قليلون هم الراضون هذه الأيام عن 'وضعية' التعليم العالي في الأردن وكثيرون هم الذين يرون أنه ما لم تُتخذ القرارات اللازمة بشأن تجويد التعليم العالي والارتقاء بسويته فإنّ الأردن سوف يفقد الميزة التنافسية (CompetitiveAdvantage) لجامعاته، وقد جاءَت النقاشات الأخيرة حول تصنيفات الجامعات (Rankings) وما تقوم به بعض الجامعات الأردنية كي تتقدم في هذه التصنيفات (وبغض النظر عن مدى صحته وشيوعه) كي تطرح موضوع تطوير التعليم العالي (وجوهره الجامعات بالطبع) من جديد.
إنّ الأفكار التي يمكن أن تُطرح في هذا السياق كثيرة، وقد كتبت أنا وغيري سابقاً في هذا المجال، ولكن لأهمية الموضوع وحيويته بالنسبة للمجتمع الأردني - حيث يُعد التعليم العالي رافعة تقدّمه وازدهاره - فلا بأس من التقدم ببعض 'الأطروحات' التي أزعم أنها مهمة. وأنه إذا أُخذ بها قد تخلق فرقاً (Make a Difference) في مسيرة التعليم العالي في بلدنا، ولعلي ألخص هذه الأطروحات على النحو الآتي:
أولاً: التزام الحكومة الأردنية باعتبار التعليم العالي أولوية والقيام تبعاً لذلك بتسديد مديونية الجامعات، وأنا أعرف أنّ الأردن بدأ مثل هذه السياسة منذ حكومة دولة الدكتور عدنان بدران قبل سنوات عدة، ولكن لا يبدو أنّ الأسلوب المُتبع مُوفق بدليل أنّ بعض الجامعات ما زالت تعاني من مديونية كبيرة تُثقل كاهلها، ولعلّ من العبث أن نطالب أيّ رئيس جامعة بإنجازات مُميزة إذا كان همه طوال الشهر أن يؤمّن رواتب الكادرين: الأكاديمي والإداري في جامعته، ناهيك عن سداد بعض مديونيتها. إنّني أعي أنّ الأردن يعاني من عجز مزمن في الموازنة، ولكن مقاربة هذا الموضوع بدقة وحصافة يمكن أن تؤمّن لنا حلاً معقولاً ينتهي بتسديد مديونية الجامعات بدون أن يرتب عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة.
ثانياً: ترك تحديد أعداد المقبولين في الجامعات الرسمية للجامعات، وبعبارة أخرى فإنّمن الأهمية بمكان إعادة النظر في 'مهام لجنة التنسيق الموحد' التي اعتادت توزيع الطلبة على الجامعات الرسمية وإلزامها أحياناً بأعداد فوق طاقتها الاستيعابية (capacity)، الأمر الذي يُربك برامجها ويطيح بمستوى الجودة التي غالباً ما تتناقض مع الكم. لقد مرَّ الأردن بمرحلة كانت الدولة مُلزمة فيه بقبول معظم الطلبة من الناجحين في التوجيهي وكأنها ًمهمة وطنيةً، ولكن أنّ الأوان أنّ نتجه نحو النوعية (Quality) لا أن نكتفي بالكمية (Quantity)، إنّ هذا قرار صعب بالطبع، ويقتضي تغييرات وإجراءَات كثيرة، وقد يتسبب في عدم رضا البعض ولكن متى كان التطوير سهلاً؟.
ثالثاً: إعادة النظر في نطاق 'القبول الاستثنائي'، والتركيز على مبدأ 'القبول التنافسي'. صحيح أن بعض الاستثناءَات قد تكون ما زالت ضرورية، ولصالح المجتمع إستراتيجياً وعلى المدى البعيد، ولكن طغيان القبولات 'الاستثنائية' على القبولات 'التنافسية' كما تشير بعض الإحصائيات أمر غير مقبول ولا يمكن الاستمرار به. إنّ هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة مُعمّقة لفرز 'الاستثناءات' وتَبيّن ما هو ضروري منها وما هو ليس كذلك الأمر الذي يشكل في المحصلة مزيداً من العدالة الاجتماعية فضلاً عن مخرجات أفضل من قبل مؤسسات التعليم العالي.
