تُعتبر المالية العامة الركيزة التي يقوم عليها أي اقتصاد، فهي المرآة التي تعكس قوة الدولة وقدرتها على إدارة مواردها وتلبية احتياجات مواطنيها. وفي الأردن ظل ملف المالية العامة من أكثر الملفات إلحاحاً وتعقيداً خلال العقود الماضية، إذ تراكمت فيه الاختلالات وتداخلت العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتجعل منه التحدي الأكبر أمام أي إصلاح اقتصادي.
جوهر المشكلة يتمثل في الفجوة المزمنة بين الإيرادات والنفقات، وهي فجوة تتحول كل عام إلى عجز في الموازنة يتم سداده عبر الاقتراض الداخلي والخارجي.
ومع تراكم العجز ارتفعت المديونية العامة إلى مستويات مقلقة، وأصبحت كلفة خدمتها تستهلك نسبة كبيرة من الموازنة العامة، بحيث ضاقت المساحة المتاحة أمام الحكومة للإنفاق التنموي أو الاستثمار في مشاريع جديدة.
الأخطر من ذلك أن جانباً كبيراً من الاقتراض لا يوجه إلى الاستثمار أو المشاريع الرأسمالية، بل إلى تغطية النفقات الجارية مثل الرواتب والتقاعد وخدمة الدين. وهذا ما يدخل الاقتصاد في دائرة مغلقة: العجز يولّد اقتراضاً جديداً، والمديونية المرتفعة تستهلك الموارد، وضعف النمو يحد من قدرة الحكومة على زيادة الإيرادات. وبهذا يصبح الاقتصاد أسير مديونيته، غير قادر على التحرر من تبعاتها دون إصلاحات جذرية.
الأردن شهد في مراحل مختلفة قرارات حكومية كان لها أثر كبير في مفاقمة الأوضاع المالية، حتى وإن جاءت هذه القرارات نتيجة ضغوط سياسية واجتماعية. وقف تعويم أسعار المحروقات عامي 2011 و2012 مثلاً أدى إلى تراكم عجز كبير، فيما ساهم تثبيت تعرفة الكهرباء رغم ارتفاع كلفة التوليد بعد انقطاع الغاز المصري في رفع مديونية شركة الكهرباء الوطنية إلى نحو ستة مليارات دينار. كما أن وقف سياسة دعم الخبز المشروطة بمقابل نقدي رفع الإنفاق على هذا البند إلى مستويات يصعب تحملها. وإلى جانب ذلك أدى استمرار الإعفاءات الطبية دون تنظيم إلى تضخم الإنفاق الصحي إلى أكثر من 350 مليون دينار، بينما سمح التأخر في تطبيق نظام الفوترة باستمرار التهرب الضريبي وفقدان الخزينة لمبالغ كبيرة كان من الممكن أن تخفف الضغط على الموازنة.
تتعمق المشكلة أيضاً بسبب القيود التي تفرضها بعض برامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي، حيث تحد هذه البرامج من قدرة الحكومة على استخدام أدوات السياسة المالية بحرية في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، بينما تبقى السياسة النقدية محدودة الأدوات. هذا الوضع جعل السياسات الاقتصادية تبدو في بعض الأحيان متناقضة مع متطلبات الدورة الاقتصادية. كما أن طريقة إعداد الموازنة وعدم الالتزام بالإنفاق ضمن السقوف المقررة أدى إلى تراكم مستحقات غير مدفوعة، تتحول فعلياً إلى مديونية جديدة بين الحكومة والقطاع الخاص أو بين المؤسسات الحكومية نفسها، ما يقلل من شفافية الموازنة ويشوّه الأرقام الحقيقية للعجز.
على الرغم من كل المؤشرات الاقتصادية الايجابية مؤخراً، إلا أن هذه التحديات تكشف أن أزمة المالية العامة في الأردن ليست مجرد مشكلة أرقام، بل هي نتاج تراكمات من السياسات والقرارات والظروف، ما يجعل معالجتها عملية معقدة تتطلب حلولاً متكاملة. والاعتراف بحجم المشكلة هو الخطوة الأولى نحو بناء استراتيجية وطنية حقيقية للإصلاح، قادرة على إعادة التوازن للمالية العامة ووضع الاقتصاد على مسار النمو المستدام. فالمسألة لم تعد تحتمل مزيداً من التأجيل، إذ أن استمرار الأوضاع على حالها يعني المزيد من الأعباء على الأجيال المقبلة وتراجع قدرة الدولة على تلبية احتياجات مواطنيها.
