قال لي صديق بضرورة الكتابة عن هذا اليوم، يوم الثورة العربية الكبرى، فقلت له كنت أصدرت كتاباً عن المناسبة بعنوان 'الثورة العربية الكبرى طريق النهوض ودرب الشهادة'، والذي رعى اشهاره سمو الأمير علي بن الحسين، في أمانة عمان في 15 / 2 / 2016، ولا اعتقد أنه يمكنني اضافة جديد، فقال لا بد أن هناك اشياء لم تكتبها، قد تكون ممتعة للقارئ، فقلت نعم هناك ما يتعلق بحياة الراحل المنقذ الأعظم مفجر الثورة، الحسين بن علي، فقد رحل مقهوراً،
لقد نفي الشريف الحسين من وطنه بعد ان تمسك بمواقفه وخدعه الغربيين في مراسلات الحسين مكماهون، وأنهم لم يدعموه كما وعدوا، بل وقفوا ضده، وكانت النتائج خروجه، كما أنهم منعوه من استكمال أخذ البيعة له في العقبة، سلطاناً وأميراً للمؤمنين بعد أن سقطت الخلافة العثمانية، ويومها، أقبل أهل العقبة على بيعته وهناك وثيقة تحمل اسماء وجهاء وعشائر عقباوية وأردنية موقعة على الوثيقة.
كان إبعاد الحسين الى قبرص بطائرة بريطانية، صدمة، فالرجل، التقي البسيط كان يدرك أنه يمكن لتعامله مع الانجليز أن يقود الى بناء مملكة عربية واسعة ممتدة حتى جبال طوروس، وتضمن كل الشرق العربي كدولة عربية متحرررة من التتريك.
عاش الحسين في المنفى، ست سنوات صعبة، كان يعاني فيها عزلة وفقرا إذ لا مال لديه وعدم قدرة على التكيف، وتعرض لمؤامرات وغدر
كان منفاه عام 1926، وقد تسبب سوء المسكن في اصابته بأمراض نقل على اثرها مريضاً الى عمان ليتوفى في قصر رغدان، ثم أنفذت وصيته ليدفن في القدس، بإلحاح من أعيان القدس وقد ووري ثراه فيها، وقد زرت الضريح عام 2010،ومكتوب عليه اسمه وصورة علم الثورة العربية الكبرى، وهو مكونات علم فلسطين التي اعتمدت علم صورة الحسين وبجواره اضرحة شخصيات هامة، منها عبد القادر الحسيني وشخصيات إسلامية وعربية أخرى، وما زالت عائلة العفيفي المقدسية تتوارث سدانة ضريح الشريف حسين
لم يكن يعرف الشريف لغة أهل المكان، اليونانية، وكان يعيش في إقامة جبرية رغم كبر سنه، وقد وصف الحاكم البريطاني هناك، 'رونالد ستور' ما عانى الشريف وفي مذكراته (لم يكن الشريف في قبرص معروفاً من أحد وكان بالنسبة للموظفين الكبار في الجزيرة بمثابة سجين).
أنزلوه في غرفة صغيرة في التسوية بالأجرة، لم يكن معه سوى إبنه الأمير زيد أصغر ابنائه، وهو والد الأمير رعد، وكان الامير يعيش حياة صعبة مع والده، يرعاه ويقرأ له بصوت مرتفع وتعليقات في كتاب صحيح البخاري، كان الشريف الحسين يحب أن يقرأ فيه شروحاً وتعليقات، ويقرأ له .
اصيب بالنزيف وبقي مستلقياً على فراشه، كما يقول المؤرخ، أبو الحسن الندوي في كتابه مذكرات سائح، 'إن الشريف حسين قبل موته بأيام كان مستلقياً على فراش المرض، فقال لأبنه عبد الله، أجلسني، فلما أجلسه وأخذ يده، قال يا عبد الله يا ولدي، إحذر من الانجليز ولا تثق بهم، وأنظر ماذا فعلوا بأبيك'!
