الدور الحزبي الغائب في التحديث السياسي
أثمرت عملية التحديث السياسي، التي كفل مخرجاتها جلالة الملك نفسه، عن إقرار منظومة تشريعية جديدة تمثلت بقانوني الأحزاب السياسية والانتخاب، والتي أسفر تطبيقها عن وصول شخصيات حزبية إلى سدة البرلمان الحالي وفوز أحزاب وطنية بثقة شعبية غير مسبوقة. ورغم ما قدمته الدولة الأردنية من نية حقيقية نحو السير قدماً في عملية الإصلاح السياسي، سعياً إلى تغيير آلية تشكيل الحكومات في الأردن، فإن الصورة الحقيقية تبدو أقل تفاؤلاً.
فالأحزاب الأردنية، رغم الفرصة التاريخية التي توفرت لها، لم تفلح حتى الآن في فرض نفسها كجهات وطنية مؤثرة في الحياة العامة، ولا في إقناع المواطن الأردني بأن هناك جدية في التحول من العمل الفردي والعشائري إلى العمل الحزبي البرامجي. فقد بقيت هذه المؤسسات الوطنية بعيدة عن الهمّ الشعبي، ولم ترقَ في طروحاتها وأسماء شخوصها إلى ما كانت الدولة الأردنية ترجوه وتتأمله، أو ما بناه المواطن الأردني من طموحات وأماني بأن القادم سيكون أفضل من الماضي.
إن التقييم العام للحياة السياسية الحزبية منذ انطلاق غمار التحديث السياسي أقل من المقبول على مستوى الأحزاب الأردنية. فالبعض منها انشغل في مناكفات سياسية داخلية نجم عنها فصل بعض أعضائه من النواب المنتخبين والطعن في هذه القرارات أمام القضاء الوطني، حيث وصلت العلاقة بين النواب الحاليين وأحزابهم إلى طريق مسدود لن تفلح أي محاولات ودّية أو تسويات سياسية في إعادتها إلى ما كانت عليه في السابق.
كما عجزت بعض الأحزاب الجديدة عن تحقيق أبسط متطلبات تأسيس الحزب السياسي كما قررها القانون، والمتمثلة في إيجاد موقع خاص وعنوان واضح لغايات التبليغ والتواصل، فاتخذت عناوين وهمية ومقرات غير مخصصة لها وحدها، فكان مصيرها الحل بقرار قضائي.
أما الحزب السياسي الأكبر في الساحة المحلية، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي، فقد انغمس في التطورات الأمنية التي شهدتها الساحة الأردنية، وفي جملة القرارات السيادية التي صدرت بحظر جماعة الإخوان المسلمين ومتابعة أموال الجماعة المحظورة ومدى علاقة القائمين على إدارة الحزب السياسي بهؤلاء الخارجين عن القانون. فحتى تاريخه، لا تزال الصورة قاتمة، وكافة الاحتمالات مطروحة على الطاولة بخصوص مصير هذا الحزب السياسي وبقائه أو عدمه، أو حتى مصير نوابه في مجلس النواب، الذين مثل عدد كبير منهم أمام النيابة العامة بتهم مختلفة، وجرى تحريك دعوى الحق العام بحق البعض منهم.
أما باقي الأحزاب السياسية الأخرى حديثة العهد، فقد حاولت جاهدة لملمة جراحها بعد أن عجزت عن تحقيق أمانيها في الوصول إلى البرلمان العشرين بأكبر عدد من الأعضاء. فقد قدمت نفسها على أنها القادرة على ملء الفراغ السياسي الحزبي، وبأن مسألة الوصول إلى قمة الإصلاح السياسي والدستوري، المتمثلة في تشكيل حكومات برلمانية، أصبحت أقرب من أي وقت مضى. غير أنها تفاجأت بالواقع الانتخابي، وبأنها بحاجة إلى فترة من الزمن لكي يشتد عودها وتترسخ قوتها على الساحة الوطنية المحلية.
وفي محاولة لتعزيز تواجدها السياسي، قامت بعض هذه الأحزاب الوطنية بالاندماج والائتلاف مع بعضها البعض، سعياً إلى إعادة ترتيب بيتها الداخلي وتحقيق بعض المكاسب السياسية، وفي مقدمتها مقاعد في المكتب الدائم واللجان النيابية في الدورات القادمة لمجلس النواب الحالي. إلا أن هذه الأحزاب المندمجة أو تلك التي نشأت من الدمج لم تحقق أي تغيير حقيقي على المشهد الوطني، فكانت الإيجابية الوحيدة هي تقليل عدد الأحزاب المسجلة لدى الهيئة المستقلة للانتخاب.
