وجهات نظر

طرف ثالث خاسر في المواجهة الإسرائيلية الإيرانية!

طرف ثالث خاسر في المواجهة الإسرائيلية الإيرانية!

تخرج الفنانة المصرية إلهام شاهين لتطمئننا على مصيرنا في خضمّ المواجهة الكبرى بين إسرائيل وإيران فتقول: "الحمد لله، إحنا العرب مالناش دخل". عبارة عابرة في مقابلة تلفزيونية، لكنها اختزلت ما هو أخطر من مجرد رأي فردي. لقد عبّرت ببرود مذهل عن تيار عربي واسع يرى في نفسه متفرجاً محايداً، في معركة تتقاطع مع أمنه ومصيره وموقعه في خارطة القوى.

ستهدأ أصوات الطائرات والصواريخ، ويخفت ضجيج الحرب بين إسرائيل وإيران، إن غداً أو بعد أسابيع. وحين ينقشع غبار المعارك، يبدأ المؤرخون مهمتهم. سيعودون إلى ما جرى بين خريف 2023 وصيف 2025، ويفككون مشهداً معقداً من المواجهات: حرب غزة التي لم تتوقف، الوعد الصادق، الاختراقات الإسرائيلية، الصواريخ الفرط صوتية، الاغتيالات الدقيقة، القنابل العملاقة، الحرب السيبرانية، وحروب الظل التي لم تعد في الظل.

سيتحلّى القادة العسكريون والمخططون الاستراتيجيون في واشنطن وتل أبيب وباريس وربما طهران، بالهدوء التحليلي، يراجعون تفاصيل الحرب، ويصيغون دروسها. ستُكتب نظريات جديدة في الاستخبارات والردع والهجمات المعقدة. ستُبنى مراكز دراسات وتُعدّ تقارير استخبارية لأعوام مقبلة.

لكن، ماذا عن العواصم العربية؟

لقد غرقنا في طوفان التحليلات العاطفية، والقراءات المتباينة التي أنتجها المحللون والهواة ومشاغبو المنصات. أما الجمهور، فقد لجأ مجدداً إلى رفوف الأرشيف العاطفي، بين من اجترّ دعاء "اللهم اشغل الظالمين بالظالمين"، ومن لعن العملاء والخونة، ومن توهّم أن النأي بالنفس موقف كافٍ لحماية الذات.

ما لم يُقل في هذه المواجهة هو الأهم. وما غاب عن الخطابات الرسمية والتحليلات الرغبوية، هو الانكشاف العربي الشامل، أمنياً وعسكرياً وسردياً.

من الواضح أن المسألة لم تكن غزة أو حزب الله فقط، بل معركة على الردع الإقليمي. والسؤال القاسي: أين هي مشاريع الردع العربي؟ أين الصناعات العسكرية المستقلة؟ أين المشاريع السيادية التي تُراكم قوة حقيقية؟.

الطرف الثالث الذي خسر بالفعل ليس إيران ولا إسرائيل، بل المنظومة العربية مجتمعة. لم تُختبر أسس الردع العربي لأنها ببساطة غير موجودة، ولم تُستعمل أدوات التأثير العربي لأنها لم تُبنَ أصلًا. لقد كُشف الغطاء عن فراغ كبير في العمق الاستراتيجي العربي، وعن وهم طويل اسمه "التحصين بالجغرافيا" أو "النأي بالنفس".

قد تنتصر إسرائيل، وقد تنتصر إيران، وقد لا ينتصر أحد. لكن المؤكد أن نظام الأمن العربي، بمنظومته الرسمية والشعبية، قد هُزم دون أن يخوض المعركة.

حين تنقشع سحب المعارك، سيجلس القادة العسكريون العرب في محاولة لفهم ما حصل؛ تفجيرات البيجر في الضاحية الجنوبية، المسيرات من إيران إلى الداخل الإيراني وتصفية أهم القادة في دقائق، اغتيال قيادات إيرانية داخل سوريا ولبنان، الهجوم السيبراني على مطار مشهد ومراكز الطاقة الإيرانية، تسلل إسرائيلي إلكتروني إلى شبكات الاتصالات اللبنانية والسورية، ضربة السفن في بحر العرب، رد إيران بوابل من الصواريخ نحو إسرائيل.. الخ وحينها فقط، ربما يدركون أن اختراق المنظومة الأمنية والاستخباراتية العربية كان أيسر بكثير مما كنا نعتقد. وأن ما خفي من هجمات واختراقات وتلاعبات في الفضاء السيبراني والاجتماعي والأمني، أخطر بكثير مما تم الإعلان عنه.

من يظن أن صواريخ الحوثي كانت فقط دعماً لغزة، يخطئ في فهم الرسائل. لقد كانت رسالة موجهة للخليج والعرب عموماً؛ هذه الصواريخ يمكن إعادة توجيهها. إيران أيضاً توجه رسائل، وكذلك تفعل إسرائيل. أما العرب، فما الرسالة التي يحملونها؟ ما الذي لدينا لنقوله عن أمننا، سوى انتظار التحالفات الخارجية؟

نحن أمام مسألة ينبغي دراستها بعمق. فشل في بناء مشروع، وفي إنتاج قوة، وفي صياغة خطاب، وفي توجيه الموارد نحو التمكين بدل الاستهلاك. إنه فشل مجتمعي قبل أن يكون فشل المنظومة العربية.

لقد آن الأوان أن يدرك العرب أن الجغرافيا لم تعد كافية، وأن الحياد الهش لا يبني أماناً، وأن العلاقات العامة الدولية لا تصنع ردعاً. ما جرى قد يتكرر، لكن ربما هذه المرة يكون مسرح العمليات على ألاراضي العربية.

وإلى أن نمتلك مشروعاً يوازي مشاريع الآخرين، فلنتمسّك بالأردن، بمشاريعه النهضوية والتنموية، ونحمي حدود المنعة، لأننا الطرف الوحيد الذي لا يملك رفاهية التجربة ولا ترف الوقوف في الصفوف الخلفية، بينما تُرسم خرائط النار من حولنا.