رابعاً: تحرير بعض الجامعات من 'المناطقية' التي فُرضت عليها بسبب تأسيس بعضها لأسباب 'استرضائية' معروفة، وإذا كان من غير الممكن إلغاء بعض الجامعات الآن والاكتفاء بجامعة أو جامعتين في الوسط، وجامعة في الشمال، وجامعة في الجنوب فلا أقل من تعديل الوضعية القائمة وذلك بوضع تشريعات معينة تملي على هذه الجامعات أن تجعل نسبة (30%) على الأقل من كوادرها التدريسية وطلبتها من خارج المنطقة، وغني عن القول ان هذا قد يتطلب جهوداً كبيرة، ونفقات معينة، ولكن 'تصويب' وضع بعض الجامعات ونقلها من وضعية الجامعة 'المناطقية' إلى وضعية 'الجامعة الوطنية'، أمر غاية في الأهمية: للجامعات ذاتها وللمناطق التي تتواجد فيها، وللوطن بشكل عام.
خامساً: ربط أهداف الجامعات بمتطلبات 'التنمية المستدامة' (sustainabledevelopment) بصورة وثيقة، إن من معايير الجامعات الناجحة ما يسمى بمبدأ 'المسؤولية المجتمعية' (Socialresponsibility) وهو تحقيق الجامعات لبعض أهداف التنمية المستدامة في البلاد بطريقة منظّمة ومدروسة وليس فقط تقديم بعض الخدمات الجامعية كما يعتقد البعض. إنّ هذا يقتضي أن يكون هناك تواصل دائم بين المخططين في الجامعات والمخططين في الحكومة كي تقوم كل جامعة بمسؤولية معينة تقتضيها خطط التنمية الوطنية، ولعلّ هذا لا يلغي دور الجامعات الثقافي المتمثل في توسيع آفاق الطلبة، وتعميق وعيهم، وتكبير مداركهم.
سادساً: إعادة النظر في آلية تعيين رؤساء الجامعات. إنّ الآلية الحالية المعتمدة لم تتسم تاريخياً بالاستقرار والاستمرارية فأحياناً تتشكل لجنة توصي لمجلس التعليم العالي مباشرةً وأحياناً يتم تجاهل دور مجلس الأمناء، وأحياناً يُطلب من مجلس الأمناء في الجامعة ترشيح ثلاثة مرشحين (ShortList) بعد تشكيل لجنة من قبله. لقد آن الأوان لدراسة تجارب الدول المختلفة في هذا المجال وانتقاء آلية شفافة معقولة واعتمادها لعدد من السنوات ثم دراستها وتقييمها بقصد تعديلها، أو تطويرها، أو الإبقاء عليها. إنّ موقع رئيس الجامعة في الأردن مهم، وهو مُخوّل بعدد غير قليل من الصلاحيات، وقد آن الأوان أن يُعامل باحترام وأن يتم اجتراح منهجية ملائمة لاختياره وبعد ذلك لتقييمه ومساءَلته إذا لزم الأمر.
سابعاً:وضع كل ما يلزم من تشريعات لتفعيل مبدأ فصل 'الإدارة' عن 'الملكية' في الجامعات الخاصة. إنّ من حق من يستثمر في التعليم ( العام أو العالي ) أن يربح، بل ومن الواجب شُكره على استثماره، ولكن ما لا يجوز هو عدم الالتزام بفصل 'الإدارة' عن 'المُلكية'. بصورة واضحة، وذلك للحيلولة دون سيطرة 'رأس المال' على 'الأكاديميا'. إن الحفاظ على المعايير الأكاديمية الرفيعة المستوى لا يمكن أن يتم بدون فصل 'الإدارة' عن 'المُلكية' في الجامعات الخاصة، علماً أن هذا -إن حدث- يعود في المحصلة بالفائدة ليس فقط على الأكاديميا (من خلال تحسين مسموعية Reputation الجامعة ومصداقيتها Credibility) بل وعلى مالكي الجامعة من خلال تحسين ربحيتها أيضاً.
إنّ هذه 'الأطروحات' قد تكون حيوية أو قد لا تكون، ولكنها من وجهة نظري، ومن واقع خبرتي المتواضعة في ميدان التعليم العالي كفيلة بتجويد مستوى الجامعات، والارتقاء بأدائها وصولاً إلى تحقيق أهدافها بفعالية وكفاية.