رحل الشريف حسين في مثل هذا الشهر في 4 حزيران عام 1931، في قصر رغدان، وانفذت وصيته بدفنه في القدس، فقد أصر أكثر أعيان القدس ووجهائها على ذلك، وهو الذي تبرع بمال كثير لإعمار مسجدها منذ أن كان أميراً في مكة، وقد زاروه لذلك وأخذوا التبرع منه، ولما مرض الشريف أعاده الملك فيصل من قبرص الى عمان.
كان قد وصل الى عمان قبل رحيله بأيام، وتوفي وهو محبط وغاضب مما آل اليه وضع الأمة، ومن غدر الانجليز به وتآمرهم عليه، والشريف حسين لم ينصف ولم يقرأ قراءة موضوعية ، تنهض من الوقائع لتصنفه مدافعاً عن الحقوق العربية التي قضي في سبيلها.
لم يشهد زمن الحسين جنازة من قبل بنفس ضخامة وهيبة جنازته وتوديعه، فقد كانت مسيرة جنازته الى القدس تملأ الطريق من عمان الى القدس، وقد خرجت له الناس من كل حدب وصوب، خروج البصرة للحسن البصري كما يقال، وقد ركب الناس الدواب من خيل وحمير وعربات وسيارات الى القدس، وفي فلسطين، خرجت له فلسطين على بكرة ابيها لتستقبله وتودعه، وقد جاءت وفود وشخصيات هامة عالمية واسلامية وعربية لتشارك في تشيعيه.
وقد كتب أمير الشعراء، أحمد شوقي، قصيدة جميلة، يرثي فيها الشريف الحسين، وقد قرئت على قبره في المسجد الأقصى وهي من 49 بيتاً منها:
وغير شوقي، كثيرون كتبوا عنه شعراً ومقالات أعطته حقه.
لَكَ في الأَرضِ وَالسَماءِ مَآتِم
قامَ فيها أَبو المَلائِكِ هاشِم
قَعدَ الآلُ لِلعَزاءِ وَقامَت
باكِياتٍ عَلى الحُسَينِ الفَواطِم
يا أَبا العِليَةِ البَهاليلِ سَل
آباءَكَ الزُهرَ هَل مِنَ المَوتِ عاصِم
المَنايا نَوازِلُ الشَعَرِ الأَبيض
جاراتُ كُلِّ أَسوَدَ فاحِم
ما اللَيالي إِلّا قِصارٌ وَلا الدُن
يا سِوى ما رَأَيتَ أَحلامَ نائِم
اِنحِسارُ الشِفاهِ عَن سِنِّ جَذلا
نَ وَراءَ الكَرى إِلى سِنِّ نادِم
سَنَةٌ أَفرَحَت وَأُخرى أَساءَت
لَم يَدُم في النَعيمِ وَالكَربِ حالِم
المَناحاتُ في مَمالِكِ أَبنا
ئِكَ بَدرِيَّةُ العَزاءِ قَوائِم
تِلكَ بَغدادُ في الدُموعِ وَعَمّا
نُ وَراءَ السَوادِ وَالشامُ واجِم
وَالحِجازُ النَبيلُ رَبعٌ مُصَلٍّ
مِن رُبوعِ الهُدى وَآخَرُ صائِم
وَاِشتَرَكنا فَمِصرُ عَبرى وَلُبنا
نُ سَكوبُ العُيونِ باكي الحَمائِم
قُم تَأَمَّل بَنيكَ في الشَرقِ زَينُ ال
تاجِ مِلءُ السَريرِ نورُ العَواصِم
الزَكِيّونَ عُنصُراً مِثلَ إِبرا
هيمَ وَالطَيِّبونَ مِثلَ القاسِم
وَعَلَيهِم إِذا العُيونُ رَمَتهُم
عُوَذٌ مِن مُحَمَّدٍ وَتَمائِم
قَد بَنى اللَهُ بَيتَهُم فَهوَ باقٍ
ما بَنى اللَهُ ما لَهُ مِن هادِم
دَبَّروا المُلكَ في العِراقِ وَفي الشا
مِ فَسَنّوا الهُدى وَرَدّوا المَظالِم
أَمِنَ الناسُ في ذَراهُم وَطابَت
