فضل محبة الرسول: ثمراتها .. نتائجها
للعلّم - فضل محبة الرسول ﷺ يتمثل بمتعة عظيمة الشأن لهذه العاطفة وأثرها على العبد المسلم، فيطيب الحديث لذكره ﷺ ويتسع الإدراك لفضله ويخفق الفؤاد بما يسعد الروح من مشاعر، كما تنتفع الجوارح للاقتداء بحاله ﷺ وبهديه.
عرّف ابن القيم الجوزي – رحمه الله- المحبة بأنها العاطفة صعبة الوصف التي تنتجها النفس، ولها خصائص كالتلذذ باستيعاب ما نحب كما لها أنواع فهي إما فطرية ناجمة ميل الإنسان لما يستهويه أو عقلية كانجرافه وراء خصال محددة فيما يحب، لتكون المحبة شعور منبعث تعبيراً الشكر والحمد.
وقد أكد الإمام النووي -رحمه الله- أنما سلف من الشرح متاح بحب المسلم للرسول ﷺ لما لديه من خصال حميدة وجلال لشأنه ولفضل هدايته لنا وإرشادنا إلى طريق النجاة من الجحيم وحفظ نعم الله علينا، ففيه ﷺ جمال الهيئة والخُلق والكمال بعد الله والأفضال التي منّ علينا بها كأتباعه المسلمين.
الحري لمحبتنا النبي ﷺ أن تتسم بالديمومة وأن تنبع من النفس والقلب، وأن تعبر عنها الجوارح بصدق، ولا بد من الاعتقاد بها يقيناً وعلماً، وتغذيتها بدوام الشغف لسماع سيرة النبي وتتبع هُداه، لما في ذلك من خير وثواب، كما يجب أن تكون على أحسن حال من المحبة وأصدق المشاعر في الوصال للنبي الأكرم لنتمكن من تأدية القليل من حق رسول الله ﷺ على العباد، كما أن هذه العلامات تتشابه مع علامات محبة الله للعبد.
ثمار ونتائج محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
تحقق الإيمان.
المحبة سبيل رفقة رسول الله ﷺ بالجنة.
صلاح الحال وتفريج الهموم والمغفرة من الذنوب.
السكينة بالنفس.
محبة الله تعالى والنبي ﷺ من الأسس التي يرتكز عليها الإيمان فهي جزء من ركن التوحيد، إذ إنّ شهادة لا إله إلا الله والاعتقاد بأن محمداً رسول الله تبدأ من محبتهما، وتنعكس على المسلم بما يلي من الثمار:
تحقق الإيمان: لا يكتمل إيمان العبد إلا بمحبة الله ورسوله بصدق والتلذذ بهذا الحب كلما كان أعمق في النفس، فمن يدرك معنى الحب الحقيقي لرسول الله ﷺ طاب فؤاده واطمئن وسكنت جوارحه لأنه على يقين بأن مصيره الجنة.
المحبة سبيل رفقة رسول الله ﷺ بالجنة: ولا أثوب من أن يحشر المرء يوم القيامة مع من يحب؛ وكيف إذا كان الحبيب هو محمد بن عبد الله ﷺ وأن الحشر سيكون في حوضه الشريف وبجواره، فقد حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قائلاً: “أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ”.
صلاح الحال وتفريج الهموم والمغفرة من الذنوب: فمن أحب النبي الأكرم ﷺ بصدق حُلَّت عنه الكرب وفُرِّج ما يؤرقه من هموم وكُفِّر ما يثقله من الذنوب لصلاح حاله، قال ابن أبي كعب: “قلتُ يا رسولَ اللهِ! إني أُكثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟ فقال: ما شئتَ، قلت: الربعَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: النصفَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلت: فالثُّلُثَيْنِ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟ ! قال: إذًا تُكْفَى همَّك، ويُكَفَّرُ لك ذنبَك”.
