تكتسب قمة منظمة شنغهاي الأخيرة أهمية استثنائية في رسم ملامح نظام عالمي جديد، فمشاركة الهند إلى جانب الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى لم تكن مجرد بروتوكول، بل إعلانًا صريحًا، على ما يبدو، عن نهاية مرحلة وولادة أخرى، حيث يتراجع مركز الثقل عن الغرب ليتموضع شيئًا فشيئًا في الشرق.
ما تكشفه قمة شنغهاي أن محاولات واشنطن لاحتواء خصومها عبر العقوبات الجمركية والمالية جاءت بنتائج عكسية، العقوبات الأمريكية على الهند سرّعت من تقاربها مع الصين، مثلما دفعت العقوبات على روسيا إلى ثوثيق تحالفها مع بكين.
وهكذا يتبلور أمام أعيننا مشروع' الجنوب العالمي' كفضاء يطمح إلى التحرر من هيمنة الدولار وبناء شبكات بديلة للتجارة والطاقة والبنية التحتية.
في المقابل، يبدو العالم العربي غارقًا في معادلة معكوسة، إذ راهن طويلا على التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره ضمانة للأمن والاستقرار، لكن الواقع يثبت عكس ذلك.
الأمس فقط ،حين قصفت إسرائيل دولة قطر، ظهر بوضوح أن المظلة الأمريكية لا تمنع الحليف العربي من أن يكون هدفًا لاعتداء مباشر، فبينما تتشكل في آسيا وأوراسيا تحالفات جديدة تبنى على قاعدة المصالح المتبادلة، يبقى العرب أسرى تحالفات غير متكافئة، حيث لا حماية ولا استقلالية، بل مزيد من التبعية والتعرض للانكشاف.
في خضم هذا التحول، يطرح سؤال محوري نفسه: أين يقف العرب من هذه المعادلة؟
العالم العربي الذي يملك اليوم مقومات تمكنه من ان يكون في قلب التحولات العالمية، من موقع جيوسياسي يربط القارات، واحتياطات نفط وغاز هي الأكبر عالميًا، وسوق بشري ضخم يتجاوز 400 مليون نسمة، اضافة لفرصة سكانية شبابية هائلة، ومع ذلك يغيب العرب كمجموعة وازنة عن محافل تعيد تشكيل موازين القوى، لا حضور منظم في منظمة شنغهاي الاخيرة، ولا مشروع جماعي لمواجهة التبعية الاقتصادية أو الدفاعية، ولا حضور فاعل لجامعتهم، ولا حتى مواقف موحدة جريئة تجاه قضايا الأمة.
التجربة الآسيوية تحمل للأمة دروسًا واضحة، القوة تبنى بالتحالفات المرنة على أساس المصالح المتبادلة، لا على الولاءات الأيديولوجية الضيقة، والاقتصاد والتكنولوجيا والبنية التحتية هي أدوات النفوذ الأكثر تأثيرًا اليوم.
وهنا يتقاطع الواقع العربي مع صاحب كتاب الايدولوجيا العربية المعاصرة، الذي يؤكد أن الأيديولوجيا وحدها لا تصنع القوة، وأن العقل التاريخي والنقد الذاتي ضروريان لفهم السياق السياسي المعاصر، وتجاوز الخلافات القديمة لصالح بناء تحالفات استراتيجية جديدة ، كما رأينا في الهند والصين أو الصين واليابان رغم تناقضاتهما، تستمر المصالح الاقتصادية والثقافية رغم أصوات الماضي العدائية، بحيث يثبت الاقتصاد يوما بعد يوم أنه أداة النفوذ الأقوى في عالم يتشكل من جديد.
علمتنا قمة شنغهاي أن الدبلوماسية الكبرى تبنى على منع الخصوم من تكوين تحالفات مضادة، وأن الاقتصاد يمكن أن يكون جسرًا حتى بين الخصوم، أما عندنا في العالم العربي، فلا شيء من هذا، تحالفات سياسية مع واشنطن لا تحمينا، عداءات إقليمية تضعفنا، ومصالحنا الاقتصادية عالقة بين خلافات لا تنتهي.
