وجهات نظر

قمة ألاسكا .. تبريد الغرب وتسخين الشرق

قمة ألاسكا  ..  تبريد الغرب وتسخين الشرق

ما جرى في قمة ألاسكا هو محاولة تبريد الصراع الأوروبي ليصبح قابلا للحل، فسخونة فوهات المدافع على طول خطوط الاشتباك الروسية الأوكرانية، واللاءات الأوروبية التي تكابر في مواجهة الهزيمة أو على أقل تقدير عدم القدرة على دفع أوكرانيا لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا عسكريا، كلها تبقي النار مستعرة فإذا أضفنا موقف بوتين الصلب أمام الحلول التفاوضية، وانحياز ترامب شبه المعلن للجانب الروسي لقناعته أن لا حل عسكريا سيكون لصالح أوكرانيا والغرب، وأن على أوكرانيا أن توافق على مبدأ التنازل عن أراضٍ وتقبل بمبدأ تغيير الحدود، فبغير ذلك لن تنتهي هذه الحرب العبثية الاستنزافية من وجهة نظر ترامب، لذا نجد الفارق الكبير في بروتوكولات استقبال ترامب لزينيسكي في البيت الأبيض، والاستقبال التاريخي لبوتين في ألاسكا، وكأن حال لسان ترامب يقول نحن الأنداد والقادرون على حلحلة المشاكل الكبرى، في حين أوروبا تحاول أن تسترق السمع ولملمة أخبار هذا اللقاء بقلق وتوجّس ليس أكثر.

في السياسة الدولية لايمكن فصل النزاعات الكبرى عن بعضها البعض، فما جرى في ألاسكا البعيدة، يرتد صداه في إيران والساحل السوري وبالتأكيد في غزة وما يتعلق بسلاح حزب الله، فرغم فعالية أمريكا الواضحة في هذه الملفات الشرق أوسطية، فإن التأثير الروسي حاضر أيضا وإن كان بدراجات متباينة، فالقواعد الروسية في الساحل السوري تعد مسألة شائكة تحتاج إلى اتفاق جديد أو معالجة جذرية، وهذا لن يتم دون ثمن ما تقبضه روسيا في ملف آخر، وكذلك علاقة روسيا وتأثيرها على طهران، إضافة للجذور القوية بين روسيا والصين، ولا بد أن تكون تركيا حاضرة بشكل أو بآخر في بعض المنعطفات هذه، المسألة معقدة وشرايين هذه الملفات ترتبط بالشريان الأورطي للعالم الفاعل، فحتى إسرائيل تنظر بعين الترقب لما جرى في ألاسكا وما سيجري بعدها وتغرق في حسابات كثيرة قد تكون مثيرة للقلق.

تعي أوكرانيا ومن خلفها أوروبا أن الموقف الأمريكي حاسم، وأن أوروبا تُستنزف اقتصادياً وعسكرياً في هذه الحرب التي تذهب لصالح روسيا إن كان هذا الذهاب بطيئا ومكلفا، لكنه متحقق على الأرض ويبدو راسخا، لكن أوكرانيا/ أوروبا تريد أن تقلل حجم الخسارة قدر الإمكان، وأن ترفع صوت اللاءات عاليا، حتى لا تكون قمة ألاسكا مشابهة لمؤتمر مالطا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث قُسّم العالم بين المنتصرين، يومها كانت أوروبا الغربية والاتحاد السوفييتي الحلف المنتصر والمتناقض، وهو حلف انفضت عراه بعد هذه القسمة العظيمة، ودخلوا في حالة صدام حارة تارة وباردة تارة أخرى حتى يومنا هذا.

أين المسالة الشرقية من كل هذا اليوم؟ لاشك أن ما يجري هناك يرتد صداه هنا، لكن مازالت الخطوات هناك/ في المسألة الأوروبية بطيئة، فالصراع يتجاوز كونه صراع حدود وإثنيات، هي محاولة لإعادة رسم أوروبا، أي كما يتم الحديث عن وجه جديد للشرق الأوسط، فإن الحرب الأوكرانية حتى وإن وضعت أوزارها قريبا، لن تكون فيها أوروبا هي ذاتها ما قبل الحرب، وأقصد هنا موازين القوى والتحالفات الاقتصادية، واستقلالية القرار الأوروبي، حتى أن الاتحاد الأوروبي بدأ يتحول إلى مظلة شكلية وليس منظمة ذات سلطة جامعة ومؤثرة، يبدو أن العالم يتوجه للكتل الأصغر والأقل عددا، في ظل إفرازات العصر الجديد وتناقض المصالح الفردية للدول وتصادمها أحيانا.

نعم إن تبريد الجبهة الأوروبية ستتمضن اتفاقياتها وتفاهماتها ما ينتج عنها تسخينا شرق أوسطيا، يُسرع من وتيرة إنجاز بعض الملفات، وإنهاء أخرى كانت قد تعثرت، وسيكون لروسيا دورا في هذا التسخين، إما كثمن يُقبض هنا، أوتخلي عن ملف هنا من أجل ثمن يُقبض في الجبهة الأوكرانية/ الأوروبية، والسؤال الجوهري أين نحن العرب من كل هذا الذي يجري بعيدا وقريبا لكنه يخصنا؟.