وجهات نظر

الأردن لا يتحمّل وزر غزة .. ومن يتفادَى الخطيئة هم قادتها

الأردن لا يتحمّل وزر غزة ..  ومن يتفادَى الخطيئة هم قادتها

لا يمكن لعاقل أن يبرّر ما تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية من مجازر وحشية في غزة، تلك التي تخطّت كل الأعراف والقوانين الدولية، بل إنها فاقت التصوّر الإنساني في بشاعتها. نحن أمام نكبة جديدة لا تقلّ فداحة عن نكبة 1948، وعدوان يفتك بأبناء الشعب الفلسطيني وسط صمت دولي، وعجز إنساني، وغياب للضمير العالمي. لكن، هل يتحمّل الأردن وزر هذه الكارثة؟ الجواب القاطع: لا.

الأردن، الدولة التي دفعت من دمها واقتصادها واستقرارها ثمناً لمواقفها القومية والعروبية منذ عام النكبة وحتى اليوم، لا يجوز أن يُحمّل المسؤولية عن قرار لم يكن شريكًا فيه، ولم يُستشار بشأنه، ولم يُنسّق معه. فما جرى من دخول في مواجهة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، دون حسابات دقيقة للتبعات والمآلات، كان قراراً اتخذته فصائل المقاومة، وعلى رأسها "حماس"، وربما جاء ضمن حسابات إقليمية مرتبطة بمحاور خارجية، إيرانية أو غيرها، ظنّت أن اللحظة مواتية لإشعال جبهة الجنوب، ثم تركت غزة وحيدة في ميدان الموت والجوع والحصار.

من يتحمّل مأساة غزة هو من ورّطها في هذا المسار، وأطلق يد العدو ليبطش بها دون هوادة، ومن ظنّ أنه يستطيع اللعب بالنار، وتوظيف دماء المدنيين ورقة سياسية في بازار المحاور. أما الأردن، فقد بقي على ثوابته: يد تمتد بالعون، وصوت يعلو بالحق، وموقف لا يساوم على كرامة الإنسان الفلسطيني وحقوقه.

لماذا، إذًا، يخرج البعض – وهم قلّة – ليشكّكوا في مواقف الأردن؟ ولماذا هذا التجنّي على دولةٍ كانت وما زالت الحضن الدافئ للفلسطينيين، والرافعة السياسية لقضيتهم، والحائط الأول الذي وقف بوجه محاولات التصفية والتهميش؟!

الأردن لم يتاجر بالقضية، ولم يركب موجتها، بل ناصرها بالفعل لا بالشعارات، ودفع من اقتصاده وأمنه وسيادته، واحتضن اللاجئين، وحمى المقدسات، وواجه العالم دفاعاً عن القدس. وهو اليوم، كما كان دوماً، حاضر في كل محفل ينادي بالعدالة لفلسطين، ويدعم غزة رغم ضيق ذات اليد، ويعمل بصمت وكرامة بعيداً عن الضجيج والاستعراض.

من الظلم أن يُحمّل الأردن نتائج قرارات لم يتخذها، ولا يعلم دوافعها، ولا يرتضيها شكلاً ولا مضمونًا. كما أن من الإجحاف أن يُساوى من يقدّم العون، ويُفتح له بيته وحدوده ومستشفياته، بمن يتفرّج عن بُعد أو يخطط من وراء البحار.

لتكن الحقائق واضحة: من قاد غزة إلى هذه الكارثة يتحمّل مسؤولية ما جرى، ومن تخلّى عنها بعد اشتعال النار، هو شريك في الخطيئة. أما الأردن، فقد بقي كما عهدناه، صوت الضمير، وعنوان الكرامة، ودولة الأفعال لا الأقوال.