وفي خضم هذه الضبابية الحزبية على الساحة المحلية، تقدمت مجموعة من الشخصيات الوطنية الوازنة بطلبات لتأسيس أحزاب سياسية جديدة، طمعاً منها في ضبط إيقاع المشهد العام وسدّ الفجوة الحزبية. غير أن هذه الكيانات المستحدثة ستواجه صعوبات جمّة وظروفاً محلية وإقليمية استثنائية جعلت من "الحزبية والتحزّب" آخر هموم وتطلعات المواطن الأردني. فالأشخاص الذين يتراكضون لحضور احتفالات الإعلان عن تأسيس أحزاب جديدة أو حتى المؤتمرات العامة للأحزاب المسجلة هم ذاتهم، يلبّون الدعوات بصفة شخصية ويشعرون بإلزامية الحضور درءاً للإحراج الاجتماعي والمناطقي.
قد يتمسك البعض بأن الأحزاب الوطنية لم تُعطَ الفرصة الكافية لإثبات وجودها السياسي، وبأن مجلس النواب العشرين لم ينعقد منذ أشهر بعد فضّ الدورة العادية الأولى له منتصف شهر أيار الماضي. إلا أن الرد على هذه الادعاءات يكون بالتذكير بأن "الحزبية السياسية" لا تظهر فقط داخل أروقة المجلس النيابي وخلال الجلسات التشريعية والرقابية، بل إن البناء الحزبي هو منظومة متكاملة من الأفكار والبرامج التي تعكس رؤى حزبية نحو البناء والعمل العام. فالحكومة اليوم بأمسّ الحاجة إلى الدعم الفكري والبرامجي في قيادة ملفي الإصلاح الاقتصادي والإداري، إلا أن الأحزاب الحالية لم تكلف نفسها أن تعمل من جهتها على هذين الصعيدين، وأن تمدّ يد العون للسلطة التنفيذية لكي تسهم في إنجاح عملية التحديث بجوانبها الثلاثة كما يريدها جلالة الملك.
ويبقى هذا التقييم الأولي قابلاً للمراجعة وإعادة النظر في ضوء مجريات الأحداث خلال الأشهر القليلة القادمة. فالمواطن الأردني لا يزال ينظر بعين التفاؤل والترقب لما ستقدمه الأحزاب السياسية في السنوات القادمة من عمر المجلس الحالي. فهذه الكيانات السياسية يجب أن تُعطى الوقت الكافي لكي تتمكن من فهم المعادلة الوطنية وتبدأ بالعمل والإنجاز.
فالأحزاب الأردنية، رغم الفرصة التاريخية التي توفرت لها، لم تفلح حتى الآن في فرض نفسها كجهات وطنية مؤثرة في الحياة العامة، ولا في إقناع المواطن الأردني بأن هناك جدية في التحول من العمل الفردي والعشائري إلى العمل الحزبي البرامجي. فقد بقيت هذه المؤسسات الوطنية بعيدة عن الهمّ الشعبي، ولم ترقَ في طروحاتها وأسماء شخوصها إلى ما كانت الدولة الأردنية ترجوه وتتأمله، أو ما بناه المواطن الأردني من طموحات وأماني بأن القادم سيكون أفضل من الماضي.
إن التقييم العام للحياة السياسية الحزبية منذ انطلاق غمار التحديث السياسي أقل من المقبول على مستوى الأحزاب الأردنية. فالبعض منها انشغل في مناكفات سياسية داخلية نجم عنها فصل بعض أعضائه من النواب المنتخبين والطعن في هذه القرارات أمام القضاء الوطني، حيث وصلت العلاقة بين النواب الحاليين وأحزابهم إلى طريق مسدود لن تفلح أي محاولات ودّية أو تسويات سياسية في إعادتها إلى ما كانت عليه في السابق.
كما عجزت بعض الأحزاب الجديدة عن تحقيق أبسط متطلبات تأسيس الحزب السياسي كما قررها القانون، والمتمثلة في إيجاد موقع خاص وعنوان واضح لغايات التبليغ والتواصل، فاتخذت عناوين وهمية ومقرات غير مخصصة لها وحدها، فكان مصيرها الحل بقرار قضائي.