عَرَبُ الأَرضِ تَحتَهُم وَالأَعاجِم
وَبَنوا دَولَةً وَراءَ فِلَسطي
نَ كَعابَ الهُدى فَتاةَ العَزائِم
ساسَها بِالأَناةِ أَروَعُ كَالدا
خِلِ ماضي الجِنانِ يَقظانُ حازِم
قُبرُصٌ كانَتِ الحَديدَ وَقَد تَن
زِلُ قُضبانَهُ اللُيوثُ الضَراغِم
كَرِهَ الدَهرُ أَن يَقومَ لِواءٌ
تُحشَرُ البيدُ تَحتَهُ وَالعَمائِم
قُم تَحَدَّث أَبا عَلِيٍّ إِلَينا
كَيفَ غامَرتَ في جِوارِ الأَراقِم
قال لي صديق بضرورة الكتابة عن هذا اليوم، يوم الثورة العربية الكبرى، فقلت له كنت أصدرت كتاباً عن المناسبة بعنوان 'الثورة العربية الكبرى طريق النهوض ودرب الشهادة'، والذي رعى اشهاره سمو الأمير علي بن الحسين، في أمانة عمان في 15 / 2 / 2016، ولا اعتقد أنه يمكنني اضافة جديد، فقال لا بد أن هناك اشياء لم تكتبها، قد تكون ممتعة للقارئ، فقلت نعم هناك ما يتعلق بحياة الراحل المنقذ الأعظم مفجر الثورة، الحسين بن علي، فقد رحل مقهوراً،
لقد نفي الشريف الحسين من وطنه بعد ان تمسك بمواقفه وخدعه الغربيين في مراسلات الحسين مكماهون، وأنهم لم يدعموه كما وعدوا، بل وقفوا ضده، وكانت النتائج خروجه، كما أنهم منعوه من استكمال أخذ البيعة له في العقبة، سلطاناً وأميراً للمؤمنين بعد أن سقطت الخلافة العثمانية، ويومها، أقبل أهل العقبة على بيعته وهناك وثيقة تحمل اسماء وجهاء وعشائر عقباوية وأردنية موقعة على الوثيقة.
كان إبعاد الحسين الى قبرص بطائرة بريطانية، صدمة، فالرجل، التقي البسيط كان يدرك أنه يمكن لتعامله مع الانجليز أن يقود الى بناء مملكة عربية واسعة ممتدة حتى جبال طوروس، وتضمن كل الشرق العربي كدولة عربية متحرررة من التتريك.
عاش الحسين في المنفى، ست سنوات صعبة، كان يعاني فيها عزلة وفقرا إذ لا مال لديه وعدم قدرة على التكيف، وتعرض لمؤامرات وغدر
كان منفاه عام 1926، وقد تسبب سوء المسكن في اصابته بأمراض نقل على اثرها مريضاً الى عمان ليتوفى في قصر رغدان، ثم أنفذت وصيته ليدفن في القدس، بإلحاح من أعيان القدس وقد ووري ثراه فيها، وقد زرت الضريح عام 2010،ومكتوب عليه اسمه وصورة علم الثورة العربية الكبرى، وهو مكونات علم فلسطين التي اعتمدت علم صورة الحسين وبجواره اضرحة شخصيات هامة، منها عبد القادر الحسيني وشخصيات إسلامية وعربية أخرى، وما زالت عائلة العفيفي المقدسية تتوارث سدانة ضريح الشريف حسين
لم يكن يعرف الشريف لغة أهل المكان، اليونانية، وكان يعيش في إقامة جبرية رغم كبر سنه، وقد وصف الحاكم البريطاني هناك، 'رونالد ستور' ما عانى الشريف وفي مذكراته (لم يكن الشريف في قبرص معروفاً من أحد وكان بالنسبة للموظفين الكبار في الجزيرة بمثابة سجين).
