سوالف

اكتئاب الصيف: بين وهج الشمس وظلال النفس .. لماذا تعاني النساء أكثر؟

اكتئاب الصيف: بين وهج الشمس وظلال النفس ..  لماذا تعاني النساء أكثر؟

للعلّم - بينما يرى الكثيرون في الصيف فصل السعادة والانطلاق، يختبر آخرون شعورًا مغايرًا تمامًا. فبدلًا من البهجة والرحلات، يعاني البعض من تقلبات نفسية حادة تُعرف بـ"اكتئاب الصيف"، وهو شكل غير شائع من الاكتئاب الموسمي الذي يرتبط بفصل الحر. والغريب أن هذه الحالة تؤثر على النساء بنسبة أكبر، مما يثير التساؤلات حول أسباب ذلك. في هذا المقال، نغوص في أعماق هذه الظاهرة، نكشف حقيقتها، ونتأمل في الأسباب التي تجعل المرأة أكثر عُرضة لها.

ما هو اكتئاب الصيف؟

اكتئاب الصيف هو نوع من أنواع الاضطراب العاطفي الموسمي (Seasonal Affective Disorder - SAD)، لكنه، وعلى عكس الصورة النمطية المرتبطة بفصل الشتاء، يظهر في أوج الحرارة، بين شهري يونيو وأغسطس عادة. يعاني فيه المصابون من أعراض نفسية وجسدية تؤثر على نمط حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والمهنية.

أعراض اكتئاب الصيف

تشمل الأعراض المميزة لاكتئاب الصيف:

القلق المستمر والتوتر

الأرق وصعوبة في النوم

انخفاض الشهية وفقدان الوزن

التهيج والعصبية

الإحساس بالضيق بدون سبب واضح

الشعور بالوحدة أو العزلة رغم التواجد الاجتماعي

فقدان المتعة في الأنشطة التي كانت تُعتبر ممتعة

ورغم أن هذه الأعراض قد تتداخل مع أنواع أخرى من الاكتئاب، فإن توقيتها الموسمي يعزز احتمال كونها مرتبطة بالصيف تحديدًا.

لماذا النساء أكثر عرضة لاكتئاب الصيف؟

تتعدد الأسباب النفسية، البيولوجية، والاجتماعية التي تجعل المرأة أكثر عرضة لاكتئاب الصيف، ومن أبرزها:

1. الضغوط المجتمعية المرتبطة بالمظهر
الصيف يعني ملابس خفيفة، صور على الشواطئ، وضغط غير مباشر لمطابقة معايير "الجمال الصيفي". بالنسبة لكثير من النساء، يخلق هذا عبئًا نفسيًا كبيرًا، خاصة في ظل ثقافة تُفرط في التركيز على الشكل الخارجي.

2. الهرمونات والتقلبات المزاجية
تلعب الهرمونات الأنثوية دورًا محوريًا في المزاج. ومع التغيرات التي تحدث خلال الدورة الشهرية أو اضطرابات الهرمونات مثل متلازمة تكيس المبايض، قد يكون الصيف بمؤثراته الخارجية عاملًا محفزًا لاختلال التوازن النفسي.

3. قلة النوم والتعب الحراري
الحرارة المرتفعة والرطوبة تزعج نظام النوم الطبيعي، وهو عامل أساسي في الاستقرار النفسي. وبما أن النساء أكثر حساسية للحرارة والأرق، فإن اضطراب النوم قد يكون مدخلًا لاكتئاب صيفي خفي.

4. الأدوار الاجتماعية والرعاية المستمرة
خلال العطل الصيفية، تتحمل الكثير من النساء عبء العناية بالأطفال، التخطيط للرحلات، وتنظيم الأنشطة المنزلية، مما يؤدي إلى الإرهاق العقلي والجسدي، وخصوصًا إن لم يكن هناك دعم كافٍ.

5. الاختلال في التوازن الداخلي
في فصل الصيف، تقل أحيانًا فرص العزلة والتأمل الذاتي، وهو ما تحتاجه بعض النساء لإعادة شحن أنفسهن. الأجواء الصاخبة والأنشطة المستمرة قد تخلق شعورًا بالضغط والتشتت.

هل هناك عوامل بيولوجية وراء اكتئاب الصيف؟

تشير بعض الدراسات إلى أن الاكتئاب الصيفي قد يرتبط بزيادة التعرض للضوء، مما يؤدي إلى انخفاض في هرمون الميلاتونين (المسؤول عن النوم) واضطراب في إيقاع الساعة البيولوجية. كذلك قد تؤدي زيادة درجات الحرارة إلى انخفاض الشهية واضطرابات النوم، وهي عوامل تؤثر مباشرة على الحالة النفسية.

كيف يمكن التعامل مع اكتئاب الصيف؟

رغم كونه مزعجًا، إلا أن اكتئاب الصيف يمكن التعايش معه والتخفيف من حدته من خلال عدة خطوات:

الوعي الذاتي: التعرف على الأعراض ومراقبة المزاج بشكل منتظم.

الاعتدال في النشاطات: الابتعاد عن الضغط الزائد في الترتيبات الصيفية والاهتمام بالراحة النفسية.

تنظيم النوم: محاولة تثبيت وقت النوم والاستيقاظ وتجنب الشاشات قبل النوم.

التغذية الصحية: تناول وجبات متوازنة تعوض فقدان الشهية وتمنح الطاقة.

طلب الدعم: سواء من العائلة أو من مختص نفسي، فالدعم عنصر أساسي في التغلب على هذه الحالة.

البقاء في أماكن معتدلة الحرارة: استخدام المكيفات أو التواجد في أماكن مريحة كلما أمكن.

ممارسة التأمل أو اليوغا: للحد من التوتر وتهدئة الأفكار.

خاتمة

اكتئاب الصيف هو تذكير قوي بأن الضوء لا يطرد دائمًا الظلام، فحتى في ذروة النهار، يمكن أن تسكن الروح في ظلال من الحزن. وهو أيضًا دعوة لفهم النفس باحترام، ولإعطاء المشاعر مساحة للتعبير حتى في مواسم يُفترض أنها مبهجة. بالنسبة للمرأة، فإن الاعتراف بما تمر به، والسماح لنفسها بالراحة والدعم، هو فعل قوة وليس ضعفًا.