ما شهدناه مؤخرا هي ظروس لا يمكننا التغافل عنها، بل تفتح موجة من أسئلة لا تنتهي، فقد وحدت العقوبات الأمريكية خصومها في آسيا، فهل تدفع الضربات الإسرائيلية المتكررة على الدول العربية ومحيطها، وآخرها على قطر لإعادة التفكير في خياراتهم؟
والسؤال الاهم: هل يمتلكون الشجاعة لتجاوز منطق الارتهان للغرب وبناء شراكات جديدة تبنى على قاعدة المصالح التي تصب بمستقبل الأمة، كما تفعل الصين واليابان، أم يظلون متفرجين على عالم يتغير أمامهم؟
الشرق الأوسط اليوم أمام خيارين: إما الاستمرار في الانقسامات والارتهان للغرب، أو استلهام تجربة شنغهاي وبناء شراكات جديدة، سواء بالانخراط في تكتلات آسيوية أو تأسيس إطار عربي- إقليمي تفاوضي من موقع قوة، أو أي بصيص أمل لأجيالنا.
برأي، أعتقد أن قمة شنغهاي لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي، بل إعلانا عن ميلاد عالم متعدد الأقطاب، وإذا لم يلتقط العرب هذه الإشارة بدون وعي تاريخي ونقد ذاتي حقيقي لأسباب فواتهم الحضاري، فقد تجد اجيالنا القادمة نفسها خارج صناعة التاريخ العالمي، تدفع الكلفة دون أن يكون لهم أي حضور أو تأثير.
* كاتبة وصحفية أردنية
تكتسب قمة منظمة شنغهاي الأخيرة أهمية استثنائية في رسم ملامح نظام عالمي جديد، فمشاركة الهند إلى جانب الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى لم تكن مجرد بروتوكول، بل إعلانًا صريحًا، على ما يبدو، عن نهاية مرحلة وولادة أخرى، حيث يتراجع مركز الثقل عن الغرب ليتموضع شيئًا فشيئًا في الشرق.
ما تكشفه قمة شنغهاي أن محاولات واشنطن لاحتواء خصومها عبر العقوبات الجمركية والمالية جاءت بنتائج عكسية، العقوبات الأمريكية على الهند سرّعت من تقاربها مع الصين، مثلما دفعت العقوبات على روسيا إلى ثوثيق تحالفها مع بكين.
وهكذا يتبلور أمام أعيننا مشروع' الجنوب العالمي' كفضاء يطمح إلى التحرر من هيمنة الدولار وبناء شبكات بديلة للتجارة والطاقة والبنية التحتية.
في المقابل، يبدو العالم العربي غارقًا في معادلة معكوسة، إذ راهن طويلا على التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره ضمانة للأمن والاستقرار، لكن الواقع يثبت عكس ذلك.
الأمس فقط ،حين قصفت إسرائيل دولة قطر، ظهر بوضوح أن المظلة الأمريكية لا تمنع الحليف العربي من أن يكون هدفًا لاعتداء مباشر، فبينما تتشكل في آسيا وأوراسيا تحالفات جديدة تبنى على قاعدة المصالح المتبادلة، يبقى العرب أسرى تحالفات غير متكافئة، حيث لا حماية ولا استقلالية، بل مزيد من التبعية والتعرض للانكشاف.
في خضم هذا التحول، يطرح سؤال محوري نفسه: أين يقف العرب من هذه المعادلة؟
العالم العربي الذي يملك اليوم مقومات تمكنه من ان يكون في قلب التحولات العالمية، من موقع جيوسياسي يربط القارات، واحتياطات نفط وغاز هي الأكبر عالميًا، وسوق بشري ضخم يتجاوز 400 مليون نسمة، اضافة لفرصة سكانية شبابية هائلة، ومع ذلك يغيب العرب كمجموعة وازنة عن محافل تعيد تشكيل موازين القوى، لا حضور منظم في منظمة شنغهاي الاخيرة، ولا مشروع جماعي لمواجهة التبعية الاقتصادية أو الدفاعية، ولا حضور فاعل لجامعتهم، ولا حتى مواقف موحدة جريئة تجاه قضايا الأمة.
التجربة الآسيوية تحمل للأمة دروسًا واضحة، القوة تبنى بالتحالفات المرنة على أساس المصالح المتبادلة، لا على الولاءات الأيديولوجية الضيقة، والاقتصاد والتكنولوجيا والبنية التحتية هي أدوات النفوذ الأكثر تأثيرًا اليوم.