أنزلوه في غرفة صغيرة في التسوية بالأجرة، لم يكن معه سوى إبنه الأمير زيد أصغر ابنائه، وهو والد الأمير رعد، وكان الامير يعيش حياة صعبة مع والده، يرعاه ويقرأ له بصوت مرتفع وتعليقات في كتاب صحيح البخاري، كان الشريف الحسين يحب أن يقرأ فيه شروحاً وتعليقات، ويقرأ له .
اصيب بالنزيف وبقي مستلقياً على فراشه، كما يقول المؤرخ، أبو الحسن الندوي في كتابه مذكرات سائح، 'إن الشريف حسين قبل موته بأيام كان مستلقياً على فراش المرض، فقال لأبنه عبد الله، أجلسني، فلما أجلسه وأخذ يده، قال يا عبد الله يا ولدي، إحذر من الانجليز ولا تثق بهم، وأنظر ماذا فعلوا بأبيك'!
رحل الشريف حسين في مثل هذا الشهر في 4 حزيران عام 1931، في قصر رغدان، وانفذت وصيته بدفنه في القدس، فقد أصر أكثر أعيان القدس ووجهائها على ذلك، وهو الذي تبرع بمال كثير لإعمار مسجدها منذ أن كان أميراً في مكة، وقد زاروه لذلك وأخذوا التبرع منه، ولما مرض الشريف أعاده الملك فيصل من قبرص الى عمان.
كان قد وصل الى عمان قبل رحيله بأيام، وتوفي وهو محبط وغاضب مما آل اليه وضع الأمة، ومن غدر الانجليز به وتآمرهم عليه، والشريف حسين لم ينصف ولم يقرأ قراءة موضوعية ، تنهض من الوقائع لتصنفه مدافعاً عن الحقوق العربية التي قضي في سبيلها.
لم يشهد زمن الحسين جنازة من قبل بنفس ضخامة وهيبة جنازته وتوديعه، فقد كانت مسيرة جنازته الى القدس تملأ الطريق من عمان الى القدس، وقد خرجت له الناس من كل حدب وصوب، خروج البصرة للحسن البصري كما يقال، وقد ركب الناس الدواب من خيل وحمير وعربات وسيارات الى القدس، وفي فلسطين، خرجت له فلسطين على بكرة ابيها لتستقبله وتودعه، وقد جاءت وفود وشخصيات هامة عالمية واسلامية وعربية لتشارك في تشيعيه.
وقد كتب أمير الشعراء، أحمد شوقي، قصيدة جميلة، يرثي فيها الشريف الحسين، وقد قرئت على قبره في المسجد الأقصى وهي من 49 بيتاً منها:
وغير شوقي، كثيرون كتبوا عنه شعراً ومقالات أعطته حقه.
