سكرين شوت

الكورية أم التركية؟ ما الدراما الأكثر شعبية في الشرق الأوسط؟

الكورية أم التركية؟ ما الدراما الأكثر شعبية في الشرق الأوسط؟

للعلّم - وسط المنافسة الشرسة لمنصات البث الإلكتروني وسعيها الدؤوب لجذب المزيد من المشتركين، تشهد المنطقة العربية زخما كبيرا للأعمال الفنية التي يتم بثها من مختلف أنحاء العالم، مما يثير التساؤلات حول نوع الدراما التي باتت أكثر شعبية لدى المشاهد العربي.

خلال العقود الماضية، أُجريت مئات الدراسات حول تفضيلات الجمهور العربي، والتي أظهرت تغيراً مستمراً في الذوق العام، متأثراً بعوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية، مع بروز واضح لأعمال درامية أجنبية تفوقت في بعض الأحيان على الإنتاجات المحلية.

النجاح المذهل للدراما المكسيكية
كانت الدراما المكسيكية من أوائل أنواع الدراما الأجنبية التي اقتحمت البيوت العربية، لا سيما في أواخر التسعينيات. وتعود بدايات هذا الحضور إلى المسلسل المكسيكي "أنت أو لا أحد"، الذي قام نيقولا أبو سمح بترجمته إلى العربية بعد أن عثر عليه بالصدفة في مهرجان كان السينمائي، ليُعرض لاحقاً في لبنان عام 1992 محققاً نجاحاً هائلاً. الإعجاب بالمسلسل بلغ حد تسمية الأطفال بأسماء أبطاله "أنطونيو وراكيل"، وتمت دبلجة 11 مسلسلاً مكسيكياً وبرازيلياً في السنوات التالية.

السبب الرئيس لنجاح هذه الدراما كان انخفاض تكلفة استيرادها مقارنة بالإنتاجات المحلية، إضافة إلى التقارب الثقافي النسبي. وأكد الناقد المصري محمد عبد الخالق أن الدراما ليست مجرد ترفيه، بل وسيلة ثقافية تنقل الأفكار وتخضع للتهذيب بما يتناسب مع قيم المجتمعات المستقبِلة.

تصاعد دراما بوليوود
مع بداية الألفية، بدأت الأعمال الهندية تحل تدريجياً محل الدراما اللاتينية، بعدما بثت قنوات عربية مثل MBC وART مسلسلات هندية مدبلجة، لتنتشر شعبية هذه الأعمال لاحقاً مع انطلاق قنوات متخصصة مثل "Zee Alwan" و"MBC Bollywood". وتشير التقديرات إلى أن صناعة السينما الهندية بلغت قيمتها نحو 2.83 مليار دولار في عام 2019، ومن المتوقع أن تصل إلى 4.5 مليار دولار بحلول عام 2026.

رغم هذا النجاح، يلاحظ أن شعبية الدراما الهندية لا تتوزع بالتساوي، حيث تلقى اهتماماً كبيراً في الإمارات مثلاً بسبب كثافة الجالية الهندية، في حين أن أعمالاً مثل "بازار الماس" حققت شعبية عالية على نتفليكس في السعودية والإمارات.

ويرى الناقد السعودي أحمد العياد أن الدراما الهندية لا تزال تحتفظ بجمهور خاص لكنها تراجعت أمام هيمنة الأعمال الكورية والتركية، مضيفاً أن جودة الإنتاج الأجنبي أصبحت تحدياً كبيراً أمام الأعمال العربية. أما الناقد إيهاب التركي، فأشار إلى أن فئة المراهقين تميل أكثر نحو الأعمال السريعة الإيقاع والقصص الجديدة، وهو ما توفره الدراما الكورية والتركية.

الدراما التركية والكورية تتصدر
بحسب موقع "Turkiye Today"، أصبحت تركيا ثالث أكبر مُصدر للمسلسلات التلفزيونية في العالم، حيث ارتفع الطلب عليها بنسبة 184% بين عامي 2020 و2023، متفوقة على الدراما الكورية التي شهدت نمواً بنسبة 73%. وتصدرت المملكة العربية السعودية ومصر قوائم المشاهدات في الأعمال التركية.

