تنتقل المنطقة العربية بشكل عام من صيغة تكامل لم تتحقق يومًا بالصورة المطلوبة إلى صيغة من التنافس تفرضها التحولات العالمية الراهنة والمقبلة، وفي الوقت ذاته، يشهد دور الحكومات تغيرات جوهرية بحثًا عن صيغة أكثر كفاءة وعائدًا للمواطنين، فلم يعد يمكن لأي حكومة في المنطقة العربية أن تتحدث عن استمرارية النموذج الرعائي، وحتى الدول النفطية بدأت تتراجع عن ذلك، والمطلوب اليوم من الحكومات هو تعزيز الإنتاجية وضبط آليات تحويل النمو إلى تنمية وتعزيز الاستدامة في المدى البعيد.
مصطلحات مثل النمو والتنمية والاستدامة تحمل أبعادًا كثيرة، وليس مطلوبًا من المواطن أن يكون على إلمام كامل بها، وهو غير مهتم، ففي النهاية توجد وقائع يومية ملموسة تجعله يطلق أحكامه على الأوضاع الاقتصادية، ووجبة الفطور بالنسبة له هي وجبة يومية لا يعنيه كثيرًا التعقيدات التي توفرها على طاولته أو في شطيرة يتناولها أثناء توجهه لعمله أو في فترة الاستراحة.
المواطن ليس معنيًا بالتفاصيل وهو يفوضها للحكومة وللقطاع الخاص وآلياته، وكل ما يهمه في النهاية هو نوعية الحياة، وهي في حد ذاتها مفهوم ليس في متناول التعريف البسيط والمباشر.
ما نعايشه من أوضاع اقتصادية لم يبدأ اليوم، وهو نتيجة تراكم مستمر تواصل منذ الستينيات من القرن الماضي عبر خلالها الاقتصاد الأردني مراحل متعددة بين استقرار ونمو، وتراجع وانكماش، والسحب على المكشوف من رصيد الأولويات تجاه تلبية الرغبات الشعبية في مرحلة السبعينيات والثمانينيات أدى إلى أزمة عميقة سنة 1989، وعلى الرغم من أن الحكومات المتعاقبة حاولت التمسك بمواقف متحفظة تجاه الشعبوية إلا أنها لم تمتلك يومًا أبعد من موقف المقاومة.
افتقدت الحكومات في مراحل كثيرة خطة واقعية ومنطقية تؤسس لواقع اقتصادي جديد قائم على تطوير وتحديث القطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال أدوات التحفيز والتمكين التي يمكن أن تقدمها الحكومة، بدلًا من تحولها إلى كيان شره ينافس هذه القطاعات أو يقف وكأنه يمارس شرطي مرور لحركة الأموال ليعيد توجيهها للموظفين والمستفيدين من برامج الدعم، ثم يعاد ضخها للقطاعات الإنتاجية من خلال الاستهلاك، وهكذا، وهذه الدائرة من غير زيادة الإنتاجية تؤدي إلى الهدر في كل دورة بما يجعل قابليتها للاستمرار موضوعًا للشك وبتكلفة عالية على المجتمع تدفع ثمنه الأجيال القادمة، كما ندفع لليوم تكلفة النموذج الذي عايشناه قبل نصف قرن من الزمن.
استدعى ذلك مبادرة من الديوان الملكي لإعداد نواة لحوار وطني شامل عابر للقطاعات ينتج مجموعة من الأولويات التي تسعى إلى تعزيز انتاجية القطاعات ومساهمتها في الناتج المحلي الكلي، لا من خلال التحفيز والمزايا وحدها، ولكن من خلال دراسة تنافسية هذه القطاعات، وكيف يمكن أن تتعامل مع الموارد المتاحة أصلًا، وكان الوصول إلى وثيقة خاصة بالتحديث الاقتصادي خطوة مهمة للغاية، وضعت خارطة طريق للاقتصاد الأردني توضح التكاليف والعوائد، وهذه الوثيقة التي كان يجب وصفها بأنها عابرة للحكومات لاشتمالها على تحولات عميقة يمكن أن تنحرف داخل ما تمارسه أي حكومة من مناورة ومحاولات شراء للوقت وترحيل للمشكلات.
