وجهات نظر

الملكة .. ضوء وسط ظلام الصمت

الملكة ..  ضوء وسط ظلام الصمت


حين تحدثت جلالة الملكة رانيا أمام آلاف الطلبة في المكسيك عن غزة، لم تخاطب جمهوراً أكاديمياً عابراً، بل وقفت أمام مرآة العالم لتسألهم وبصوت الإنسانية، عن أي نوع من المجتمعات يمكنه أن يرى كل هذا الدمار بغزة ولا يرتجف؟ وأي مجتمع دولي هذا الذي قرر أن الصمت أهون من خسارة التحالفات، فما هي رسالة الملكة للعالم؟.

جلالة الملكة لم تستخدم لغة المجاملة، بل لغة الحقيقة المجردة التي قالت ان ما يجري في غزة ليس ملفاً سياسياً ولا بندا بمؤتمر، بل فضيحة أخلاقية مكتملة الأركان، وتحت انظار العالم الذي يقف "متفرجا" ليكون شريكا بصناعة الغموض حول جريمة مكشوفة، فالمنازل تسحق، والاطفال ُيجوّعون، والأطباء يعملون جوعى، والصحفيون يقتلون بلا حساب، بينما تختار دول كبرى أن تغض البصر لأن القاتل "حليف".

شرحت جلالة الملكة في كلمتها الكثير من المفاهيم المغلوطة وكشفت عن "عوار اخلاقي" عالمي، يكمن في أن هذه الوحشية لم تعد تُرتكب بالسلاح فقط، بل أيضا بالمفاهيم التي من أبرزها تحول القوة الاقتصادية كمعيار للتحضر، وحين تمنح بعض الدول حصانة أخلاقية لأنها غنية أو مؤثرة، يصبح القتل قابلا للتسويق، والمأساة قابلة للتأجيل،بحجة التحالف الاقتصادي .

حديث جلالة الملكة كان قاطعا، ويؤكد ان التنمية لا تقاس فقط بـ"ناطحات السحاب" و "نسب نمو" ، بل بالكيفية التي تتعامل فيها مع إنسان لا يملك شيئا سوى حياته، حيث ان العالم الغربي وبعض من يتبعه يحاولون اليوم أن يقنعونا، بأن التحضر مرادف للثراء، وأن القيادة تعني من يملك القوة فقط وليس من يتحمل المسؤولية، بالرغم من أن الأخلاق لا تقاس بالنفوذ، بل بمقدار الشجاعة على قول الحقيقة.

غزة في كلمة الملكة، لم تكن موضوع الخطاب، بل كانت مرآة تظهر كل ما تحاول "القوى الكبرى" إخفاءه خلف العبارات المتوازنة والبيانات الرمادية، ومن خلال هذه العدسة والمرآة،كشفت الملكة الطريقة التي يدار بها العالم اليوم عبر روايات معلبة، ومعايير مزدوجة، وإنسانية تفصَّل حسب الجغرافيا واللغة والدين.

الملكة لم تكتف بتشخيص الفشل الأخلاقي، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى تمجيد من رفضوا أن يكونوا جزءا من هذا الصمت، طلبة، شباب، نساء ورجال من دول مختلفة، قرروا أن الصوت المرتفع أحيانا أهم من الخبر العاجل، فهم لم ينتظروا بيانات أممية، بل تحركوا بدافع ضمير لم يُشَتَر، وبوصلة لم تنكسر، ووعي لم يخدعه التضليل.

خلاصة القول، جلالة الملكة في هذا الخطاب شّرحت الضمير العالمي وكشفته على حقيقته دون مجاملة من أجل ايصال الحقيقة وكشف ازدواجية المعايير القائمة على المصالح الاقتصادية والتحالفات غير الانسانية، لهذا فان هذا الخطاب أهم وأقوى ما يعبّر عن حقيقة العالم اليوم،فليس كل ما يعرض في نشرات الأخبار هو الحقيقة، وليس كل ما يقال في القمم هو الموقف.