يرجع هذا النجاح، وفقاً للناقد إيهاب التركي، إلى مسلسلات مثل "قيامة أرطغرال" التي جذبت ملايين المشاهدين عالمياً، ومسلسل "فاطمة" الذي ناقش قضايا نسوية. الدراما التركية جمعت بين القيم الشرقية والتقنيات الحديثة، مما جعلها محببة في المنطقة.

وأكد عبد الخالق أن الدراما التركية والكورية يمكن اعتبارهما من أنواع "دراما التسلية"، مشيراً إلى أن تركيا تشترك مع المجتمعات العربية في كثير من القيم والتقاليد.

أما الدراما الكورية، فقد كشفت دراسة لشركة Ampere Analysis أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث الشعبية على منصة نتفليكس بعد المحتوى الأمريكي. ونتيجة لذلك، التزمت نتفليكس باستثمار 2.5 مليار دولار في المحتوى الكوري حتى عام 2029.

وتشير نتائج دراسة شملت أكثر من 11.500 شخص في 8 دول، إلى أن الثقافة الكورية تثير فضول الجمهور، ما يدفعهم لاكتشاف جوانب مختلفة منها، مثل الطعام، والموضة، واللغة، وحتى السياحة. وقد تصدر مسلسل "عندما تمنحك الحياة ثمار اليوسفي" المرتبة السادسة عالمياً في مارس 2025، وحل في المركز الأول بـ13 دولة من بينها دول عربية.

تغيّر الذائقة وتأثير المحتوى الأجنبي
يرى أحمد العياد أن الدراما الكورية والتركية ساهمت في إعادة تشكيل الذائقة البصرية للمشاهد العربي، خاصة المراهقين والشباب. بينما يشير إيهاب التركي إلى أن الجمهور أصبح يبحث عن تجارب سردية مبتكرة بعيدة عن التكرار التقليدي، مما يتطلب من الدراما العربية التكيف مع هذه المتغيرات.

ويؤكد محمد عبد الخالق أن بإمكان الدراما الهندية العودة للمنافسة إذا اعتمدت على أفكار معاصرة كما فعلت في أفلامها مؤخراً، لكنه يرى أن الهند ابتعدت عن المنافسة أمام المد التركي والكوري.

الدراما الأوروبية: جودة لا تلقى تسويقاً كافياً
رغم أنها لا تحظى بشعبية كبرى مقارنة بالكورية أو التركية، فإن الدراما الأوروبية تظل خياراً مفضلاً للبعض بفضل تنوعها وجودة سردها. ويضرب إيهاب التركي أمثلة بأعمال مثل "Lupin" الفرنسي و"The Bridge" من السويد والدنمارك، التي تقدم حبكات معقدة ومحتوى إنسانياً عميقاً.

يرى التركي أن هذه الأعمال تستكشف قضايا مثل الهوية والصراعات الاجتماعية بشكل مختلف، لكنها تحتاج إلى جمهور يقدر أسلوبها الفني، وغالباً ما تغيب عن المنافسة بسبب ضعف التسويق.

أثر الدراما الأجنبية على المجتمع العربي
يرى الخبراء أن تأثير الدراما الأجنبية تجاوز الترفيه، ليصل إلى تغيير في مفاهيم العلاقات، وأنماط اللباس، والموسيقى، بل وحتى السياحة. فمسلسل "نور" التركي ساهم في إعادة تشكيل صورة العلاقات العائلية، ومسلسلات كورية مثل "Crash Landing on You" و"Squid Game" أثرت في الشباب العربي بشكل مباشر، لا سيما في مصر، حيث بدأ الجمهور يتوقع من الدراما المحلية محتوى أكثر تنوعاً وإبداعاً.

تحديات أمام الإنتاج العربي
يرى العياد أن التكيف مع هذا الواقع الجديد يتطلب تغييراً في طريقة التفكير الإنتاجي، والاهتمام بالكتابة وتطوير النصوص. أما إيهاب التركي، فينتقد غياب دراسات جدية لأذواق الشباب من قبل شركات الإنتاج العربية، مما يؤدي إلى فجوة بينها وبين جمهورها.

يؤكد أن التعاون مع المنصات العالمية أو إنتاج محتوى يعكس التنوع الثقافي العربي بطريقة جذابة، قد يمثل فرصة للعودة للمنافسة. ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة في ظل محدودية الاستثمار والدعم المؤسسي.