تقع الوثيقة الاقتصادية بين جهود التحديث السياسي والإداري، فهي جزء من بيئة متكاملة، ففي السياسة والتشريع والرقابة يتطلع الأردنيون إلى مجالس نيابية حزبية تعبر عن رؤى برامجية متكاملة، لا أن يتحول المجلس إلى تنافس مناطقي وتزاحم في مطالب فئوية، ويصبح النائب الأعلى صوتًا أقدر على انتزاع مكتسبات سريعة وربما آنية تتأتى في العمق على حساب الجميع عند تدوير زاوية الرؤية، والمشكلة أمام الحكومة أن هذه المسألة تستغرق وقتًا طويلًا نسبيًا، وأن عليها أن تبذل جهودًا واسعةً من أجل الخروج بما تريده من تشريعات وقوانين تخدم الرؤية الاقتصادية.
وإداريًا تظهر مشكلة الترجمة العملية للجانب الإجرائي المطلوب من أجل التحديث الاقتصادي وتحقيق أهداف الرؤية، وهو الأمر المقلق للرئيس ويجعله في حالة مستمرة من التواجد الميداني من أجل تقديم نموذج لعدم تفويت الفرص في كواليس بيروقراطية تشكل المقاومة الطبيعية لأي تغيير.
يعرف الرئيس بطبيعة الحال أن إنتاجية الزيارات الميدانية محدودة ومع ذلك فالهدف هو بناء نموذج للإدارة الوسطى التي يجب أن تمتلك الرؤية التفصيلية للعوائق من خلال التواجد الحقيقي، لا من وراء المكاتب المغلقة، وهذه الحالة من الإندماج يمكن أن تصنف ضمن تغيير الثقافة بوصفه أحد الروافع المطلوبة للتغيير، وهو النموذج الذي يجب أن يحدث من خلال تضافر اجتماعي وسياسي يتطلب وجود استراتيجية مساندة على مستويات الإعلام والتواصل تستطيع أن توازن بين ضراوة المطالب الآنية، وضرورة الرؤى بعيدة المدى.
تحول الجهاز الحكومي في الأردن إلى حل اجتماعي وليس جهة تقدم الحلول وتصبح ضابطًا للتداول داخل أولويات فرعية متزاحمة، ليصبح القطاع الأعلى صوتًا هو الذي يتحصل على المكتسبات بينما تتحمل قطاعات أخرى تكلفة حالة غير متوازنة ورؤية غير شاملة، ليكتشف الجميع أن الوضع لا يتحسن للجميع، وأن نموًا في جهة استهلك فرص الجهة الأخرى.
التحديث الإداري يطرح نفسه كأولوية في هذه المرحلة، والمطلوب هو بالإضافة إلى برامج عابرة للحكومات حسب وصف الحكومة الحالية وقناعتها المعلنة، وجود حالة من التبني طويل المدى وخط أمامي متقدم يتخذ نموذج العمل الميداني وتفكيك المشكلات الصغيرة لا تحويلها إلى أسئلة ورياضة ذهنية ومحاورة افتراضات ومصادرة الحديث عن الأردنيين وحاجاتهم بصورة وصائية، وهو ما يجري عادة في المكاتب المغلقة في درجة حرارة التكييف 24، بينما تقف الجهات التنفيذية على المستويات الجزئية غير قادرة على اتخاذ قرارات التسيير اليومية.
تغير الأردنيون كثيرًا، وما زال البعض يريد أن يرى الأردن في صورة البيروقراطي العتيد الوصي على المجتمع و(اللي فاهم الناس شو بدها أكتر منهم)، بينما في الحقيقة، يحتاج الأردن إلى مزيد من التواجد والتواصل لتفهم حاجات قطاعات تنمو وتتوسع على أرضية طموح شبابه ورغبتهم في المشاركة والإنتاج.
