ديني

حُكم الإستهزاء بالدين كفر أكبر مخرج من ملًة الإسلام

حُكم الإستهزاء بالدين كفر أكبر مخرج من ملًة الإسلام

للعلّم - حُكم الإستهزاء بالدين كفر بالله تعالى ويخرج من الملة في حال كان عن عمد.

الاستهزاء هو تجاوز يتضمن الاستخفاف أو السخرية سواءً من شيء أو شخص، يمكن تقسيمه إلى استهزاء يمكن أن يؤدي إلى الكفر، وآخر يمكن أن يؤدي إلى الفسق، ويعتبر كل منهما خطيرًا ولا ينبغي للإنسان أن يقع فيه، وقد قال العلماء إن استهزاء الشخص بأحكام الدين يعتبر كفرًا إذا كان مقصودًا ومعمدًا، وهذا يستند إلى قوله تعالى: “ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم” (التوبة: 65-66).

كما ذكر ابن قدامة في كتابه المغني: “من سب الله تعالى فإنه يعتبر كافرًا سواء كان في مزاح أو جدًا، وبالمثل من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه”، وهذا يؤكد لنا خطورة الاستهزاء بدين الله وعواقب الوقوع في ذلك.


وقد أشار العلماء الى ضروة أن يتحرى المؤمن الحذر الشديد ليبتعد عن الشرك أو شبهاته، حيث أن من دخل في الإسلام بقناعة لا يمكنه أن يخرج منه إلا بقناعة أيضًا، ومع ذلك لا ينبغي أن يكون الشخص مُرَاوِغًا في الشك والتردد بحيث يُعَزِّز الشك في نفسه في كل مرة يحدث فيها شيء، كما أن التكفير لا يكون سوى عن طريق علماء تجوز لهم الفتوى.


ما هو جزاء المستهزئين بالدين
تعد الآية الكريمة التي ذكرناها أحد النصوص المتواترة التي تحذر وتنهى بشدة عن التجاوز على الله عز وجل وكتابه، أو الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسنته الصحيحة، ويصبح المستهزئ بهذه الأمور كافرًا، ولا ينفعه أي عذر يقدمه بأنه كان يمزح أو يلعب أو ما شابه ذلك.

حيث تحمل هذه الآية تحذيرًا قاطعًا وتنبيهًا شديدًا، وتحمل تهديدًا عظيمًا لكل من يسيء التعامل مع الله عز وجل وآياته ورسوله، أو يستهزئ بحملة القرآن أو السنة بسبب ايمانهم بها، فلا يحق لأي عبد أن يستخف بهذه الأمور أو يتلاعب أو يستهين بها، لأن هذا القول أو الفعل يُعدُّ من أعظم أنواع الكفر التي تخرج الشخص من دائرة الإسلام، وتعقبها الندم والحسرة.


يقول العلماء في هذه الآية إن الاستهزاء بالله عز وجل يعتبر كفرًا مستقلاً بالإجماع، وكذلك الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعتبر كفرًا مستقلاً بالإجماع، كما يقول ابن القيم إن الهزل لا يعتبر عذرًا مقبولًا من الله ورسوله، بل يجب معاقبة المتجاوز، فإنه يستحق العقاب، ولاحظ أن الله يعذر المكره الذي يتكلم بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان، ولكنه لا يعذر المستهزئ، ويستدل الشافعية والحنابلة على أن الردة هي قطع الإسلام، وأنها تتمثل في نية الكفر، أو قطع الإسلام بسبب قول كفر أو فعل مكفر، وسواء قيل هذا القول باستهزاء أو عنادًا أو اعتقادًا.

وهذا هو حكم شرعي أقرَّه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بالنسبة لمن يرتكب مثل هذا السلوك إنه يستحق هذا الحكم بناءً على ما اقترفه، ويعتبر من أحكام الإسلام النافذة، كما قد بين العلماء هذه الأحكام في فصل الأحكام المتعلقة بالردة.


