وجهات نظر

الهروب من حقيقة الهزيمة إلى افتراض عدو بديل

الهروب من حقيقة الهزيمة إلى افتراض عدو بديل


الذات الفردية والجمعية حين تسقط بفعل هزيمة مدوية، فإنها بحكم الطبيعة التكوينية لا تتقبل هذه الهزيمة وترفض الاعتراف بها، ولأنها حقيقة واقعة وواضحة للعيان ملء السمع والبصر، لدرجة يصعب إخفاؤها أو التستر عليها، فإن المهزوم والمتشبث بوهم النصر، ومن أجل الحفاظ على قليل من ماء الوجه وحفنة الأنصار المتبقية، يسعى بكل من بقي لديه من زيف وتزييف ومجافاة للحقيقة إلى اختراع عدو بديل، بعد أن استعصى عليه العدو الحقيقي، في محاولة يائسة لترحيل الهزيمة وإشغال جمهور المصفقين بالاشتباك مع العدو الافتراضي/ البديل، بعد الفشل الذريع في مواجهة ولجم العدو الحقيقي، وهذا مرتبط بالحالة النفسية للحركات التي تعتاش على حماسة البسطاء والمتلهفين لتحقيق منجز ما على عدو متمترس بالعدة والعتاد والدعم الخارجي اللامحدود، فيقبل هذا الجمهور باللاوعي بالتحول من العدو الحقيقي الصعب والقوي للأسباب السابقة، إلى عدو بديل قريب ويعتقد أنه أسهل وقادر على أن يحفظ له زخم التأييد والتمسك بحلم صار في غير المتناول ولو مرحليا.

هذا لا يعني أن العدو البديل هو عدو بشكل أو بآخر، بل غالبا ما يكون صديقا أو داعما لهذه الجهة التي تسعى إلى شيطنته وإقناع الناس بضديته، حتى لا يفكر بحجم وألم الهزيمة وفجاعتها عليها وعليهم، فتفقد هذه الجماعة شعبيتها وتخسر مؤيديها، وتصبح خارج سياق الحاضر وحسابات المستقبل القريب والبعيد، فتكون الخسارة ليست مرحلية وحسب بل قاسمة وقاضية، لذا فإن سياسة الترحيل لجمهور –المصدقين– والذين على أبصارهم غشاوة إلى عدو بديل أو أكثر، بقصد الإلهاء وصرف الأبصار عن واقع الهزيمة المر، الذي سيحول المصفقين والمهليين لهذه الجماعة في لحظة الإدراك إلى التنصل منهم ونبذهم، بل والسعي إلى عزلهم شعبيا ومحاسبتهم جماهيريا، وتحميلهم قسوة ما آلت إليه الأوضاع من خراب مفزع وخسائر يصعب تعويضها، وهزيمة بينة الملامح، وخسائر كبرى تمس جوهر القضية النضالية.

إن السعي لإقناع الموالين بالبديل أو البدلاء عن العدو الحقيقي، هو دليل على حالة إفلاس كبرى، وفقدان للبوصلة في زمن حرج، ومحاولة بائسة للبحث عن طوق نجاة شعبي ولو استدعى ذلك الادعاء أن اليد التي امتدت لتنتشلهم من غرق محتم هي اليد التي تدفعهم للغرق، في معركة جديدة لتزييف الوقائع، وتلفيق الذرائع، فقط حتى لا تعترف بالهزيمة التي لحقت بها، ليس فقط في ميدان المعركة بل في التأييد الشعبي العام، الذي بدأ منذ فترة ليست قصيرة بإدراك حقيقة ما يجري وتتكشف لديه حجم مساوئ ما جرى ويجري، وارتدادات هذا الأمر برمته على ما تحقق عبر سنوات طويلة من النضال، نعم قد يكون ما تحقق غير كاف ومنقوص، ولا يعبر عن الحق والمستحق، لكن نتائج ما حدث كارثي ليس على الصعيد الإنساني المفزع والمرعب واللإنساني على الإطلاق، وتدمير شامل للمدن والبنى التحتية، بل يتعداه إلى تراجع كبير في أي منجز سياسي سابق، وتنصل من أي عهد أو معاهدة، مما مكن العدو الحقيقي من تحقيق أكثر مما كان يسعى إليه.

لعل الخطوة الأساس في تغيير هذا الواقع الصعب والمدمر، تكون في ضرورة الاعتراف بما هو حاصل على الأرض، وما نتج عنه من مآلات قاسية، فلا يمكن أن تنتصر في أي مواجهة مستقبلية ما لم تعترف بالوضع الحقيقي الذي وصلت إليه، أما سياسة ترحيل الأزمات ولي عنق بوصلة الحقيقة، وحرف المسارات عن سككها الأصلية، من أجل محاولة البقاء مهما كان الثمن، والعمل على إنعاش الحالة الشعبية المتراجعة مهما تم من تزييف الوعي، وإلقاء التهم والمهاترات عبر خطابات مكشوفة النوايا ورديئة الصياغة وخطط يائسة، كل ذلك لن يوقف المياه عن التدفق داخل السفينة المعطوبة، فلا بد من لحظة الحقيقة، وصدق المكاشفة، ووضع الأمور في نصابها، فالناس الأبرياء والضحايا الأنقياء يستحقون الصدق والمصداقية، ورص الصفوف لا محاولة تشتيتها بالكذب والافتراء، وأن تصب كل الاتجاهات نحو عدو واحد، العدو الحقيقي.