تنتقل المنطقة العربية بشكل عام من صيغة تكامل لم تتحقق يومًا بالصورة المطلوبة إلى صيغة من التنافس تفرضها التحولات العالمية الراهنة والمقبلة، وفي الوقت ذاته، يشهد دور الحكومات تغيرات جوهرية بحثًا عن صيغة أكثر كفاءة وعائدًا للمواطنين، فلم يعد يمكن لأي حكومة في المنطقة العربية أن تتحدث عن استمرارية النموذج الرعائي، وحتى الدول النفطية بدأت تتراجع عن ذلك، والمطلوب اليوم من الحكومات هو تعزيز الإنتاجية وضبط آليات تحويل النمو إلى تنمية وتعزيز الاستدامة في المدى البعيد.
مصطلحات مثل النمو والتنمية والاستدامة تحمل أبعادًا كثيرة، وليس مطلوبًا من المواطن أن يكون على إلمام كامل بها، وهو غير مهتم، ففي النهاية توجد وقائع يومية ملموسة تجعله يطلق أحكامه على الأوضاع الاقتصادية، ووجبة الفطور بالنسبة له هي وجبة يومية لا يعنيه كثيرًا التعقيدات التي توفرها على طاولته أو في شطيرة يتناولها أثناء توجهه لعمله أو في فترة الاستراحة.
المواطن ليس معنيًا بالتفاصيل وهو يفوضها للحكومة وللقطاع الخاص وآلياته، وكل ما يهمه في النهاية هو نوعية الحياة، وهي في حد ذاتها مفهوم ليس في متناول التعريف البسيط والمباشر.
ما نعايشه من أوضاع اقتصادية لم يبدأ اليوم، وهو نتيجة تراكم مستمر تواصل منذ الستينيات من القرن الماضي عبر خلالها الاقتصاد الأردني مراحل متعددة بين استقرار ونمو، وتراجع وانكماش، والسحب على المكشوف من رصيد الأولويات تجاه تلبية الرغبات الشعبية في مرحلة السبعينيات والثمانينيات أدى إلى أزمة عميقة سنة 1989، وعلى الرغم من أن الحكومات المتعاقبة حاولت التمسك بمواقف متحفظة تجاه الشعبوية إلا أنها لم تمتلك يومًا أبعد من موقف المقاومة.
افتقدت الحكومات في مراحل كثيرة خطة واقعية ومنطقية تؤسس لواقع اقتصادي جديد قائم على تطوير وتحديث القطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال أدوات التحفيز والتمكين التي يمكن أن تقدمها الحكومة، بدلًا من تحولها إلى كيان شره ينافس هذه القطاعات أو يقف وكأنه يمارس شرطي مرور لحركة الأموال ليعيد توجيهها للموظفين والمستفيدين من برامج الدعم، ثم يعاد ضخها للقطاعات الإنتاجية من خلال الاستهلاك، وهكذا، وهذه الدائرة من غير زيادة الإنتاجية تؤدي إلى الهدر في كل دورة بما يجعل قابليتها للاستمرار موضوعًا للشك وبتكلفة عالية على المجتمع تدفع ثمنه الأجيال القادمة، كما ندفع لليوم تكلفة النموذج الذي عايشناه قبل نصف قرن من الزمن.
استدعى ذلك مبادرة من الديوان الملكي لإعداد نواة لحوار وطني شامل عابر للقطاعات ينتج مجموعة من الأولويات التي تسعى إلى تعزيز انتاجية القطاعات ومساهمتها في الناتج المحلي الكلي، لا من خلال التحفيز والمزايا وحدها، ولكن من خلال دراسة تنافسية هذه القطاعات، وكيف يمكن أن تتعامل مع الموارد المتاحة أصلًا، وكان الوصول إلى وثيقة خاصة بالتحديث الاقتصادي خطوة مهمة للغاية، وضعت خارطة طريق للاقتصاد الأردني توضح التكاليف والعوائد، وهذه الوثيقة التي كان يجب وصفها بأنها عابرة للحكومات لاشتمالها على تحولات عميقة يمكن أن تنحرف داخل ما تمارسه أي حكومة من مناورة ومحاولات شراء للوقت وترحيل للمشكلات.
