وجهات نظر

صوت الطفولة صرخة في وجه العبودية

صوت الطفولة صرخة في وجه العبودية

يحتشد العالم في الثاني عشر من شهر يونيو حول ذكرى لا ينبغي أن تمر بصمت اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال وهي ليس احتفالًا، بل وقفة ضمير واستيقاظ من الغفلة. ومساعدة ملايين من الأطفال المعتدى على طفولتهم، ومناسبة لتسليط الضوء على واقعٍ موجع، يعكس العنف الهادئ الذي يعيشه هؤلاء الأطفال ويحرم ملايين الأطفال من أبسط حقوقهم.

صور إنسانية من الواقع

في الأسواق القديمة، تجد طفلاً يحمل أثقالًا تفوق عمره. تنحني أجساد طرية فوق آلات قاسية. على الطرقات، يمد الأطفال أيديهم لا ليلعبوا، بل ليبيعوا، ليعيشوا. وفي الحقول تتلطخ أياديهم الصغيرة بالتراب لا حبًا بالطبيعة، بل تحت وطأة الفقر.

إنها واقع لطفلٌ فقد مدرسته، لعبه، وحتى مستقبله.

هؤلاء ليسوا مجازًا أدبيًا. إنهم الحقيقة التي نحاول أحيانًا غض البصر عنها، إما يأسًا أو انشغالا أو اهمالا. ومع كل يدٍ صغيرةٍ تُستغل، هناك ضوء يُطفأ في روح إنسان كان يمكن أن يصبح معلمًا، طبيبًا، شاعرًا، أو حتى مجرد طفل سعيد.

دور الأدب في مواجهة القسوة

لا شيء أصدق من الكلمة حين تُقال بضمير، لقد حمل الأدب على عاتقه منذ قرون الدفاع عن المظلوم، وكان الطفل العامل إحدى أكثر الصور حضورًا في الروايات والقصائد. ففي رواية » أوليفر تويست» لتشارلز ديكنز، نجد نموذجًا حيًا للطفل المستغل، ضائعًا بين شوارع لندن وظلم الكبار.

أما في العالم العربي، فقد رسمت قصائد مثل قصيدة نزار قباني » رسالة إلى طفلٍ لم يولد بعد » أملًا بألا يُولد طفل آخر إلى عالم فيه الطفولة عبء.

على الأدب ألا يكتفي بالتشريح، بل عليه أن يصرخ، يُسئل، ويُحرض على التغيير. أن يكون الحبر طريقًا للعدالة.

ما هو السن المفروض ألا يعمل فيه الأطفال؟

بحسب منظمة العمل الدولية (ILO)، فإن السن الأدنى للعمل يجب ألا يقل عن 15 عامًا في الأعمال غير الخطرة ويجوز تخفيضه ل14 عام في الدول الأقل نموًا، شرط ضمان التعليم. أما في الأعمال الخطرة، مثل العمل في المصانع أو مواقع البناء أو المناجم، او الحفر فيجب ألا يقل الحد الأدنى عن 18 عامًا.

هذه المعايير لا تهدف فقط إلى حماية الجسد، بل الروح والعقل أيضًا. فالعمل المبكر يحرم الطفل من التعليم، من اللعب، من الحلم.

عمالة الأطفال صرخة صامتة

الأبحاث تؤكد أن الأطفال العاملين معرضون لمشاكل نفسية طويلة وكثيرة، ترى الصحة النفسية في عمل الأطفال خطرًا غير مرئي. وأن الطفل العامل يعيش في بيئة تتطلب منه أن يكون » كبيرًا » قبل الأوان، فيتعرض لـ:

- القلق المزمن وانعدام الثقة بالنفس بسبب انفصالهم عن اقرانهم بالمدرسة نتيجة الضغط والإجهاد، الاكتئاب بسبب الحرمان والشعور بالظلم.

- نقص تقدير الذات، إذ يرى أقرانه يذهبون إلى المدرسة، بينما يذهب هو إلى المعاناة مما يهدد مستقبلهم.

- الاستغلال الجسدي أو الجنسي في بعض الحالات، ما يترك آثارًا دائمة. الدراسات اثبتت ان هناك 160 مليون طفل عامل عالميًّا (1 من أصل كل 10) من بينهم 79 مليون يعملون في ظروف خطرة تحرمهم الصحة والتعليم. المرتفع في دول إفريقيا والشرق الأوسط بسبب الفقر والحروب لاحظته اليونيسف.

الطفولة هي مرحلة بناء الهوية. فإذا هُدمت في سن مبكرة، فما الذي سيُبنى بعدها؟ كيف نواجه هذه الظاهرة إنسانيًا وأدبيًا؟

الوعي المجتمعي

يجب أن نتوقف عن رؤية الطفل العامل كـ» رجل صغير » لا، إنه ضحية. ولا يجوز أن نستأنس بمشهد بائع متجول عمره عشر سنوات.

دور الأدباء والمثقفين

أن يجعلوا من القضية موضوعًا دائمًا في أعمالهم، أن يكتبوا من أجل هؤلاء الذين لا صوت لهم.

المدارس والبرامج التعليمية

يجب أن تحتضن الأطفال المعرضين للخطر، وتوفر لهم بديلاً حقيقيًا عن الشارع.

القوانين

يجب أن تكون أكثر صرامة، لا فقط في التشريع، بل في التنفيذ.

المجتمع المدني

الجمعيات والمبادرات الإنسانية يجب أن تعمل على حماية الأطفال، لا بتوفير الطعام فقط، بل التعليم والدعم النفسي.

اعتقد أنه حين يعمل الطفل، فهذا يعني فشل النظام الإنساني في العالم كله. حين تُستبدل دفاتر المدرسة بمطارق، تُكسر أرواح لا تُرمم. فلنرفع الصوت في هذا اليوم، لا مرة في العام، بل كل يوم، لأن كل لحظة من الطفولة تُسرق، تُبعدنا أكثر عن الإنسانية التي ندعيها.

دعونا لا نكتفي بالبكاء على الصور، بل نغيّر الواقع الذي خلقها. لأن الطفولة ليست ترفًا، بل حق مقدس يجب الإفاقة عليه كل يوم.