وهنا يتقاطع الواقع العربي مع صاحب كتاب الايدولوجيا العربية المعاصرة، الذي يؤكد أن الأيديولوجيا وحدها لا تصنع القوة، وأن العقل التاريخي والنقد الذاتي ضروريان لفهم السياق السياسي المعاصر، وتجاوز الخلافات القديمة لصالح بناء تحالفات استراتيجية جديدة ، كما رأينا في الهند والصين أو الصين واليابان رغم تناقضاتهما، تستمر المصالح الاقتصادية والثقافية رغم أصوات الماضي العدائية، بحيث يثبت الاقتصاد يوما بعد يوم أنه أداة النفوذ الأقوى في عالم يتشكل من جديد.
علمتنا قمة شنغهاي أن الدبلوماسية الكبرى تبنى على منع الخصوم من تكوين تحالفات مضادة، وأن الاقتصاد يمكن أن يكون جسرًا حتى بين الخصوم، أما عندنا في العالم العربي، فلا شيء من هذا، تحالفات سياسية مع واشنطن لا تحمينا، عداءات إقليمية تضعفنا، ومصالحنا الاقتصادية عالقة بين خلافات لا تنتهي.
ما شهدناه مؤخرا هي ظروس لا يمكننا التغافل عنها، بل تفتح موجة من أسئلة لا تنتهي، فقد وحدت العقوبات الأمريكية خصومها في آسيا، فهل تدفع الضربات الإسرائيلية المتكررة على الدول العربية ومحيطها، وآخرها على قطر لإعادة التفكير في خياراتهم؟
والسؤال الاهم: هل يمتلكون الشجاعة لتجاوز منطق الارتهان للغرب وبناء شراكات جديدة تبنى على قاعدة المصالح التي تصب بمستقبل الأمة، كما تفعل الصين واليابان، أم يظلون متفرجين على عالم يتغير أمامهم؟
الشرق الأوسط اليوم أمام خيارين: إما الاستمرار في الانقسامات والارتهان للغرب، أو استلهام تجربة شنغهاي وبناء شراكات جديدة، سواء بالانخراط في تكتلات آسيوية أو تأسيس إطار عربي- إقليمي تفاوضي من موقع قوة، أو أي بصيص أمل لأجيالنا.
برأي، أعتقد أن قمة شنغهاي لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي، بل إعلانا عن ميلاد عالم متعدد الأقطاب، وإذا لم يلتقط العرب هذه الإشارة بدون وعي تاريخي ونقد ذاتي حقيقي لأسباب فواتهم الحضاري، فقد تجد اجيالنا القادمة نفسها خارج صناعة التاريخ العالمي، تدفع الكلفة دون أن يكون لهم أي حضور أو تأثير.
* كاتبة وصحفية أردنية
تكتسب قمة منظمة شنغهاي الأخيرة أهمية استثنائية في رسم ملامح نظام عالمي جديد، فمشاركة الهند إلى جانب الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى لم تكن مجرد بروتوكول، بل إعلانًا صريحًا، على ما يبدو، عن نهاية مرحلة وولادة أخرى، حيث يتراجع مركز الثقل عن الغرب ليتموضع شيئًا فشيئًا في الشرق.
ما تكشفه قمة شنغهاي أن محاولات واشنطن لاحتواء خصومها عبر العقوبات الجمركية والمالية جاءت بنتائج عكسية، العقوبات الأمريكية على الهند سرّعت من تقاربها مع الصين، مثلما دفعت العقوبات على روسيا إلى ثوثيق تحالفها مع بكين.
وهكذا يتبلور أمام أعيننا مشروع' الجنوب العالمي' كفضاء يطمح إلى التحرر من هيمنة الدولار وبناء شبكات بديلة للتجارة والطاقة والبنية التحتية.
في المقابل، يبدو العالم العربي غارقًا في معادلة معكوسة، إذ راهن طويلا على التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره ضمانة للأمن والاستقرار، لكن الواقع يثبت عكس ذلك.
الأمس فقط ،حين قصفت إسرائيل دولة قطر، ظهر بوضوح أن المظلة الأمريكية لا تمنع الحليف العربي من أن يكون هدفًا لاعتداء مباشر، فبينما تتشكل في آسيا وأوراسيا تحالفات جديدة تبنى على قاعدة المصالح المتبادلة، يبقى العرب أسرى تحالفات غير متكافئة، حيث لا حماية ولا استقلالية، بل مزيد من التبعية والتعرض للانكشاف.
