مجتمعات

54 بالمئة من صيادلة المجتمع لا يوثقون التفاعلات الدوائية في الأردن

54 بالمئة من صيادلة المجتمع لا يوثقون التفاعلات الدوائية في الأردن

للعلّم -
- دراسة تكشف الفجوة

- بلعاوي: نحتاج لإصلاح البنية المعلوماتية

- تدريب الصيدلي لا يغني عن تمكينه

كشفت دراسة وطنية جديدة عن تفاوت كبير في مستوى التوثيق والمتابعة بين صيادلة المستشفيات وصيادلة المجتمع في المملكة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع التفاعلات الدوائية الخطرة.

وأظهرت الدراسة، التي حصلت عليها "الرأي" ونُشرت في مجلة Pharmacy العلمية المحكّمة، أن 54 بالمئة من صيادلة المجتمع لا يوثقون الأخطاء أو التفاعلات الدوائية التي يكتشفونها أثناء عملهم اليومي، مما يفتح باب التساؤلات حول سلامة المرضى واستمرارية الرعاية، خصوصًا في ظل غياب سجل رسمي يوثق هذه الإجراءات.

وتُعد الدراسة الأولى من نوعها على المستوى الوطني، وحملت عنوان: "إدارة التفاعلات الدوائية بين الصيادلة في الأردن: مسح مقارن وطني"، وقادها الباحث الدكتور ضرار بلعاوي، أستاذ العلاج الدوائي السريري، بالشراكة مع عدد من الباحثين الأردنيين، بهدف فهم أحد الأسباب الرئيسية للأخطاء الطبية التي يمكن الوقاية منها وتحليل كيفية تعامل الصيادلة معها.

وأجرى الباحثون دراسة مقطعية وطنية، شملت 380 صيدلانيا مرخصا، منهم 175 من المستشفيات، و205 من صيدليات المجتمع، حيث قيّمت الدراسة بدقة كل شيء، بدءا من المعرفة الموضوعية بالتفاعلات الدوائية والمواقف المهنية، وصولا إلى الممارسات اليومية والعوائق التي تحول دون قيامهم بعملهم على أكمل وجه.

ورغم أن 96 بالمئة من الصيادلة، سواء في المستشفيات أو في صيدليات المجتمع، أكدوا أن التحقق من التفاعلات الدوائية هو جزء أساسي من مسؤولياتهم المهنية، إلا أن الممارسات الواقعية تعكس صورة مختلفة، خاصة في قطاع الصيدليات المجتمعية.

وأظهرت الدراسة أن 75 بالمئة من صيادلة المستشفيات يوثقون التفاعلات الدوائية والإجراءات المتخذة بشكل منتظم، مقابل 45.4 بالمئة فقط من صيادلة المجتمع، بينما اعترف الباقون بأنهم لا يوثقون بشكل منتظم أو لا يوثقون إطلاقا.

من جهته، اعتبر الدكتور بلعاوي في تصريح لـ"الرأي"، أن غياب التوثيق يعني أن أي معلومات مهمة حول تفاعلات دوائية أو أخطاء سابقة قد تُفقد بمجرد أن ينتقل المريض إلى صيدلية أخرى أو يزور طبيبا جديدا، مما يعرّضه لمخاطر متكررة دون وجود سجل مرجعي يساعد على حمايته.

وترجع الدراسة هذا التفاوت إلى اختلاف جذري في بيئة العمل بين صيدليات المجتمع والمستشفيات، حيث يواجه صيادلة المجتمع عائقا أساسيا يتمثل في "غياب المعلومات الكاملة عن المرضى".

وأشار بلعاوي إلى أن 85.4 بالمئة منهم لا يملكون إمكانية الوصول إلى السجل الطبي للمريض أو إلى نتائج الفحوصات، ويضطرون للاعتماد على ذاكرة المريض أو معلومات مجتزأة، ما يجعل التوثيق والتقييم الدقيق للتفاعلات أمرا شبه مستحيل.

في المقابل، أوضح أن صيادلة المستشفيات يعملون ضمن فرق طبية متعددة التخصصات، ولديهم عادة وصول مباشر إلى السجلات الطبية، لكنهم يعانون من ضغوط العمل الشديدة، وقلة الوقت، ومقاومة بعض الأطباء لتدخلهم، وهو ما يعيقهم عن أداء دورهم الكامل في ضمان سلامة الدواء.

وكانت إحدى النتائج المهمة للدراسة في اختبار المعرفة السريرية، الذي تضمن 15 سيناريو عمليًا لتفاعلات دوائية شائعة، حيث حصل صيادلة المستشفيات على معدل 10.3/15، بينما حصل صيادلة المجتمع على معدل 8.1/15 فقط، فيما كان التفاوت أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالتفاعلات المرتبطة بالأدوية المتاحة دون وصفة (OTC)، وهو ما يعكس ضعفًا في تدريب صيادلة المجتمع في هذا المجال الحيوي.

وترى الدراسة أن الفجوة الحالية ليست نتيجة فشل فردي، بل تعكس نقصًا مؤسسيًا واضحًا، مما يتطلب تدخلات مخصصة لكل بيئة عمل.

وأظهرت، بالنسبة لصيدليات المجتمع، أن هناك حاجة إلى نظام معلومات صحي وطني آمن ومتكامل، يمكّن الصيدلي من الوصول إلى بيانات المريض الأساسية، بالإضافة إلى إدراج صيادلة المجتمع في برامج تدريب سريري مستمر.

أما في المستشفيات، فهناك حاجة للتركيز على تحسين التواصل المهني بين الصيادلة وباقي الفريق الطبي، وتطوير أنظمة دعم القرار الصيدلاني لتقليل "إرهاق التنبيهات" وزيادة دقة التحذيرات.

وأوضح بلعاوي أن هذه الدراسة تُعد نقطة انطلاق مهمة نحو إصلاح بيئة الممارسة الصيدلانية في الأردن، بما يضمن سلامة المرضى، ويوحد معايير التقييم والمتابعة، فالصيادلة، كما تثبت الدراسة، يمتلكون الوعي والمسؤولية المهنية، لكنهم بحاجة إلى أدوات، ونظام، ودعم مؤسسي لتطبيق ذلك على أرض الواقع.

وتابع: لا يمكن لوم الفرد، بل يجب إصلاح النظام، مشددًا على أن صيادلة الأردن ملتزمون، لكن لا يمكنهم العمل وحدهم.