرجان وقائده أيمن سماوي،وجدته متفائلا مصرا على النجاح وقد أعد لدرسه جيداً وقرأ الواقع ومحصّه قبل أن يبدأ، فقد كان سماوي يعرف حجم التحديات وكمّ الرطانة الذي كان ينتظره، زرته لم يكن منفعلاً أو متوتراً نتاج الحملة التي واجهت إنعقاد الدورة ولم يعكس أي مواقف سلبية على فريقه، بل راح يدعوهم الى الإنجاز وقبول التحدي وإدراك الأهداف، وراهن على معطيات كان اختبرها ومضى ونجح المهرجان بدعم واضح من وزارة الثقافة ومن شخص وزيرها الدكتور مصطفى الرواشدة الذي قاد الوزارة بزخم جديد جرى التعبير عنه بإنجازات على ارض الواقع فالمهرجان بقي محافظاً على جوهره الوطني ولم يتجاوز أي خطوط يمكن أن يسبب تجاوزها استفزاز الجمهور الطبيعي.

واستطاعت تقاليد المهرجان وتوالي نشاطاته بسلاسة ورضى المشاركين، والجمهور أن تحدث فرقاً وان تبرز لتحمل هوية المهرجان وملامحه.

وكان لحضور الرئيس حسان و وزير الثقافة، الدكتور مصطفى الرواشدة، أثراً حيوياً وإشارات داعمة، أعطت العمل مصداقيته ودشنت طريقاً سالماً لتبقى مسارات جرش وممرات المهرجان مضاءة بالرغبة الوطنية في التواصل مع التاريخ واستحضاره والدفاع عنه.

نجح المهرجان وكنت تأخرت لأطلق هذه "الصفة" عليه بانتظار أن يُفرغ الجميع من أحمالهم... مدائحهم أو مكارههم من نقد وغيره لاستبين من ذلك ما أريده، وحين توفر ذلك ونظرت اليه بما تمثل من محتوى فيه فعل وردة فعل، ادركت أن المهرجان نجح وبأمتياز، وان النتائج كانت لصالحه وأن المحتفين والمشاركين الذين التقيت الكثير منهم غادروا وابتسامة الرضا على وجوههم والشكر للأردن أولى كلماتهم وفاز المهرجان وفريقه وإدارته ومديره الذي يستحق التكريم وفازت وزارة الثقافة كمظلة وراعية، حريصة وظلت حقيبتها محمولة تواصل الخدمة عبر التغيير الأخير الذي أصاب حكومة الرئيس جعفر حسان، وأصبح من الممكن الآن ترجمة الكثير من البرامج ذات الخطط المتوسطة والبعيدة، فقد ظلت مشكلتنا في الحكومات المتعاقبة سرعة قطف الأفكار وهي "حصرم" أو الاستعجال في التنظيم قبل أن تنضج الأشياء، وهذا أنسحب على الثقافة التي تكسر فها بطيخ كثير، لان التحميل والتنزيل كان يتم بشكل خاطئ الى أن أدرك الرواشدة ذلك وبدأ يهدئ من روع المستعجلين ويدعو الى زراعة البذور الثقافية بهدوء وعقلانية والعناية بها، لتثبت وتستوي على سوقها دون انفعال أو استعجال، لأن "المستعجل لا مسافة قطع ولا ظهراً أبقى"، وحقل الثقافة يحتاج دائماً الى حرث وتعشيب وسقاية وتعهد، وهذا ما يحدث الآن، عشية انعقاد معرض عمان الدولي للكتاب.

من جرش التي نجحت وحملت نسختها الى الأرشيف الى جانب النسخ الناجحة الأخرى التي رفعت مداميك المهرجان ليعلو، الى مهرجان الفحيص الذي استفاد من الخبرات السابقة ومن تجربة جرش، حيث وحّد المايسترو سماوي، التجربة وسقاها بالمزيد من الخبرة وحذر من تكرار الاخطاء، وراح يحصن مولوده الأخر، مهرجان الفحيص، الذي رأيناه يتجلى ايضاً ويخدم الرسالة والأهداف.

ورغم النقد الذي جاء من أطراف نستطيع أن نقول أنها حريصة فيما قالت، الاّ أن ذلك لم يفت من عزيمة الرجل ومن قناعاته التي ظل يؤكدها وهو يحمل عبء مهرجانين بجدارة دون تعب أو تناقض أو شكوى.

على الذين هاجموا جرش دون سند أو مبرر أن يعتذروا حتى يبقى الجهد خالصاً، وعلى محبي مهرجان الفحيص الذين أعطوا لينجح دون أن يكون نجاحه على حساب عمل آخر أن يدركوا أنهم قدموا أفضل ما عندهم، وان ما تحقق كان كافياً لمواصلة مهرجانات متتالية،

لم نخسّر شيئاً، ولكننا كسبنا معرفة أكثر بواقعنا وحاجة أكثر للعمل بصمت واخلاص دون ضجيج.