في خضم هذا التحول، يطرح سؤال محوري نفسه: أين يقف العرب من هذه المعادلة؟
العالم العربي الذي يملك اليوم مقومات تمكنه من ان يكون في قلب التحولات العالمية، من موقع جيوسياسي يربط القارات، واحتياطات نفط وغاز هي الأكبر عالميًا، وسوق بشري ضخم يتجاوز 400 مليون نسمة، اضافة لفرصة سكانية شبابية هائلة، ومع ذلك يغيب العرب كمجموعة وازنة عن محافل تعيد تشكيل موازين القوى، لا حضور منظم في منظمة شنغهاي الاخيرة، ولا مشروع جماعي لمواجهة التبعية الاقتصادية أو الدفاعية، ولا حضور فاعل لجامعتهم، ولا حتى مواقف موحدة جريئة تجاه قضايا الأمة.
التجربة الآسيوية تحمل للأمة دروسًا واضحة، القوة تبنى بالتحالفات المرنة على أساس المصالح المتبادلة، لا على الولاءات الأيديولوجية الضيقة، والاقتصاد والتكنولوجيا والبنية التحتية هي أدوات النفوذ الأكثر تأثيرًا اليوم.
وهنا يتقاطع الواقع العربي مع صاحب كتاب الايدولوجيا العربية المعاصرة، الذي يؤكد أن الأيديولوجيا وحدها لا تصنع القوة، وأن العقل التاريخي والنقد الذاتي ضروريان لفهم السياق السياسي المعاصر، وتجاوز الخلافات القديمة لصالح بناء تحالفات استراتيجية جديدة ، كما رأينا في الهند والصين أو الصين واليابان رغم تناقضاتهما، تستمر المصالح الاقتصادية والثقافية رغم أصوات الماضي العدائية، بحيث يثبت الاقتصاد يوما بعد يوم أنه أداة النفوذ الأقوى في عالم يتشكل من جديد.
علمتنا قمة شنغهاي أن الدبلوماسية الكبرى تبنى على منع الخصوم من تكوين تحالفات مضادة، وأن الاقتصاد يمكن أن يكون جسرًا حتى بين الخصوم، أما عندنا في العالم العربي، فلا شيء من هذا، تحالفات سياسية مع واشنطن لا تحمينا، عداءات إقليمية تضعفنا، ومصالحنا الاقتصادية عالقة بين خلافات لا تنتهي.
ما شهدناه مؤخرا هي ظروس لا يمكننا التغافل عنها، بل تفتح موجة من أسئلة لا تنتهي، فقد وحدت العقوبات الأمريكية خصومها في آسيا، فهل تدفع الضربات الإسرائيلية المتكررة على الدول العربية ومحيطها، وآخرها على قطر لإعادة التفكير في خياراتهم؟
والسؤال الاهم: هل يمتلكون الشجاعة لتجاوز منطق الارتهان للغرب وبناء شراكات جديدة تبنى على قاعدة المصالح التي تصب بمستقبل الأمة، كما تفعل الصين واليابان، أم يظلون متفرجين على عالم يتغير أمامهم؟
الشرق الأوسط اليوم أمام خيارين: إما الاستمرار في الانقسامات والارتهان للغرب، أو استلهام تجربة شنغهاي وبناء شراكات جديدة، سواء بالانخراط في تكتلات آسيوية أو تأسيس إطار عربي- إقليمي تفاوضي من موقع قوة، أو أي بصيص أمل لأجيالنا.
برأي، أعتقد أن قمة شنغهاي لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي، بل إعلانا عن ميلاد عالم متعدد الأقطاب، وإذا لم يلتقط العرب هذه الإشارة بدون وعي تاريخي ونقد ذاتي حقيقي لأسباب فواتهم الحضاري، فقد تجد اجيالنا القادمة نفسها خارج صناعة التاريخ العالمي، تدفع الكلفة دون أن يكون لهم أي حضور أو تأثير.
* كاتبة وصحفية أردنية
التعليقات
قمة شنغهاي والشرق الأوسط: حين يولد عالم جديد والعرب على الهامش
التعليقات