كيف ترد على من يستهزئ بالدين
إذا كان من يستهزئ بالدين مسلمًا، فمن الواجب نصحه، وذلك لأنه من المحتمل أن يكون غير مدرك لخطورة ما يقوله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن العبد ليتكلم بكلمة يُسخِط الله بها، لا يُلقِي لها بالًا، يهوي بها في النار”، وهذا حديث مروي عن البخاري، فيمكن ألا يكون ما يقوله استهزاءًا صريحًا أو إهانةً مباشرة، وقد يكون الرجل واحدًا من أكثر الناس حرصًا على دينه، ومع ذلك فقد ينزلق في مواضيع يستدعي بها ابتسامة الآخرين دون أن يكون على دراية تامة بذلك.


يقول الله تعالى في القرآن الكريم: “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ” (النور: 15،لذلك يجب تنبيه مثل هذا الشخص ونصحه، كما ينبغي أن يتم تقديم النصح سرًّا، حتى لا تكون نصيحتك سببًا في إصراره وتصلّبه على موقفه، مثلما قال الله في القرآن الكريم: “وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ” (البقرة: 206). فالنفس البشرية تميل إلى عدم قبول النصح أمام الآخرين.

أما في حال انتشار كلام الشخص المستهزئ يتطلب الرد عليه بإحدى الطرق التالية: إما مخاطبته بصراحة، أو تشر ما تنكر فيها عمومًا ما يقوله، ويجوز بسبب مخاوفنا من الآثار السلبية وتأثر الجهلة بالأقوال الخاطئة وسرعة انتشارها أن نكشف عن فساد قول الشخص ونرد عليه بطريقة مناسبة وملائمة للتوعية والإصلاح.


ما الفرق بين السخرية و الاستهزاء
الاستهزاء والسخرية هما نوعان من السخرية، ولكنهما يختلفان في بعض النقاط.

الاستهزاء هو عبارة عن التقليل من شخص دون أن يكون هناك سبب واضح للاستهزاء به، بمعنى آخر يمكن أن يتم استهزاء شخص ما بدون وجود سبب محدد يستند إليه هذا الاستهزاء، على سبيل المثال إذا قلت “استهزأت به”، فإنك تقوم بالاستهزاء بشخص ما دون أن يكون لديك سبب واضح ومحدد لذلك.


أما السخرية فتشير إلى السخرية من شخص ما بناءً على سلوك أو فعل سابق تم السخرية منه، بمعنى آخر يجب أن يكون هناك سبب واضح وقع السخرية بناءً على سلوك أو فعل معين، على سبيل المثال إذا قلت “سخرت منه”، فإن ذلك يعني أنك قمت بالسخرية من شخص ما بناءً على سلوك معين أو فعل قام به.

كما أن هناك اختلاف بين المزاح والاستهزاء، فالمزاح لا يقوم بتقليل قيمة الشخص الذي يتم مزاحه، ولا يتطلب الاعتقاد بتحقيره، فعلى سبيل المثال يمكن للشخص المزاح مع مديره أو زميله دون أن يكون هناك تقليل لهم أو اعتقاد بتحقيرهم، كما قد يتطلب المزاح احترامًا وتقديرًا للشخص الذي يتم مزاحه، أما الاستهزاء فيقوم بتقليل قيمة الشخص المستهزأ به وتحقيره.


ايه قرانيه تنهى عن السخريه
قال الله تعالى في كتابه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” [الحجرات: 11].

قال الحافظ أن الله في القرآن الكريم قد حذر المؤمنين من ممارسة السخرية والنبز واللمز، ومن يقوم بهذه الأعمال الثلاثة، فإنه يستحق أن يطلق عليه لقب الفسوق، وهو أقصى درجات النقص بعد أن كان متمتعاً بالإيمان الكامل.


الله عز وجل نهى المؤمنين عن سخرية أحدهم من آخر بسبب فقر يعاني منه أو ذنب اقترفه، ونهى أيضًا عن استخدام الألقاب في التنابز، كما يمكن الاستنتاج من الآية أن الساخر دائماً أقل قيمة مقارنة بالشخص الذي يسخر منه، حتى إن كان الساخر ذو مكانة أعلى من الشخص الذي يسخر منه، فإنه ينحط بفعل سخريته وينزل إلى مرتبة أدنى عند الله.