قليلون هم الراضون هذه الأيام عن 'وضعية' التعليم العالي في الأردن وكثيرون هم الذين يرون أنه ما لم تُتخذ القرارات اللازمة بشأن تجويد التعليم العالي والارتقاء بسويته فإنّ الأردن سوف يفقد الميزة التنافسية (CompetitiveAdvantage) لجامعاته، وقد جاءَت النقاشات الأخيرة حول تصنيفات الجامعات (Rankings) وما تقوم به بعض الجامعات الأردنية كي تتقدم في هذه التصنيفات (وبغض النظر عن مدى صحته وشيوعه) كي تطرح موضوع تطوير التعليم العالي (وجوهره الجامعات بالطبع) من جديد.
إنّ الأفكار التي يمكن أن تُطرح في هذا السياق كثيرة، وقد كتبت أنا وغيري سابقاً في هذا المجال، ولكن لأهمية الموضوع وحيويته بالنسبة للمجتمع الأردني - حيث يُعد التعليم العالي رافعة تقدّمه وازدهاره - فلا بأس من التقدم ببعض 'الأطروحات' التي أزعم أنها مهمة. وأنه إذا أُخذ بها قد تخلق فرقاً (Make a Difference) في مسيرة التعليم العالي في بلدنا، ولعلي ألخص هذه الأطروحات على النحو الآتي:
أولاً: التزام الحكومة الأردنية باعتبار التعليم العالي أولوية والقيام تبعاً لذلك بتسديد مديونية الجامعات، وأنا أعرف أنّ الأردن بدأ مثل هذه السياسة منذ حكومة دولة الدكتور عدنان بدران قبل سنوات عدة، ولكن لا يبدو أنّ الأسلوب المُتبع مُوفق بدليل أنّ بعض الجامعات ما زالت تعاني من مديونية كبيرة تُثقل كاهلها، ولعلّ من العبث أن نطالب أيّ رئيس جامعة بإنجازات مُميزة إذا كان همه طوال الشهر أن يؤمّن رواتب الكادرين: الأكاديمي والإداري في جامعته، ناهيك عن سداد بعض مديونيتها. إنّني أعي أنّ الأردن يعاني من عجز مزمن في الموازنة، ولكن مقاربة هذا الموضوع بدقة وحصافة يمكن أن تؤمّن لنا حلاً معقولاً ينتهي بتسديد مديونية الجامعات بدون أن يرتب عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة.
ثانياً: ترك تحديد أعداد المقبولين في الجامعات الرسمية للجامعات، وبعبارة أخرى فإنّمن الأهمية بمكان إعادة النظر في 'مهام لجنة التنسيق الموحد' التي اعتادت توزيع الطلبة على الجامعات الرسمية وإلزامها أحياناً بأعداد فوق طاقتها الاستيعابية (capacity)، الأمر الذي يُربك برامجها ويطيح بمستوى الجودة التي غالباً ما تتناقض مع الكم. لقد مرَّ الأردن بمرحلة كانت الدولة مُلزمة فيه بقبول معظم الطلبة من الناجحين في التوجيهي وكأنها ًمهمة وطنيةً، ولكن أنّ الأوان أنّ نتجه نحو النوعية (Quality) لا أن نكتفي بالكمية (Quantity)، إنّ هذا قرار صعب بالطبع، ويقتضي تغييرات وإجراءَات كثيرة، وقد يتسبب في عدم رضا البعض ولكن متى كان التطوير سهلاً؟.
ثالثاً: إعادة النظر في نطاق 'القبول الاستثنائي'، والتركيز على مبدأ 'القبول التنافسي'. صحيح أن بعض الاستثناءَات قد تكون ما زالت ضرورية، ولصالح المجتمع إستراتيجياً وعلى المدى البعيد، ولكن طغيان القبولات 'الاستثنائية' على القبولات 'التنافسية' كما تشير بعض الإحصائيات أمر غير مقبول ولا يمكن الاستمرار به. إنّ هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة مُعمّقة لفرز 'الاستثناءات' وتَبيّن ما هو ضروري منها وما هو ليس كذلك الأمر الذي يشكل في المحصلة مزيداً من العدالة الاجتماعية فضلاً عن مخرجات أفضل من قبل مؤسسات التعليم العالي.