السكينة بالنفس: ينجم عن محبة رسول الله ﷺ الرضا بما يقدم العبد من الطاعات للمعلم الأول في الإسلام، وتعويد النفس على التأسي بهديه لمواجهة الشدائد ودوام الإيمان بالقلب، ومتى استكان القلب لمحبة النبي طابت الحياة، قال عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. [2]
أدلة وجوب محبة رسول الله
محبة رسول الله ﷺ من ركائز الإيمان والدلائل عليه، وقد ورد في القرآن والسنة النبوية الشريفة عدد من الأدلة التي تثبت وجوب محبة الله ورسوله وضرورة جعل درجات محبة النبي ومحبة الله مقدمة عن سواهما من الأحبة في هذه الحياة، وهي:
حوار عمر بن الخطاب مع النبي وقد أمره فيه أن يحبه أكثر من نفسه، فروى عبد الله بن هشام قائلاً: “كُنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ، فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ”.
مطالبة العبد بأن يكون رسول الله أحب من نفسه إليه فيقدمه عن سواه حتى ذويه قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا}. [3]
توعد الله من يقدم حب أمور الدنيا أو أشخاصاً منها على الله ورسوله بالعذاب؛ فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
تعظّم رسول الله ﷺ شأن حبه وإنزاله منزلة السبيل إلى رضا الله وحلاوة الإيمان والفوز بالجنة؛ إذ قال: “ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ”.
صور تدل على محبة رسول الله
نصرة النبي.
السعي لصحبة النبي.
الامتثال لما أمر والانتهاء عما نها.
إدانة الإساءة للنبي بالقول والفعل.
مجانبة البِدع.
سبيل محبة أصحابه وأهل بيته.
التأدب مع ذكر النبي وعدم المغالاة في حبه.
كثيرة هي الصور التي يعبر خلالها العبد عن محبته لرسول الله وتعلقه به لكن الآتي أبرزها:
نصرة النبي: وتكون في حياته وهي ما اختص الله بها أصحابه دون سواهم، أما نحن فمطالبون بنصرة سنته ونشر هديه.
السعي لصحبة النبي: وهو أيضاً مما اختص به أصحابه، لكن لنا أجر هذا السلوك في حال التمني الصادق فيما لو كنا حاضرين بحياته والسعي للزود عنه بماله وبنفسه.
الامتثال لما أمر والانتهاء عما نها: يتنافى العقل مع حقيقة محبة النبي دون اتباع هديه وأوامره، فلا بد من تبني نهجه والتأسي به ما استطعنا.
إدانة الإساءة للنبي بالقول والفعل: فقد هدر رسول الله دم المرأة التي شتمته فقُتلت على يد الأعمى الذي نهاها مراراً ولم تزجر، إذ قال ﷺ: “ألَا اشْهَدوا أنَّ دَمَها هَدَرٌ” عندما تم تحكيمه في ذلك.
مجانبة البِدع: البدع مرفوضة شرعاً لأنها تضل العبد عن الطريق الصواب ومسالك النبي في الحياة.
سبيل محبة أصحابه وأهل بيته: فمن أحب النبي ﷺ وجب عليه حب صحبه وأهل بيته رضي الله عنهم جميعاً بصدق وعدم التفريق بينهم.
التأدب مع ذكر النبي وعدم المغالاة في حبه: فهو خير الخلق وقد ميزه الله واصطفاه عن سائر خلقه؛ لكنه أدنى درجة من الله لأنه الخالق لكل شيء وهو المعبود الوحيد، فعن عبد الله ابن عباس رضي الله عنه قال: “أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما شاء اللهُ وشئتَ فقال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أجعلتني للهِ عدلًا بل ما شاء اللهُ وحدَهُ”.
حكم ادعاء محبة الرسول
ادعاء محبة النبي ﷺ مخالف للسنة النبوية الشريفة ودليل ضعف الإيمان.
إن من يرائي الناس بأنه يحب الله ورسوله وهو غارق في الذنوب فإن كان مؤمناً بالله ورسوله سيكون حبه لهما ناقصاً وإيمانه ضعيفاً متزعزعاً تذروه رياح المعاصي والشهوات أينما طارت وحلت، والتأسي بالنبي يكون بالقول والفعل ولا بد أن ينبع من القلب والعقل، فيلتزم العبد بما أمر الله ورسوله ويتجنب نواهيه لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وقد حذر المولى من وبال التعالي على النبي ومخالفة أوامره، فقال: {لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، كما أن في ادعاء الحب لسيد الخلق أسباب الزيغ والبعد عن الإيمان، وهناك الكثير من الفهم المغلوط لحب واحترام النبي وتتبع سنه وهديه بشكل خاطئ.