أما الحزب السياسي الأكبر في الساحة المحلية، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي، فقد انغمس في التطورات الأمنية التي شهدتها الساحة الأردنية، وفي جملة القرارات السيادية التي صدرت بحظر جماعة الإخوان المسلمين ومتابعة أموال الجماعة المحظورة ومدى علاقة القائمين على إدارة الحزب السياسي بهؤلاء الخارجين عن القانون. فحتى تاريخه، لا تزال الصورة قاتمة، وكافة الاحتمالات مطروحة على الطاولة بخصوص مصير هذا الحزب السياسي وبقائه أو عدمه، أو حتى مصير نوابه في مجلس النواب، الذين مثل عدد كبير منهم أمام النيابة العامة بتهم مختلفة، وجرى تحريك دعوى الحق العام بحق البعض منهم.
أما باقي الأحزاب السياسية الأخرى حديثة العهد، فقد حاولت جاهدة لملمة جراحها بعد أن عجزت عن تحقيق أمانيها في الوصول إلى البرلمان العشرين بأكبر عدد من الأعضاء. فقد قدمت نفسها على أنها القادرة على ملء الفراغ السياسي الحزبي، وبأن مسألة الوصول إلى قمة الإصلاح السياسي والدستوري، المتمثلة في تشكيل حكومات برلمانية، أصبحت أقرب من أي وقت مضى. غير أنها تفاجأت بالواقع الانتخابي، وبأنها بحاجة إلى فترة من الزمن لكي يشتد عودها وتترسخ قوتها على الساحة الوطنية المحلية.
وفي محاولة لتعزيز تواجدها السياسي، قامت بعض هذه الأحزاب الوطنية بالاندماج والائتلاف مع بعضها البعض، سعياً إلى إعادة ترتيب بيتها الداخلي وتحقيق بعض المكاسب السياسية، وفي مقدمتها مقاعد في المكتب الدائم واللجان النيابية في الدورات القادمة لمجلس النواب الحالي. إلا أن هذه الأحزاب المندمجة أو تلك التي نشأت من الدمج لم تحقق أي تغيير حقيقي على المشهد الوطني، فكانت الإيجابية الوحيدة هي تقليل عدد الأحزاب المسجلة لدى الهيئة المستقلة للانتخاب.
وفي خضم هذه الضبابية الحزبية على الساحة المحلية، تقدمت مجموعة من الشخصيات الوطنية الوازنة بطلبات لتأسيس أحزاب سياسية جديدة، طمعاً منها في ضبط إيقاع المشهد العام وسدّ الفجوة الحزبية. غير أن هذه الكيانات المستحدثة ستواجه صعوبات جمّة وظروفاً محلية وإقليمية استثنائية جعلت من "الحزبية والتحزّب" آخر هموم وتطلعات المواطن الأردني. فالأشخاص الذين يتراكضون لحضور احتفالات الإعلان عن تأسيس أحزاب جديدة أو حتى المؤتمرات العامة للأحزاب المسجلة هم ذاتهم، يلبّون الدعوات بصفة شخصية ويشعرون بإلزامية الحضور درءاً للإحراج الاجتماعي والمناطقي.
قد يتمسك البعض بأن الأحزاب الوطنية لم تُعطَ الفرصة الكافية لإثبات وجودها السياسي، وبأن مجلس النواب العشرين لم ينعقد منذ أشهر بعد فضّ الدورة العادية الأولى له منتصف شهر أيار الماضي. إلا أن الرد على هذه الادعاءات يكون بالتذكير بأن "الحزبية السياسية" لا تظهر فقط داخل أروقة المجلس النيابي وخلال الجلسات التشريعية والرقابية، بل إن البناء الحزبي هو منظومة متكاملة من الأفكار والبرامج التي تعكس رؤى حزبية نحو البناء والعمل العام. فالحكومة اليوم بأمسّ الحاجة إلى الدعم الفكري والبرامجي في قيادة ملفي الإصلاح الاقتصادي والإداري، إلا أن الأحزاب الحالية لم تكلف نفسها أن تعمل من جهتها على هذين الصعيدين، وأن تمدّ يد العون للسلطة التنفيذية لكي تسهم في إنجاح عملية التحديث بجوانبها الثلاثة كما يريدها جلالة الملك.
ويبقى هذا التقييم الأولي قابلاً للمراجعة وإعادة النظر في ضوء مجريات الأحداث خلال الأشهر القليلة القادمة. فالمواطن الأردني لا يزال ينظر بعين التفاؤل والترقب لما ستقدمه الأحزاب السياسية في السنوات القادمة من عمر المجلس الحالي. فهذه الكيانات السياسية يجب أن تُعطى الوقت الكافي لكي تتمكن من فهم المعادلة الوطنية وتبدأ بالعمل والإنجاز.