رابعاً: تحرير بعض الجامعات من 'المناطقية' التي فُرضت عليها بسبب تأسيس بعضها لأسباب 'استرضائية' معروفة، وإذا كان من غير الممكن إلغاء بعض الجامعات الآن والاكتفاء بجامعة أو جامعتين في الوسط، وجامعة في الشمال، وجامعة في الجنوب فلا أقل من تعديل الوضعية القائمة وذلك بوضع تشريعات معينة تملي على هذه الجامعات أن تجعل نسبة (30%) على الأقل من كوادرها التدريسية وطلبتها من خارج المنطقة، وغني عن القول ان هذا قد يتطلب جهوداً كبيرة، ونفقات معينة، ولكن 'تصويب' وضع بعض الجامعات ونقلها من وضعية الجامعة 'المناطقية' إلى وضعية 'الجامعة الوطنية'، أمر غاية في الأهمية: للجامعات ذاتها وللمناطق التي تتواجد فيها، وللوطن بشكل عام.
خامساً: ربط أهداف الجامعات بمتطلبات 'التنمية المستدامة' (sustainabledevelopment) بصورة وثيقة، إن من معايير الجامعات الناجحة ما يسمى بمبدأ 'المسؤولية المجتمعية' (Socialresponsibility) وهو تحقيق الجامعات لبعض أهداف التنمية المستدامة في البلاد بطريقة منظّمة ومدروسة وليس فقط تقديم بعض الخدمات الجامعية كما يعتقد البعض. إنّ هذا يقتضي أن يكون هناك تواصل دائم بين المخططين في الجامعات والمخططين في الحكومة كي تقوم كل جامعة بمسؤولية معينة تقتضيها خطط التنمية الوطنية، ولعلّ هذا لا يلغي دور الجامعات الثقافي المتمثل في توسيع آفاق الطلبة، وتعميق وعيهم، وتكبير مداركهم.
سادساً: إعادة النظر في آلية تعيين رؤساء الجامعات. إنّ الآلية الحالية المعتمدة لم تتسم تاريخياً بالاستقرار والاستمرارية فأحياناً تتشكل لجنة توصي لمجلس التعليم العالي مباشرةً وأحياناً يتم تجاهل دور مجلس الأمناء، وأحياناً يُطلب من مجلس الأمناء في الجامعة ترشيح ثلاثة مرشحين (ShortList) بعد تشكيل لجنة من قبله. لقد آن الأوان لدراسة تجارب الدول المختلفة في هذا المجال وانتقاء آلية شفافة معقولة واعتمادها لعدد من السنوات ثم دراستها وتقييمها بقصد تعديلها، أو تطويرها، أو الإبقاء عليها. إنّ موقع رئيس الجامعة في الأردن مهم، وهو مُخوّل بعدد غير قليل من الصلاحيات، وقد آن الأوان أن يُعامل باحترام وأن يتم اجتراح منهجية ملائمة لاختياره وبعد ذلك لتقييمه ومساءَلته إذا لزم الأمر.
سابعاً:وضع كل ما يلزم من تشريعات لتفعيل مبدأ فصل 'الإدارة' عن 'الملكية' في الجامعات الخاصة. إنّ من حق من يستثمر في التعليم ( العام أو العالي ) أن يربح، بل ومن الواجب شُكره على استثماره، ولكن ما لا يجوز هو عدم الالتزام بفصل 'الإدارة' عن 'المُلكية'. بصورة واضحة، وذلك للحيلولة دون سيطرة 'رأس المال' على 'الأكاديميا'. إن الحفاظ على المعايير الأكاديمية الرفيعة المستوى لا يمكن أن يتم بدون فصل 'الإدارة' عن 'المُلكية' في الجامعات الخاصة، علماً أن هذا -إن حدث- يعود في المحصلة بالفائدة ليس فقط على الأكاديميا (من خلال تحسين مسموعية Reputation الجامعة ومصداقيتها Credibility) بل وعلى مالكي الجامعة من خلال تحسين ربحيتها أيضاً.
إنّ هذه 'الأطروحات' قد تكون حيوية أو قد لا تكون، ولكنها من وجهة نظري، ومن واقع خبرتي المتواضعة في ميدان التعليم العالي كفيلة بتجويد مستوى الجامعات، والارتقاء بأدائها وصولاً إلى تحقيق أهدافها بفعالية وكفاية.
