أسرار الآية 11 من سورة فصلت: ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ …
للعلّم - أسرار الآية 11 من سورة فصلت
الآية (11) من سورة فُصِّلَت هي قول الله تعالى:
“ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ“
معنى الآية باختصار
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ:
الاستواء في القرآن يأتي بمعانٍ مختلفة بحسب السياق. والمقصود هنا هو توجه قدرة الله تعالى وإرادته إلى خلق السماء وتسويتها بعد أن خُلِقت الأرض.
و(ثُمَّ) تدل على الترتيب الزمني أو المعنوي، فيكون المعنى: بعدما خُلقَت الأرضُ ومهدت، توجه الله تعالى إلى خلق السماء وإتمامها على ما أراده سبحانه.
وَهِيَ دُخَانٌ:
الدخان في أصل اللغة: ما يتصاعد من الاحتراق، أو ما يشبهه من الضباب أو الغاز الكثيف.
المفسرون القدماء ذكروا أنها كانت على هيئة ضبابٍ أو غمامٍ أو بخارٍ كثيف أو مادة غازية لم تتماسك بعد، وهو وصفٌ للسماء في بداية الخلق قبل أن تتشكل بصورتها المعهودة.
بعض المفسرين المعاصرين يشيرون إلى أن لفظ “الدخان” ينسجم مع النظرية العلمية الحديثة التي تقول إن الكون (ومن ضمنه السماء) بدأ على هيئة مادة غازية أو سديم كوني (Nebula) قبل أن تتجمع وتتكون الأجرام والسماوات.
فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ: ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا:
الخطاب موجَّه للسماء وللأرض معًا؛ وهو خطابُ تكوينٍ وسُلطةٍ إلهية، بمعنى: انقادا لأمري وخطتي في الخلق والتدبير، سواء شئتما أم أُكرهتما؛ فالخلق كلُّه مُنساقٌ لإرادة الله.
قد يُفهم من قوله “طوعًا أو كرهًا” أنّه لا مهرب من الانقياد، وهو يبرز مطلق قدرة الله تعالى وسلطانه على الكون.
قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ:
يدلّ على الامتثال التام لأمر الله تعالى من قبل السماء والأرض.
ذَكَر بعض المفسرين أن مجرّد التعبير “قالتا” هو من باب تصوير الطاعة والامتثال، وليس أنّ السماء والأرض نطقتا نطقًا حِسِّيًّا؛ بل هو بيانٌ للتسخير والطاعة المطلقة.
أهم ما ذكره المفسرون
ابن جرير الطبري:
تركز على ظواهر اللفظ أنّ السماء كانت دخانًا بالفعل، وأن معنى “استوى إلى السماء” أي أنه اتجه بإرادته وقدرته إلى تسويتها.
وفسّر “طوعًا أو كرهًا” أي راضيًا أو غير راض، وأنهما جاءتا معًا مستجيبتين.
ابن كثير:
يشير إلى أنّ الله خلق الأرض أولاً، ثم خلق السماوات من هذا الدخان.
يُورد رواياتٍ عن ابن عباس وغيره، تفيد أنّ الأرض خُلِقت ثم تصاعد من الماء أو من الكتلة الأولى دخانٌ تشكّلت منه السماوات.
القرطبي:
يرى أن الآية تحمل دلالة على تكوينٍ ابتدائيٍّ للسماء حين كانت في حالة دخان أو ضباب كثيف قبل إكمال خلقها على النحو الذي نراه.
يبيّن أنّ “طوعًا أو كرهًا” تعني إرادةً أو إجبارًا، وكله خاضعٌ لأمر الله.
الرازي:
يتطرّق إلى بُعد فلسفي، فيبيّن أن “الدخان” أصلٌ لمادة السماء، وأن هذا الأمر فيه دلالةٌ على التدرج في الخلق والتكوين.
يتوسّع في بيان قدرة الله على خلق المادة الأولى للكون وتسخيرِها كيف يشاء.