تُعتبر المالية العامة الركيزة التي يقوم عليها أي اقتصاد، فهي المرآة التي تعكس قوة الدولة وقدرتها على إدارة مواردها وتلبية احتياجات مواطنيها. وفي الأردن ظل ملف المالية العامة من أكثر الملفات إلحاحاً وتعقيداً خلال العقود الماضية، إذ تراكمت فيه الاختلالات وتداخلت العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتجعل منه التحدي الأكبر أمام أي إصلاح اقتصادي.
جوهر المشكلة يتمثل في الفجوة المزمنة بين الإيرادات والنفقات، وهي فجوة تتحول كل عام إلى عجز في الموازنة يتم سداده عبر الاقتراض الداخلي والخارجي.
ومع تراكم العجز ارتفعت المديونية العامة إلى مستويات مقلقة، وأصبحت كلفة خدمتها تستهلك نسبة كبيرة من الموازنة العامة، بحيث ضاقت المساحة المتاحة أمام الحكومة للإنفاق التنموي أو الاستثمار في مشاريع جديدة.
الأخطر من ذلك أن جانباً كبيراً من الاقتراض لا يوجه إلى الاستثمار أو المشاريع الرأسمالية، بل إلى تغطية النفقات الجارية مثل الرواتب والتقاعد وخدمة الدين. وهذا ما يدخل الاقتصاد في دائرة مغلقة: العجز يولّد اقتراضاً جديداً، والمديونية المرتفعة تستهلك الموارد، وضعف النمو يحد من قدرة الحكومة على زيادة الإيرادات. وبهذا يصبح الاقتصاد أسير مديونيته، غير قادر على التحرر من تبعاتها دون إصلاحات جذرية.
الأردن شهد في مراحل مختلفة قرارات حكومية كان لها أثر كبير في مفاقمة الأوضاع المالية، حتى وإن جاءت هذه القرارات نتيجة ضغوط سياسية واجتماعية. وقف تعويم أسعار المحروقات عامي 2011 و2012 مثلاً أدى إلى تراكم عجز كبير، فيما ساهم تثبيت تعرفة الكهرباء رغم ارتفاع كلفة التوليد بعد انقطاع الغاز المصري في رفع مديونية شركة الكهرباء الوطنية إلى نحو ستة مليارات دينار. كما أن وقف سياسة دعم الخبز المشروطة بمقابل نقدي رفع الإنفاق على هذا البند إلى مستويات يصعب تحملها. وإلى جانب ذلك أدى استمرار الإعفاءات الطبية دون تنظيم إلى تضخم الإنفاق الصحي إلى أكثر من 350 مليون دينار، بينما سمح التأخر في تطبيق نظام الفوترة باستمرار التهرب الضريبي وفقدان الخزينة لمبالغ كبيرة كان من الممكن أن تخفف الضغط على الموازنة.
تتعمق المشكلة أيضاً بسبب القيود التي تفرضها بعض برامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي، حيث تحد هذه البرامج من قدرة الحكومة على استخدام أدوات السياسة المالية بحرية في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، بينما تبقى السياسة النقدية محدودة الأدوات. هذا الوضع جعل السياسات الاقتصادية تبدو في بعض الأحيان متناقضة مع متطلبات الدورة الاقتصادية. كما أن طريقة إعداد الموازنة وعدم الالتزام بالإنفاق ضمن السقوف المقررة أدى إلى تراكم مستحقات غير مدفوعة، تتحول فعلياً إلى مديونية جديدة بين الحكومة والقطاع الخاص أو بين المؤسسات الحكومية نفسها، ما يقلل من شفافية الموازنة ويشوّه الأرقام الحقيقية للعجز.
على الرغم من كل المؤشرات الاقتصادية الايجابية مؤخراً، إلا أن هذه التحديات تكشف أن أزمة المالية العامة في الأردن ليست مجرد مشكلة أرقام، بل هي نتاج تراكمات من السياسات والقرارات والظروف، ما يجعل معالجتها عملية معقدة تتطلب حلولاً متكاملة. والاعتراف بحجم المشكلة هو الخطوة الأولى نحو بناء استراتيجية وطنية حقيقية للإصلاح، قادرة على إعادة التوازن للمالية العامة ووضع الاقتصاد على مسار النمو المستدام. فالمسألة لم تعد تحتمل مزيداً من التأجيل، إذ أن استمرار الأوضاع على حالها يعني المزيد من الأعباء على الأجيال المقبلة وتراجع قدرة الدولة على تلبية احتياجات مواطنيها.