تقع الوثيقة الاقتصادية بين جهود التحديث السياسي والإداري، فهي جزء من بيئة متكاملة، ففي السياسة والتشريع والرقابة يتطلع الأردنيون إلى مجالس نيابية حزبية تعبر عن رؤى برامجية متكاملة، لا أن يتحول المجلس إلى تنافس مناطقي وتزاحم في مطالب فئوية، ويصبح النائب الأعلى صوتًا أقدر على انتزاع مكتسبات سريعة وربما آنية تتأتى في العمق على حساب الجميع عند تدوير زاوية الرؤية، والمشكلة أمام الحكومة أن هذه المسألة تستغرق وقتًا طويلًا نسبيًا، وأن عليها أن تبذل جهودًا واسعةً من أجل الخروج بما تريده من تشريعات وقوانين تخدم الرؤية الاقتصادية.
وإداريًا تظهر مشكلة الترجمة العملية للجانب الإجرائي المطلوب من أجل التحديث الاقتصادي وتحقيق أهداف الرؤية، وهو الأمر المقلق للرئيس ويجعله في حالة مستمرة من التواجد الميداني من أجل تقديم نموذج لعدم تفويت الفرص في كواليس بيروقراطية تشكل المقاومة الطبيعية لأي تغيير.
يعرف الرئيس بطبيعة الحال أن إنتاجية الزيارات الميدانية محدودة ومع ذلك فالهدف هو بناء نموذج للإدارة الوسطى التي يجب أن تمتلك الرؤية التفصيلية للعوائق من خلال التواجد الحقيقي، لا من وراء المكاتب المغلقة، وهذه الحالة من الإندماج يمكن أن تصنف ضمن تغيير الثقافة بوصفه أحد الروافع المطلوبة للتغيير، وهو النموذج الذي يجب أن يحدث من خلال تضافر اجتماعي وسياسي يتطلب وجود استراتيجية مساندة على مستويات الإعلام والتواصل تستطيع أن توازن بين ضراوة المطالب الآنية، وضرورة الرؤى بعيدة المدى.
تحول الجهاز الحكومي في الأردن إلى حل اجتماعي وليس جهة تقدم الحلول وتصبح ضابطًا للتداول داخل أولويات فرعية متزاحمة، ليصبح القطاع الأعلى صوتًا هو الذي يتحصل على المكتسبات بينما تتحمل قطاعات أخرى تكلفة حالة غير متوازنة ورؤية غير شاملة، ليكتشف الجميع أن الوضع لا يتحسن للجميع، وأن نموًا في جهة استهلك فرص الجهة الأخرى.
التحديث الإداري يطرح نفسه كأولوية في هذه المرحلة، والمطلوب هو بالإضافة إلى برامج عابرة للحكومات حسب وصف الحكومة الحالية وقناعتها المعلنة، وجود حالة من التبني طويل المدى وخط أمامي متقدم يتخذ نموذج العمل الميداني وتفكيك المشكلات الصغيرة لا تحويلها إلى أسئلة ورياضة ذهنية ومحاورة افتراضات ومصادرة الحديث عن الأردنيين وحاجاتهم بصورة وصائية، وهو ما يجري عادة في المكاتب المغلقة في درجة حرارة التكييف 24، بينما تقف الجهات التنفيذية على المستويات الجزئية غير قادرة على اتخاذ قرارات التسيير اليومية.
تغير الأردنيون كثيرًا، وما زال البعض يريد أن يرى الأردن في صورة البيروقراطي العتيد الوصي على المجتمع و(اللي فاهم الناس شو بدها أكتر منهم)، بينما في الحقيقة، يحتاج الأردن إلى مزيد من التواجد والتواصل لتفهم حاجات قطاعات تنمو وتتوسع على أرضية طموح شبابه ورغبتهم في المشاركة والإنتاج.
