وجهات نظر

السكون السياسي والصخب غير المنتج

السكون السياسي والصخب غير المنتج

شاركت في حوار تلفزيوني مع النائب مازن القاضي، بثته قناة المملكة، عبر برنامج قبة البرلمان الذي يقدمه الزميل حمزة المعاني، وكان الحوار في الاساس يتناول بشكل عام اداء الكتل الحزبية في البرلمان، بعد تجربة الانتخابات الاخيرة.

فيما أشرت اليه ان الكتل البرلمانية ساكنة، وان هذا يعد جزءا من حالة السكون السياسي في الأردن، حتى على مستوى بقية المؤسسات مثل الأحزاب والاعلام والنقابات وحتى اداء النواب الذي لا يميل الى الحدة، في ظل تعقيدات الظرف الاقليمي، وحسابات الداخل الأردني التي تدفع نحو التهدئة والتسكين.

في كل الاحوال من الواضح ان هناك مؤشرات كثيرة تعزز عنوان التسكين السياسي في هذه الفترة، على اعتبار ان الأردن لا يحتمل مواجهات، ولا محاولات تصعيد من اي طرف، بسبب عاملين اشرت لهما، اولهما ما يجري حولنا في دول الاقليم، وهذه الحرائق في كل مكان، التي تفرض ادارة هادئة في الداخل الاردني، وثانيهما تجنب الاشعالات لأي سبب في الأردن على مستوى ملفاته الداخلية، بما يمنع توليد اي ضعف او هشاشة في وجه كل هذه العناوين القابلة للتطور.

لكن من جهة ثانية فإن ابرز هموم الأردنيين ترتبط بالجانب الاقتصادي، وليس بالتعبير السياسي من خلال المؤسسات المختلفة مثل النقابات او البرلمان او الاحزاب او الاعلام، وقد يبدو محبطا الامر بعض الشيء حين لا يكترث الناس عموما بتراجع الدور السياسي، في ظل انشداد الاغلبية الى همومهم الاقتصادية، والحاجة الى استرداد حيوية الاقتصاد، واستدامته بما يعود على الافراد بالنفع.

الرأي الشعبي العام يميل اصلا الى نقد كل القطاعات ويرى دورها غائبا، في الاعلام والنقابات والاحزاب والبرلمان، وهو في الوقت ذاته يرى ان استرداد هذه الادوار ليس هدفا، وللمفارقة لا ينتظر الناس هذا التغيير لاعتبارات تتعلق بعدم الثقة احيانا، او التشاغل باهتمامات ثانية، وخصوصا، الملف الاقتصادي، ومن اللافت للانتباه هنا وجود فصل بين دور المؤسسات السياسية، وتأثيره على الاقتصاد في المحصلة من باب الرقابة او التشريع او التوجيه او صناعة الاولويات، بما يعني ان هذا الفصل جاء نتاجا لتراكمات طويلة.

هناك فرق كبير بين إنتاج الصخب المتعمد في الداخل وبين ممارسة التأثير بوسائل دستورية وقانونية، فالمعيار هنا يجب ان يكون القدرة على التأثير على القرار، بما يعود لصالح الأردنيين، وليس مجرد الصخب والتصعيد دون نهايات منتجة، واذا تم استفتاء المواطنين لأجمعوا على ان منسوب الانجاز بمعيارهم يبدو منخفضا جدا، من جانب قطاعات حيوية، خصوصا، ان الفرد يقيس الانجاز من زاويته الشخصية، وليس من خلال الارقام الكلية مثلا، او العناوين العامة في الاردن.

السكون السياسي امر مهم، ودليل ادراك شعبي ونخبوي لوجود مخاطر ومهددات، لكنه يجب ألا يؤخر كثرة عن ممارسة دورهم المفترض، ما دامت النوايا حسنة، وما دام ذلك يجري وفقا للصلاحيات او المساحات المتاحة للافراد والمؤسسات.

نريد طريقا ثالثا بين السكون السياسي، والصخب غير المنتج، وهذا امر ممكن، خصوصا، اذا اتضحت ظروف الاقليم، بحيث يمكن ترتيب اوراق كثيرة.