عرّف ابن القيم الجوزي – رحمه الله- المحبة بأنها العاطفة صعبة الوصف التي تنتجها النفس، ولها خصائص كالتلذذ باستيعاب ما نحب كما لها أنواع فهي إما فطرية ناجمة ميل الإنسان لما يستهويه أو عقلية كانجرافه وراء خصال محددة فيما يحب، لتكون المحبة شعور منبعث تعبيراً الشكر والحمد.
وقد أكد الإمام النووي -رحمه الله- أنما سلف من الشرح متاح بحب المسلم للرسول ﷺ لما لديه من خصال حميدة وجلال لشأنه ولفضل هدايته لنا وإرشادنا إلى طريق النجاة من الجحيم وحفظ نعم الله علينا، ففيه ﷺ جمال الهيئة والخُلق والكمال بعد الله والأفضال التي منّ علينا بها كأتباعه المسلمين.
الحري لمحبتنا النبي ﷺ أن تتسم بالديمومة وأن تنبع من النفس والقلب، وأن تعبر عنها الجوارح بصدق، ولا بد من الاعتقاد بها يقيناً وعلماً، وتغذيتها بدوام الشغف لسماع سيرة النبي وتتبع هُداه، لما في ذلك من خير وثواب، كما يجب أن تكون على أحسن حال من المحبة وأصدق المشاعر في الوصال للنبي الأكرم لنتمكن من تأدية القليل من حق رسول الله ﷺ على العباد، كما أن هذه العلامات تتشابه مع علامات محبة الله للعبد.
ثمار ونتائج محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
تحقق الإيمان.
المحبة سبيل رفقة رسول الله ﷺ بالجنة.
صلاح الحال وتفريج الهموم والمغفرة من الذنوب.
السكينة بالنفس.
محبة الله تعالى والنبي ﷺ من الأسس التي يرتكز عليها الإيمان فهي جزء من ركن التوحيد، إذ إنّ شهادة لا إله إلا الله والاعتقاد بأن محمداً رسول الله تبدأ من محبتهما، وتنعكس على المسلم بما يلي من الثمار:
تحقق الإيمان: لا يكتمل إيمان العبد إلا بمحبة الله ورسوله بصدق والتلذذ بهذا الحب كلما كان أعمق في النفس، فمن يدرك معنى الحب الحقيقي لرسول الله ﷺ طاب فؤاده واطمئن وسكنت جوارحه لأنه على يقين بأن مصيره الجنة.
المحبة سبيل رفقة رسول الله ﷺ بالجنة: ولا أثوب من أن يحشر المرء يوم القيامة مع من يحب؛ وكيف إذا كان الحبيب هو محمد بن عبد الله ﷺ وأن الحشر سيكون في حوضه الشريف وبجواره، فقد حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قائلاً: “أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ”.
صلاح الحال وتفريج الهموم والمغفرة من الذنوب: فمن أحب النبي الأكرم ﷺ بصدق حُلَّت عنه الكرب وفُرِّج ما يؤرقه من هموم وكُفِّر ما يثقله من الذنوب لصلاح حاله، قال ابن أبي كعب: “قلتُ يا رسولَ اللهِ! إني أُكثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟ فقال: ما شئتَ، قلت: الربعَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: النصفَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلت: فالثُّلُثَيْنِ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟ ! قال: إذًا تُكْفَى همَّك، ويُكَفَّرُ لك ذنبَك”.
السكينة بالنفس: ينجم عن محبة رسول الله ﷺ الرضا بما يقدم العبد من الطاعات للمعلم الأول في الإسلام، وتعويد النفس على التأسي بهديه لمواجهة الشدائد ودوام الإيمان بالقلب، ومتى استكان القلب لمحبة النبي طابت الحياة، قال عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. [2]
أدلة وجوب محبة رسول الله
محبة رسول الله ﷺ من ركائز الإيمان والدلائل عليه، وقد ورد في القرآن والسنة النبوية الشريفة عدد من الأدلة التي تثبت وجوب محبة الله ورسوله وضرورة جعل درجات محبة النبي ومحبة الله مقدمة عن سواهما من الأحبة في هذه الحياة، وهي:
حوار عمر بن الخطاب مع النبي وقد أمره فيه أن يحبه أكثر من نفسه، فروى عبد الله بن هشام قائلاً: “كُنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ، فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ”.