تُعتبر المالية العامة الركيزة التي يقوم عليها أي اقتصاد، فهي المرآة التي تعكس قوة الدولة وقدرتها على إدارة مواردها وتلبية احتياجات مواطنيها. وفي الأردن ظل ملف المالية العامة من أكثر الملفات إلحاحاً وتعقيداً خلال العقود الماضية، إذ تراكمت فيه الاختلالات وتداخلت العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتجعل منه التحدي الأكبر أمام أي إصلاح اقتصادي.
جوهر المشكلة يتمثل في الفجوة المزمنة بين الإيرادات والنفقات، وهي فجوة تتحول كل عام إلى عجز في الموازنة يتم سداده عبر الاقتراض الداخلي والخارجي.
ومع تراكم العجز ارتفعت المديونية العامة إلى مستويات مقلقة، وأصبحت كلفة خدمتها تستهلك نسبة كبيرة من الموازنة العامة، بحيث ضاقت المساحة المتاحة أمام الحكومة للإنفاق التنموي أو الاستثمار في مشاريع جديدة.
الأخطر من ذلك أن جانباً كبيراً من الاقتراض لا يوجه إلى الاستثمار أو المشاريع الرأسمالية، بل إلى تغطية النفقات الجارية مثل الرواتب والتقاعد وخدمة الدين. وهذا ما يدخل الاقتصاد في دائرة مغلقة: العجز يولّد اقتراضاً جديداً، والمديونية المرتفعة تستهلك الموارد، وضعف النمو يحد من قدرة الحكومة على زيادة الإيرادات. وبهذا يصبح الاقتصاد أسير مديونيته، غير قادر على التحرر من تبعاتها دون إصلاحات جذرية.
الأردن شهد في مراحل مختلفة قرارات حكومية كان لها أثر كبير في مفاقمة الأوضاع المالية، حتى وإن جاءت هذه القرارات نتيجة ضغوط سياسية واجتماعية. وقف تعويم أسعار المحروقات عامي 2011 و2012 مثلاً أدى إلى تراكم عجز كبير، فيما ساهم تثبيت تعرفة الكهرباء رغم ارتفاع كلفة التوليد بعد انقطاع الغاز المصري في رفع مديونية شركة الكهرباء الوطنية إلى نحو ستة مليارات دينار. كما أن وقف سياسة دعم الخبز المشروطة بمقابل نقدي رفع الإنفاق على هذا البند إلى مستويات يصعب تحملها. وإلى جانب ذلك أدى استمرار الإعفاءات الطبية دون تنظيم إلى تضخم الإنفاق الصحي إلى أكثر من 350 مليون دينار، بينما سمح التأخر في تطبيق نظام الفوترة باستمرار التهرب الضريبي وفقدان الخزينة لمبالغ كبيرة كان من الممكن أن تخفف الضغط على الموازنة.
تتعمق المشكلة أيضاً بسبب القيود التي تفرضها بعض برامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي، حيث تحد هذه البرامج من قدرة الحكومة على استخدام أدوات السياسة المالية بحرية في مواجهة التباطؤ الاقتصادي، بينما تبقى السياسة النقدية محدودة الأدوات. هذا الوضع جعل السياسات الاقتصادية تبدو في بعض الأحيان متناقضة مع متطلبات الدورة الاقتصادية. كما أن طريقة إعداد الموازنة وعدم الالتزام بالإنفاق ضمن السقوف المقررة أدى إلى تراكم مستحقات غير مدفوعة، تتحول فعلياً إلى مديونية جديدة بين الحكومة والقطاع الخاص أو بين المؤسسات الحكومية نفسها، ما يقلل من شفافية الموازنة ويشوّه الأرقام الحقيقية للعجز.
على الرغم من كل المؤشرات الاقتصادية الايجابية مؤخراً، إلا أن هذه التحديات تكشف أن أزمة المالية العامة في الأردن ليست مجرد مشكلة أرقام، بل هي نتاج تراكمات من السياسات والقرارات والظروف، ما يجعل معالجتها عملية معقدة تتطلب حلولاً متكاملة. والاعتراف بحجم المشكلة هو الخطوة الأولى نحو بناء استراتيجية وطنية حقيقية للإصلاح، قادرة على إعادة التوازن للمالية العامة ووضع الاقتصاد على مسار النمو المستدام. فالمسألة لم تعد تحتمل مزيداً من التأجيل، إذ أن استمرار الأوضاع على حالها يعني المزيد من الأعباء على الأجيال المقبلة وتراجع قدرة الدولة على تلبية احتياجات مواطنيها.
التعليقات
استراتيجية وطنية لمعالجة مشاكل المالية العامة (1-2)
التعليقات