لَكَ في الأَرضِ وَالسَماءِ مَآتِم
قامَ فيها أَبو المَلائِكِ هاشِم
قَعدَ الآلُ لِلعَزاءِ وَقامَت
باكِياتٍ عَلى الحُسَينِ الفَواطِم
يا أَبا العِليَةِ البَهاليلِ سَل
آباءَكَ الزُهرَ هَل مِنَ المَوتِ عاصِم
المَنايا نَوازِلُ الشَعَرِ الأَبيض
جاراتُ كُلِّ أَسوَدَ فاحِم
ما اللَيالي إِلّا قِصارٌ وَلا الدُن
يا سِوى ما رَأَيتَ أَحلامَ نائِم
اِنحِسارُ الشِفاهِ عَن سِنِّ جَذلا
نَ وَراءَ الكَرى إِلى سِنِّ نادِم
سَنَةٌ أَفرَحَت وَأُخرى أَساءَت
لَم يَدُم في النَعيمِ وَالكَربِ حالِم
المَناحاتُ في مَمالِكِ أَبنا
ئِكَ بَدرِيَّةُ العَزاءِ قَوائِم
تِلكَ بَغدادُ في الدُموعِ وَعَمّا
نُ وَراءَ السَوادِ وَالشامُ واجِم
وَالحِجازُ النَبيلُ رَبعٌ مُصَلٍّ
مِن رُبوعِ الهُدى وَآخَرُ صائِم
وَاِشتَرَكنا فَمِصرُ عَبرى وَلُبنا
نُ سَكوبُ العُيونِ باكي الحَمائِم
قُم تَأَمَّل بَنيكَ في الشَرقِ زَينُ ال
تاجِ مِلءُ السَريرِ نورُ العَواصِم
الزَكِيّونَ عُنصُراً مِثلَ إِبرا
هيمَ وَالطَيِّبونَ مِثلَ القاسِم
وَعَلَيهِم إِذا العُيونُ رَمَتهُم
عُوَذٌ مِن مُحَمَّدٍ وَتَمائِم
قَد بَنى اللَهُ بَيتَهُم فَهوَ باقٍ
ما بَنى اللَهُ ما لَهُ مِن هادِم
دَبَّروا المُلكَ في العِراقِ وَفي الشا
مِ فَسَنّوا الهُدى وَرَدّوا المَظالِم
أَمِنَ الناسُ في ذَراهُم وَطابَت
عَرَبُ الأَرضِ تَحتَهُم وَالأَعاجِم
وَبَنوا دَولَةً وَراءَ فِلَسطي
نَ كَعابَ الهُدى فَتاةَ العَزائِم
ساسَها بِالأَناةِ أَروَعُ كَالدا
خِلِ ماضي الجِنانِ يَقظانُ حازِم
قُبرُصٌ كانَتِ الحَديدَ وَقَد تَن
زِلُ قُضبانَهُ اللُيوثُ الضَراغِم
كَرِهَ الدَهرُ أَن يَقومَ لِواءٌ
تُحشَرُ البيدُ تَحتَهُ وَالعَمائِم
قُم تَحَدَّث أَبا عَلِيٍّ إِلَينا
كَيفَ غامَرتَ في جِوارِ الأَراقِم
قال لي صديق بضرورة الكتابة عن هذا اليوم، يوم الثورة العربية الكبرى، فقلت له كنت أصدرت كتاباً عن المناسبة بعنوان 'الثورة العربية الكبرى طريق النهوض ودرب الشهادة'، والذي رعى اشهاره سمو الأمير علي بن الحسين، في أمانة عمان في 15 / 2 / 2016، ولا اعتقد أنه يمكنني اضافة جديد، فقال لا بد أن هناك اشياء لم تكتبها، قد تكون ممتعة للقارئ، فقلت نعم هناك ما يتعلق بحياة الراحل المنقذ الأعظم مفجر الثورة، الحسين بن علي، فقد رحل مقهوراً،
لقد نفي الشريف الحسين من وطنه بعد ان تمسك بمواقفه وخدعه الغربيين في مراسلات الحسين مكماهون، وأنهم لم يدعموه كما وعدوا، بل وقفوا ضده، وكانت النتائج خروجه، كما أنهم منعوه من استكمال أخذ البيعة له في العقبة، سلطاناً وأميراً للمؤمنين بعد أن سقطت الخلافة العثمانية، ويومها، أقبل أهل العقبة على بيعته وهناك وثيقة تحمل اسماء وجهاء وعشائر عقباوية وأردنية موقعة على الوثيقة.
كان إبعاد الحسين الى قبرص بطائرة بريطانية، صدمة، فالرجل، التقي البسيط كان يدرك أنه يمكن لتعامله مع الانجليز أن يقود الى بناء مملكة عربية واسعة ممتدة حتى جبال طوروس، وتضمن كل الشرق العربي كدولة عربية متحرررة من التتريك.