أسرار ودلالات مستنبطة من الآية
إظهار عظمة الخالق في بديع التكوين
الآية تصف كيف خلق الله السماوات والأرض من مادة أولية “الدخان”، فتتجلى قدرة الله التي لا تُحَدّ في تحويل المادة البسيطة إلى خلقٍ عظيمٍ منظم.
الدلالة على بداية الكون الموحّدة
تشير الآية إلى أنّ السماوات والأرض كانتا في بدايتهما على هيئةٍ واحدة أو مادة مشتركة قبل أن يتمايزا ويتشكلا (وهي إشارة تتناغم مع قوله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾).
هذا ينسجم مع ما اكتشفه العلماء من أن الكون بدأ بمادة واحدة شديدة الكثافة والحرارة، ثم تمددت وتكوّنت منها الأجرام والنجوم والمجرات.
توضيح مفهوم التسخير والطاعة الكونية
الآية تبرز مبدأ خضوع الوجود كله لخالقه، وأنه مخلوقٌ مُسخَّر لأمره. وهذا يوضح أن كل ما في الكون لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، بل يستجيب لها.
سر اختيار لفظ الدخان
لفظ الدخان يحمل معاني الكثافة والبخار والضبابية التي تسبق التكون الواضح. ولعل اختيار هذا اللفظ فيه دلالة بلاغية على سيولة المادة الاولى للكون، وانها كانت قادرة على التشكل بحسب مراد الله.
التوافق مع الاشارات العلمية المعاصرة
كثير من المفسرين يشيرون الى توافق الآية مع الحقائق الكونية التي اكتشفت عن مراحل نشأة السماوات والارض (كالسدم الكونية). ومهما تنوعت التفاصيل العلمية، فالآية تظل وحيا الهيا يوضح أصل الخلق دون الدخول في الصيغ الدقيقة التي يختلف فيها اهل العلم مع تطور الاكتشافات.
ترسيخ الإيمان بالغيب
رغم الإشارات العلمية، فإن الآية تعزز الجانب الإيماني بشأن الألوهية المطلقة لله، وتبين أنه مبدع الكون ومدبره، وأن على الانسان أن يستحضر هذه الحقائق في تعظيم الله والثقة بوعده وأمره.
الآية (11) من سورة فُصِّلَت هي قول الله تعالى:
“ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ“
معنى الآية باختصار
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ:
الاستواء في القرآن يأتي بمعانٍ مختلفة بحسب السياق. والمقصود هنا هو توجه قدرة الله تعالى وإرادته إلى خلق السماء وتسويتها بعد أن خُلِقت الأرض.
و(ثُمَّ) تدل على الترتيب الزمني أو المعنوي، فيكون المعنى: بعدما خُلقَت الأرضُ ومهدت، توجه الله تعالى إلى خلق السماء وإتمامها على ما أراده سبحانه.
وَهِيَ دُخَانٌ:
الدخان في أصل اللغة: ما يتصاعد من الاحتراق، أو ما يشبهه من الضباب أو الغاز الكثيف.
المفسرون القدماء ذكروا أنها كانت على هيئة ضبابٍ أو غمامٍ أو بخارٍ كثيف أو مادة غازية لم تتماسك بعد، وهو وصفٌ للسماء في بداية الخلق قبل أن تتشكل بصورتها المعهودة.
بعض المفسرين المعاصرين يشيرون إلى أن لفظ “الدخان” ينسجم مع النظرية العلمية الحديثة التي تقول إن الكون (ومن ضمنه السماء) بدأ على هيئة مادة غازية أو سديم كوني (Nebula) قبل أن تتجمع وتتكون الأجرام والسماوات.
فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ: ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا:
الخطاب موجَّه للسماء وللأرض معًا؛ وهو خطابُ تكوينٍ وسُلطةٍ إلهية، بمعنى: انقادا لأمري وخطتي في الخلق والتدبير، سواء شئتما أم أُكرهتما؛ فالخلق كلُّه مُنساقٌ لإرادة الله.
قد يُفهم من قوله “طوعًا أو كرهًا” أنّه لا مهرب من الانقياد، وهو يبرز مطلق قدرة الله تعالى وسلطانه على الكون.
قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ:
يدلّ على الامتثال التام لأمر الله تعالى من قبل السماء والأرض.
ذَكَر بعض المفسرين أن مجرّد التعبير “قالتا” هو من باب تصوير الطاعة والامتثال، وليس أنّ السماء والأرض نطقتا نطقًا حِسِّيًّا؛ بل هو بيانٌ للتسخير والطاعة المطلقة.
أهم ما ذكره المفسرون
ابن جرير الطبري:
تركز على ظواهر اللفظ أنّ السماء كانت دخانًا بالفعل، وأن معنى “استوى إلى السماء” أي أنه اتجه بإرادته وقدرته إلى تسويتها.
وفسّر “طوعًا أو كرهًا” أي راضيًا أو غير راض، وأنهما جاءتا معًا مستجيبتين.
ابن كثير:
يشير إلى أنّ الله خلق الأرض أولاً، ثم خلق السماوات من هذا الدخان.
يُورد رواياتٍ عن ابن عباس وغيره، تفيد أنّ الأرض خُلِقت ثم تصاعد من الماء أو من الكتلة الأولى دخانٌ تشكّلت منه السماوات.
القرطبي:
يرى أن الآية تحمل دلالة على تكوينٍ ابتدائيٍّ للسماء حين كانت في حالة دخان أو ضباب كثيف قبل إكمال خلقها على النحو الذي نراه.
يبيّن أنّ “طوعًا أو كرهًا” تعني إرادةً أو إجبارًا، وكله خاضعٌ لأمر الله.
الرازي:
يتطرّق إلى بُعد فلسفي، فيبيّن أن “الدخان” أصلٌ لمادة السماء، وأن هذا الأمر فيه دلالةٌ على التدرج في الخلق والتكوين.
يتوسّع في بيان قدرة الله على خلق المادة الأولى للكون وتسخيرِها كيف يشاء.
أسرار ودلالات مستنبطة من الآية
إظهار عظمة الخالق في بديع التكوين
الآية تصف كيف خلق الله السماوات والأرض من مادة أولية “الدخان”، فتتجلى قدرة الله التي لا تُحَدّ في تحويل المادة البسيطة إلى خلقٍ عظيمٍ منظم.
الدلالة على بداية الكون الموحّدة
تشير الآية إلى أنّ السماوات والأرض كانتا في بدايتهما على هيئةٍ واحدة أو مادة مشتركة قبل أن يتمايزا ويتشكلا (وهي إشارة تتناغم مع قوله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾).
هذا ينسجم مع ما اكتشفه العلماء من أن الكون بدأ بمادة واحدة شديدة الكثافة والحرارة، ثم تمددت وتكوّنت منها الأجرام والنجوم والمجرات.
توضيح مفهوم التسخير والطاعة الكونية
الآية تبرز مبدأ خضوع الوجود كله لخالقه، وأنه مخلوقٌ مُسخَّر لأمره. وهذا يوضح أن كل ما في الكون لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، بل يستجيب لها.
سر اختيار لفظ الدخان
لفظ الدخان يحمل معاني الكثافة والبخار والضبابية التي تسبق التكون الواضح. ولعل اختيار هذا اللفظ فيه دلالة بلاغية على سيولة المادة الاولى للكون، وانها كانت قادرة على التشكل بحسب مراد الله.
التوافق مع الاشارات العلمية المعاصرة
كثير من المفسرين يشيرون الى توافق الآية مع الحقائق الكونية التي اكتشفت عن مراحل نشأة السماوات والارض (كالسدم الكونية). ومهما تنوعت التفاصيل العلمية، فالآية تظل وحيا الهيا يوضح أصل الخلق دون الدخول في الصيغ الدقيقة التي يختلف فيها اهل العلم مع تطور الاكتشافات.
ترسيخ الإيمان بالغيب
رغم الإشارات العلمية، فإن الآية تعزز الجانب الإيماني بشأن الألوهية المطلقة لله، وتبين أنه مبدع الكون ومدبره، وأن على الانسان أن يستحضر هذه الحقائق في تعظيم الله والثقة بوعده وأمره.