مطالبة العبد بأن يكون رسول الله أحب من نفسه إليه فيقدمه عن سواه حتى ذويه قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا}. [3]
توعد الله من يقدم حب أمور الدنيا أو أشخاصاً منها على الله ورسوله بالعذاب؛ فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
تعظّم رسول الله ﷺ شأن حبه وإنزاله منزلة السبيل إلى رضا الله وحلاوة الإيمان والفوز بالجنة؛ إذ قال: “ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ”.
صور تدل على محبة رسول الله
نصرة النبي.
السعي لصحبة النبي.
الامتثال لما أمر والانتهاء عما نها.
إدانة الإساءة للنبي بالقول والفعل.
مجانبة البِدع.
سبيل محبة أصحابه وأهل بيته.
التأدب مع ذكر النبي وعدم المغالاة في حبه.
كثيرة هي الصور التي يعبر خلالها العبد عن محبته لرسول الله وتعلقه به لكن الآتي أبرزها:
نصرة النبي: وتكون في حياته وهي ما اختص الله بها أصحابه دون سواهم، أما نحن فمطالبون بنصرة سنته ونشر هديه.
السعي لصحبة النبي: وهو أيضاً مما اختص به أصحابه، لكن لنا أجر هذا السلوك في حال التمني الصادق فيما لو كنا حاضرين بحياته والسعي للزود عنه بماله وبنفسه.
الامتثال لما أمر والانتهاء عما نها: يتنافى العقل مع حقيقة محبة النبي دون اتباع هديه وأوامره، فلا بد من تبني نهجه والتأسي به ما استطعنا.
إدانة الإساءة للنبي بالقول والفعل: فقد هدر رسول الله دم المرأة التي شتمته فقُتلت على يد الأعمى الذي نهاها مراراً ولم تزجر، إذ قال ﷺ: “ألَا اشْهَدوا أنَّ دَمَها هَدَرٌ” عندما تم تحكيمه في ذلك.
مجانبة البِدع: البدع مرفوضة شرعاً لأنها تضل العبد عن الطريق الصواب ومسالك النبي في الحياة.
سبيل محبة أصحابه وأهل بيته: فمن أحب النبي ﷺ وجب عليه حب صحبه وأهل بيته رضي الله عنهم جميعاً بصدق وعدم التفريق بينهم.
التأدب مع ذكر النبي وعدم المغالاة في حبه: فهو خير الخلق وقد ميزه الله واصطفاه عن سائر خلقه؛ لكنه أدنى درجة من الله لأنه الخالق لكل شيء وهو المعبود الوحيد، فعن عبد الله ابن عباس رضي الله عنه قال: “أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما شاء اللهُ وشئتَ فقال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أجعلتني للهِ عدلًا بل ما شاء اللهُ وحدَهُ”.
حكم ادعاء محبة الرسول
ادعاء محبة النبي ﷺ مخالف للسنة النبوية الشريفة ودليل ضعف الإيمان.
إن من يرائي الناس بأنه يحب الله ورسوله وهو غارق في الذنوب فإن كان مؤمناً بالله ورسوله سيكون حبه لهما ناقصاً وإيمانه ضعيفاً متزعزعاً تذروه رياح المعاصي والشهوات أينما طارت وحلت، والتأسي بالنبي يكون بالقول والفعل ولا بد أن ينبع من القلب والعقل، فيلتزم العبد بما أمر الله ورسوله ويتجنب نواهيه لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وقد حذر المولى من وبال التعالي على النبي ومخالفة أوامره، فقال: {لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، كما أن في ادعاء الحب لسيد الخلق أسباب الزيغ والبعد عن الإيمان، وهناك الكثير من الفهم المغلوط لحب واحترام النبي وتتبع سنه وهديه بشكل خاطئ.