قليلون هم الراضون هذه الأيام عن 'وضعية' التعليم العالي في الأردن وكثيرون هم الذين يرون أنه ما لم تُتخذ القرارات اللازمة بشأن تجويد التعليم العالي والارتقاء بسويته فإنّ الأردن سوف يفقد الميزة التنافسية (CompetitiveAdvantage) لجامعاته، وقد جاءَت النقاشات الأخيرة حول تصنيفات الجامعات (Rankings) وما تقوم به بعض الجامعات الأردنية كي تتقدم في هذه التصنيفات (وبغض النظر عن مدى صحته وشيوعه) كي تطرح موضوع تطوير التعليم العالي (وجوهره الجامعات بالطبع) من جديد.
إنّ الأفكار التي يمكن أن تُطرح في هذا السياق كثيرة، وقد كتبت أنا وغيري سابقاً في هذا المجال، ولكن لأهمية الموضوع وحيويته بالنسبة للمجتمع الأردني - حيث يُعد التعليم العالي رافعة تقدّمه وازدهاره - فلا بأس من التقدم ببعض 'الأطروحات' التي أزعم أنها مهمة. وأنه إذا أُخذ بها قد تخلق فرقاً (Make a Difference) في مسيرة التعليم العالي في بلدنا، ولعلي ألخص هذه الأطروحات على النحو الآتي:
أولاً: التزام الحكومة الأردنية باعتبار التعليم العالي أولوية والقيام تبعاً لذلك بتسديد مديونية الجامعات، وأنا أعرف أنّ الأردن بدأ مثل هذه السياسة منذ حكومة دولة الدكتور عدنان بدران قبل سنوات عدة، ولكن لا يبدو أنّ الأسلوب المُتبع مُوفق بدليل أنّ بعض الجامعات ما زالت تعاني من مديونية كبيرة تُثقل كاهلها، ولعلّ من العبث أن نطالب أيّ رئيس جامعة بإنجازات مُميزة إذا كان همه طوال الشهر أن يؤمّن رواتب الكادرين: الأكاديمي والإداري في جامعته، ناهيك عن سداد بعض مديونيتها. إنّني أعي أنّ الأردن يعاني من عجز مزمن في الموازنة، ولكن مقاربة هذا الموضوع بدقة وحصافة يمكن أن تؤمّن لنا حلاً معقولاً ينتهي بتسديد مديونية الجامعات بدون أن يرتب عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة.
ثانياً: ترك تحديد أعداد المقبولين في الجامعات الرسمية للجامعات، وبعبارة أخرى فإنّمن الأهمية بمكان إعادة النظر في 'مهام لجنة التنسيق الموحد' التي اعتادت توزيع الطلبة على الجامعات الرسمية وإلزامها أحياناً بأعداد فوق طاقتها الاستيعابية (capacity)، الأمر الذي يُربك برامجها ويطيح بمستوى الجودة التي غالباً ما تتناقض مع الكم. لقد مرَّ الأردن بمرحلة كانت الدولة مُلزمة فيه بقبول معظم الطلبة من الناجحين في التوجيهي وكأنها ًمهمة وطنيةً، ولكن أنّ الأوان أنّ نتجه نحو النوعية (Quality) لا أن نكتفي بالكمية (Quantity)، إنّ هذا قرار صعب بالطبع، ويقتضي تغييرات وإجراءَات كثيرة، وقد يتسبب في عدم رضا البعض ولكن متى كان التطوير سهلاً؟.
ثالثاً: إعادة النظر في نطاق 'القبول الاستثنائي'، والتركيز على مبدأ 'القبول التنافسي'. صحيح أن بعض الاستثناءَات قد تكون ما زالت ضرورية، ولصالح المجتمع إستراتيجياً وعلى المدى البعيد، ولكن طغيان القبولات 'الاستثنائية' على القبولات 'التنافسية' كما تشير بعض الإحصائيات أمر غير مقبول ولا يمكن الاستمرار به. إنّ هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة مُعمّقة لفرز 'الاستثناءات' وتَبيّن ما هو ضروري منها وما هو ليس كذلك الأمر الذي يشكل في المحصلة مزيداً من العدالة الاجتماعية فضلاً عن مخرجات أفضل من قبل مؤسسات التعليم العالي.
