وجهات نظر

وأخيرا مشروع بناء من رحم الأزمات

وأخيرا مشروع بناء من رحم الأزمات


كنا نقول: أين هي الرؤية الاقتصادية للحكومة؟.. والسؤال مشروع وحقيقي لأن الناس تهمها معيشتها وتفاصيل عيشها.

وحين كانت الحكومات تتحدث من خلال ناطقيها أو أي مؤسسة رسمية عن الاقتصاد والأرقام كانت التصريحات تصطدم بخيبة أمل الناس من كثرة البلاغة في التصريحات دون أي قياس حقيقي مبني على الأرقام، هذا غير الأسطوانة المشروخة دوما والعابرة لكل الحكومات السابقة ولازمتها التقليدية "الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص" والتي تم إفراد عشرات المؤتمرات والندوات وورشات العمل فيها حتى فقد القطاع الخاص نفسه الثقة بحدوث أي تغيير ينهض به ليكون جزءا من جهد الدولة كمفهوم جامع للكل.

سأسمح لنفسي كمراقب لكل عملية الإصلاح في الدولة منذ ثلاث سنوات، بالتفاؤل الواقعي والإيجابي للقادم من الأيام، بدون مبالغة أو آمال كبيرة تفوق القدرة التي تثبت نفسها فعلا.

هنالك رؤية اقتصادية للحكومة أخيرا. وضمن خطة عمل "سيتم إطلاقها قريبا جدا" مبنية على الأثر الرجعي والقياس الحقيقي الرقمي لا الإنشائيات والبلاغة في التصريحات.
وهذه الرؤية مؤسسة على علاقة واقعية مع القطاع الخاص، بمعنى أدق أنها ستكون "تكاملية" وليس شراكة وحسب، والتكاملية تعني قراءة عميقة واقعية مشتركة بإشراف الحكومة على العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وهذا يتطلب بالضرورة تشريعات جديدة او تعديلات تشريعية كبيرة وكثيرة تتوافق مع كل الورشة الضخمة للإصلاح في الدولة التي تضم الجميع.

فعليا، هناك مؤشرات أعانني على فهمها متخصصون في عالم المال والاقتصاد والأعمال تعكس ارتفاع منسوب الثقة في القطاع الخاص بالإجراءات الحكومية، ومنها حركة التداول في سوق عمان المالي والذي ارتفع فيه معدل التداول في الربع الثاني بزيادة على الربع الأول بنسبة 45 ٪، واللافت حسب أرقام التداول أن القطاع الصناعي صار يحمل مع قطاع البنوك "التقليدي" هذا الارتفاع، مما يعني ثقة استثمارية حقيقية تعكسها أرقام السوق نفسه، وهو ما يفيد في ترسيخ ثقافة الاستثمار والبناء عليها.

في الأخبار المتتابعة هناك قراءات صغيرة لكنها مؤثرة على كيفية تفكير الحكومة الحالية في البناء الاقتصادي الجديد، وهي أخبار لا تتلقفها المواقع الإخبارية ولا فضاء التواصل الاجتماعي والتي تتنافس كلها على تعظيم الفضائح وبناء الإشاعات عليها، ومن ذلك مثلا – وتلك ملاحظة شخصية- أن خبر انقطاع الكهرباء عن مستشفى الزرقاء وجد طريقه ليكون "ترند" الساعة مع أن الانقطاع لم يدم أكثر من دقائق وكان منطقيا مع موجة حر غير منطقية وغير مسبوقة بسبب ثقل الأحمال الكهربائية، لكن خبرا قبل شهرين تقريبا في القطاع الصحي المهم للناس، يتعلق باتفاقية غير مسبوقة بين الحكومة ومركز الحسين للسرطان استطاع ان يغطي 4 ملايين مستفيد من المواطنين لم يجد طريقه في عالم الفوضى الإعلامية الأردنية.

وكذلك، مثل غيري وهم كثر، تساءلت عن خبر بيع الأرقام الحكومية المميزة للوحات المركبات، لأعرف بعد تقص أن الأغلى منها سيكون ضمن مزاد علني في مطلع سبتمبر القادم وسيخصص عائداته لمشاريع مباشرة مثل صندوق دعم الطالب الذي يواجه تحديات تنعكس على آلاف الطلاب الأردنيين العفيفين المستفيدين منه.
الأمثلة ليست كثيرة حد المبالغة، لكن نوعية وترتفع يوما بعد يوم، وليس سهلا أن تقول بعد كل الأزمات المتتالية "شكرا للحكومة" لكنها "شكرا" مستحقة لأن هنالك أخيرا رؤية اقتصادية ملموسة ومشروع بناء حقيقي من رحم الأزمات.