عاش الحسين في المنفى، ست سنوات صعبة، كان يعاني فيها عزلة وفقرا إذ لا مال لديه وعدم قدرة على التكيف، وتعرض لمؤامرات وغدر
كان منفاه عام 1926، وقد تسبب سوء المسكن في اصابته بأمراض نقل على اثرها مريضاً الى عمان ليتوفى في قصر رغدان، ثم أنفذت وصيته ليدفن في القدس، بإلحاح من أعيان القدس وقد ووري ثراه فيها، وقد زرت الضريح عام 2010،ومكتوب عليه اسمه وصورة علم الثورة العربية الكبرى، وهو مكونات علم فلسطين التي اعتمدت علم صورة الحسين وبجواره اضرحة شخصيات هامة، منها عبد القادر الحسيني وشخصيات إسلامية وعربية أخرى، وما زالت عائلة العفيفي المقدسية تتوارث سدانة ضريح الشريف حسين
لم يكن يعرف الشريف لغة أهل المكان، اليونانية، وكان يعيش في إقامة جبرية رغم كبر سنه، وقد وصف الحاكم البريطاني هناك، 'رونالد ستور' ما عانى الشريف وفي مذكراته (لم يكن الشريف في قبرص معروفاً من أحد وكان بالنسبة للموظفين الكبار في الجزيرة بمثابة سجين).
أنزلوه في غرفة صغيرة في التسوية بالأجرة، لم يكن معه سوى إبنه الأمير زيد أصغر ابنائه، وهو والد الأمير رعد، وكان الامير يعيش حياة صعبة مع والده، يرعاه ويقرأ له بصوت مرتفع وتعليقات في كتاب صحيح البخاري، كان الشريف الحسين يحب أن يقرأ فيه شروحاً وتعليقات، ويقرأ له .
اصيب بالنزيف وبقي مستلقياً على فراشه، كما يقول المؤرخ، أبو الحسن الندوي في كتابه مذكرات سائح، 'إن الشريف حسين قبل موته بأيام كان مستلقياً على فراش المرض، فقال لأبنه عبد الله، أجلسني، فلما أجلسه وأخذ يده، قال يا عبد الله يا ولدي، إحذر من الانجليز ولا تثق بهم، وأنظر ماذا فعلوا بأبيك'!
رحل الشريف حسين في مثل هذا الشهر في 4 حزيران عام 1931، في قصر رغدان، وانفذت وصيته بدفنه في القدس، فقد أصر أكثر أعيان القدس ووجهائها على ذلك، وهو الذي تبرع بمال كثير لإعمار مسجدها منذ أن كان أميراً في مكة، وقد زاروه لذلك وأخذوا التبرع منه، ولما مرض الشريف أعاده الملك فيصل من قبرص الى عمان.
كان قد وصل الى عمان قبل رحيله بأيام، وتوفي وهو محبط وغاضب مما آل اليه وضع الأمة، ومن غدر الانجليز به وتآمرهم عليه، والشريف حسين لم ينصف ولم يقرأ قراءة موضوعية ، تنهض من الوقائع لتصنفه مدافعاً عن الحقوق العربية التي قضي في سبيلها.
لم يشهد زمن الحسين جنازة من قبل بنفس ضخامة وهيبة جنازته وتوديعه، فقد كانت مسيرة جنازته الى القدس تملأ الطريق من عمان الى القدس، وقد خرجت له الناس من كل حدب وصوب، خروج البصرة للحسن البصري كما يقال، وقد ركب الناس الدواب من خيل وحمير وعربات وسيارات الى القدس، وفي فلسطين، خرجت له فلسطين على بكرة ابيها لتستقبله وتودعه، وقد جاءت وفود وشخصيات هامة عالمية واسلامية وعربية لتشارك في تشيعيه.
وقد كتب أمير الشعراء، أحمد شوقي، قصيدة جميلة، يرثي فيها الشريف الحسين، وقد قرئت على قبره في المسجد الأقصى وهي من 49 بيتاً منها:
وغير شوقي، كثيرون كتبوا عنه شعراً ومقالات أعطته حقه.
التعليقات