تنتقل المنطقة العربية بشكل عام من صيغة تكامل لم تتحقق يومًا بالصورة المطلوبة إلى صيغة من التنافس تفرضها التحولات العالمية الراهنة والمقبلة، وفي الوقت ذاته، يشهد دور الحكومات تغيرات جوهرية بحثًا عن صيغة أكثر كفاءة وعائدًا للمواطنين، فلم يعد يمكن لأي حكومة في المنطقة العربية أن تتحدث عن استمرارية النموذج الرعائي، وحتى الدول النفطية بدأت تتراجع عن ذلك، والمطلوب اليوم من الحكومات هو تعزيز الإنتاجية وضبط آليات تحويل النمو إلى تنمية وتعزيز الاستدامة في المدى البعيد.
مصطلحات مثل النمو والتنمية والاستدامة تحمل أبعادًا كثيرة، وليس مطلوبًا من المواطن أن يكون على إلمام كامل بها، وهو غير مهتم، ففي النهاية توجد وقائع يومية ملموسة تجعله يطلق أحكامه على الأوضاع الاقتصادية، ووجبة الفطور بالنسبة له هي وجبة يومية لا يعنيه كثيرًا التعقيدات التي توفرها على طاولته أو في شطيرة يتناولها أثناء توجهه لعمله أو في فترة الاستراحة.
المواطن ليس معنيًا بالتفاصيل وهو يفوضها للحكومة وللقطاع الخاص وآلياته، وكل ما يهمه في النهاية هو نوعية الحياة، وهي في حد ذاتها مفهوم ليس في متناول التعريف البسيط والمباشر.
ما نعايشه من أوضاع اقتصادية لم يبدأ اليوم، وهو نتيجة تراكم مستمر تواصل منذ الستينيات من القرن الماضي عبر خلالها الاقتصاد الأردني مراحل متعددة بين استقرار ونمو، وتراجع وانكماش، والسحب على المكشوف من رصيد الأولويات تجاه تلبية الرغبات الشعبية في مرحلة السبعينيات والثمانينيات أدى إلى أزمة عميقة سنة 1989، وعلى الرغم من أن الحكومات المتعاقبة حاولت التمسك بمواقف متحفظة تجاه الشعبوية إلا أنها لم تمتلك يومًا أبعد من موقف المقاومة.
افتقدت الحكومات في مراحل كثيرة خطة واقعية ومنطقية تؤسس لواقع اقتصادي جديد قائم على تطوير وتحديث القطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال أدوات التحفيز والتمكين التي يمكن أن تقدمها الحكومة، بدلًا من تحولها إلى كيان شره ينافس هذه القطاعات أو يقف وكأنه يمارس شرطي مرور لحركة الأموال ليعيد توجيهها للموظفين والمستفيدين من برامج الدعم، ثم يعاد ضخها للقطاعات الإنتاجية من خلال الاستهلاك، وهكذا، وهذه الدائرة من غير زيادة الإنتاجية تؤدي إلى الهدر في كل دورة بما يجعل قابليتها للاستمرار موضوعًا للشك وبتكلفة عالية على المجتمع تدفع ثمنه الأجيال القادمة، كما ندفع لليوم تكلفة النموذج الذي عايشناه قبل نصف قرن من الزمن.
استدعى ذلك مبادرة من الديوان الملكي لإعداد نواة لحوار وطني شامل عابر للقطاعات ينتج مجموعة من الأولويات التي تسعى إلى تعزيز انتاجية القطاعات ومساهمتها في الناتج المحلي الكلي، لا من خلال التحفيز والمزايا وحدها، ولكن من خلال دراسة تنافسية هذه القطاعات، وكيف يمكن أن تتعامل مع الموارد المتاحة أصلًا، وكان الوصول إلى وثيقة خاصة بالتحديث الاقتصادي خطوة مهمة للغاية، وضعت خارطة طريق للاقتصاد الأردني توضح التكاليف والعوائد، وهذه الوثيقة التي كان يجب وصفها بأنها عابرة للحكومات لاشتمالها على تحولات عميقة يمكن أن تنحرف داخل ما تمارسه أي حكومة من مناورة ومحاولات شراء للوقت وترحيل للمشكلات.