رابعاً: تحرير بعض الجامعات من 'المناطقية' التي فُرضت عليها بسبب تأسيس بعضها لأسباب 'استرضائية' معروفة، وإذا كان من غير الممكن إلغاء بعض الجامعات الآن والاكتفاء بجامعة أو جامعتين في الوسط، وجامعة في الشمال، وجامعة في الجنوب فلا أقل من تعديل الوضعية القائمة وذلك بوضع تشريعات معينة تملي على هذه الجامعات أن تجعل نسبة (30%) على الأقل من كوادرها التدريسية وطلبتها من خارج المنطقة، وغني عن القول ان هذا قد يتطلب جهوداً كبيرة، ونفقات معينة، ولكن 'تصويب' وضع بعض الجامعات ونقلها من وضعية الجامعة 'المناطقية' إلى وضعية 'الجامعة الوطنية'، أمر غاية في الأهمية: للجامعات ذاتها وللمناطق التي تتواجد فيها، وللوطن بشكل عام.
خامساً: ربط أهداف الجامعات بمتطلبات 'التنمية المستدامة' (sustainabledevelopment) بصورة وثيقة، إن من معايير الجامعات الناجحة ما يسمى بمبدأ 'المسؤولية المجتمعية' (Socialresponsibility) وهو تحقيق الجامعات لبعض أهداف التنمية المستدامة في البلاد بطريقة منظّمة ومدروسة وليس فقط تقديم بعض الخدمات الجامعية كما يعتقد البعض. إنّ هذا يقتضي أن يكون هناك تواصل دائم بين المخططين في الجامعات والمخططين في الحكومة كي تقوم كل جامعة بمسؤولية معينة تقتضيها خطط التنمية الوطنية، ولعلّ هذا لا يلغي دور الجامعات الثقافي المتمثل في توسيع آفاق الطلبة، وتعميق وعيهم، وتكبير مداركهم.
سادساً: إعادة النظر في آلية تعيين رؤساء الجامعات. إنّ الآلية الحالية المعتمدة لم تتسم تاريخياً بالاستقرار والاستمرارية فأحياناً تتشكل لجنة توصي لمجلس التعليم العالي مباشرةً وأحياناً يتم تجاهل دور مجلس الأمناء، وأحياناً يُطلب من مجلس الأمناء في الجامعة ترشيح ثلاثة مرشحين (ShortList) بعد تشكيل لجنة من قبله. لقد آن الأوان لدراسة تجارب الدول المختلفة في هذا المجال وانتقاء آلية شفافة معقولة واعتمادها لعدد من السنوات ثم دراستها وتقييمها بقصد تعديلها، أو تطويرها، أو الإبقاء عليها. إنّ موقع رئيس الجامعة في الأردن مهم، وهو مُخوّل بعدد غير قليل من الصلاحيات، وقد آن الأوان أن يُعامل باحترام وأن يتم اجتراح منهجية ملائمة لاختياره وبعد ذلك لتقييمه ومساءَلته إذا لزم الأمر.
سابعاً:وضع كل ما يلزم من تشريعات لتفعيل مبدأ فصل 'الإدارة' عن 'الملكية' في الجامعات الخاصة. إنّ من حق من يستثمر في التعليم ( العام أو العالي ) أن يربح، بل ومن الواجب شُكره على استثماره، ولكن ما لا يجوز هو عدم الالتزام بفصل 'الإدارة' عن 'المُلكية'. بصورة واضحة، وذلك للحيلولة دون سيطرة 'رأس المال' على 'الأكاديميا'. إن الحفاظ على المعايير الأكاديمية الرفيعة المستوى لا يمكن أن يتم بدون فصل 'الإدارة' عن 'المُلكية' في الجامعات الخاصة، علماً أن هذا -إن حدث- يعود في المحصلة بالفائدة ليس فقط على الأكاديميا (من خلال تحسين مسموعية Reputation الجامعة ومصداقيتها Credibility) بل وعلى مالكي الجامعة من خلال تحسين ربحيتها أيضاً.
إنّ هذه 'الأطروحات' قد تكون حيوية أو قد لا تكون، ولكنها من وجهة نظري، ومن واقع خبرتي المتواضعة في ميدان التعليم العالي كفيلة بتجويد مستوى الجامعات، والارتقاء بأدائها وصولاً إلى تحقيق أهدافها بفعالية وكفاية.
التعليقات