تقع الوثيقة الاقتصادية بين جهود التحديث السياسي والإداري، فهي جزء من بيئة متكاملة، ففي السياسة والتشريع والرقابة يتطلع الأردنيون إلى مجالس نيابية حزبية تعبر عن رؤى برامجية متكاملة، لا أن يتحول المجلس إلى تنافس مناطقي وتزاحم في مطالب فئوية، ويصبح النائب الأعلى صوتًا أقدر على انتزاع مكتسبات سريعة وربما آنية تتأتى في العمق على حساب الجميع عند تدوير زاوية الرؤية، والمشكلة أمام الحكومة أن هذه المسألة تستغرق وقتًا طويلًا نسبيًا، وأن عليها أن تبذل جهودًا واسعةً من أجل الخروج بما تريده من تشريعات وقوانين تخدم الرؤية الاقتصادية.
وإداريًا تظهر مشكلة الترجمة العملية للجانب الإجرائي المطلوب من أجل التحديث الاقتصادي وتحقيق أهداف الرؤية، وهو الأمر المقلق للرئيس ويجعله في حالة مستمرة من التواجد الميداني من أجل تقديم نموذج لعدم تفويت الفرص في كواليس بيروقراطية تشكل المقاومة الطبيعية لأي تغيير.
يعرف الرئيس بطبيعة الحال أن إنتاجية الزيارات الميدانية محدودة ومع ذلك فالهدف هو بناء نموذج للإدارة الوسطى التي يجب أن تمتلك الرؤية التفصيلية للعوائق من خلال التواجد الحقيقي، لا من وراء المكاتب المغلقة، وهذه الحالة من الإندماج يمكن أن تصنف ضمن تغيير الثقافة بوصفه أحد الروافع المطلوبة للتغيير، وهو النموذج الذي يجب أن يحدث من خلال تضافر اجتماعي وسياسي يتطلب وجود استراتيجية مساندة على مستويات الإعلام والتواصل تستطيع أن توازن بين ضراوة المطالب الآنية، وضرورة الرؤى بعيدة المدى.
تحول الجهاز الحكومي في الأردن إلى حل اجتماعي وليس جهة تقدم الحلول وتصبح ضابطًا للتداول داخل أولويات فرعية متزاحمة، ليصبح القطاع الأعلى صوتًا هو الذي يتحصل على المكتسبات بينما تتحمل قطاعات أخرى تكلفة حالة غير متوازنة ورؤية غير شاملة، ليكتشف الجميع أن الوضع لا يتحسن للجميع، وأن نموًا في جهة استهلك فرص الجهة الأخرى.
التحديث الإداري يطرح نفسه كأولوية في هذه المرحلة، والمطلوب هو بالإضافة إلى برامج عابرة للحكومات حسب وصف الحكومة الحالية وقناعتها المعلنة، وجود حالة من التبني طويل المدى وخط أمامي متقدم يتخذ نموذج العمل الميداني وتفكيك المشكلات الصغيرة لا تحويلها إلى أسئلة ورياضة ذهنية ومحاورة افتراضات ومصادرة الحديث عن الأردنيين وحاجاتهم بصورة وصائية، وهو ما يجري عادة في المكاتب المغلقة في درجة حرارة التكييف 24، بينما تقف الجهات التنفيذية على المستويات الجزئية غير قادرة على اتخاذ قرارات التسيير اليومية.
تغير الأردنيون كثيرًا، وما زال البعض يريد أن يرى الأردن في صورة البيروقراطي العتيد الوصي على المجتمع و(اللي فاهم الناس شو بدها أكتر منهم)، بينما في الحقيقة، يحتاج الأردن إلى مزيد من التواجد والتواصل لتفهم حاجات قطاعات تنمو وتتوسع على أرضية طموح شبابه ورغبتهم في المشاركة والإنتاج.
التعليقات
التحديث الاقتصادي وثقافة التغيير بين متطلبات الميدان والمكاتب المكيفة
التعليقات