ديني

سورة الفاتحة : فضلها .. وعجائبها عند قرائتها

سورة الفاتحة : فضلها  ..  وعجائبها عند قرائتها

للعلّم - فضل سورة الفاتحة عظيم لما حباها الله به من شأن؛ فهي أساس الإيمان بالله عز وجل كونها من أولويات العبادات في العقيدة الإسلامية، وقد أفصح أهل العلم عن أفضالها وفصّلوها كما في الآتي:


الفاتحة ركن بالصلاة: فلا تقوم صلاة المسلم ولا تصح بدون الفاتحة، في رواية عبادة بن الصامت عن سنة رسول الله ﷺ- قال: “كنا خلفَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صلاةِ الفجرِ فقرأَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فثَقُلَتْ عليهِ القِرَاءةُ فلما فَرَغَ قال لعلكم تقرؤونَ خلْفَ إمامِكُم قلنَا نَعَمْ هذا يا رسولَ اللهِ قال لا تفعَلُوا إلا بفاتِحَةِ الكتابِ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرَأْ بِهَا”.

هي السبع المثاني: أي عدد آياتها وقيل السبع المثاني بمعنى أنها تكرر في كل ركعة فتتم تثنيتها، وقد جاء ذكر السبع المثاني في الكتاب العزيز فقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}، كما وردت في السنة الشريفة بمواضع عدة منها قول رسول الحق ﷺ مخاطباً أبو سعيداً المُعلي: “ما مَنَعَكَ أنْ تَأْتِيَنِي؟ فَقُلتُ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَقالَ: ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ} ثُمَّ قالَ: ألَا أُعَلِّمُكَ أعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآنِ قَبْلَ أنْ أخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ فَذَهَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ، فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. هي السَّبْعُ المَثَانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ”.



جمعها خصال العبودية: ففيها صيغة التوسل إلى الخالق عز وجل والحمد والشكر له والثّناء وعليه والتمجيد لشأنه العظيم، ورجاء الخير من رب الخير بعبوديته وحده دون شريك، وبها أفضل مطلب للعبد الطائع من خالقه بسؤاله الهداية بقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.

أفضل سور القرآن: وهي أفضل الكلام المنزل في جميع الكتب السماوية؛ فقد حدّث رَسولُ اللَّهِ ﷺ أُبَىِّ بنَ كَعبٍ عندما مرّ به قائلاً: “أتُحِبُّ أن أُعَلِّمَك سورَةً لَم ينزَل في التَّوراةِ، ولا في الإنجيلِ، ولا في الزَّبورِ، ولا في الفُرقانِ مِثلُها؟ قلتُ: نَعَم يا رسولَ اللَّهِ، قال: فَكيفَ تَقرَأُ في الصَّلاةِ؟ فقَرَأتُ عليهِ أُمَّ الكتابِ، فقال رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: والَّذِي نَفسِي بيَدِه، ما أُنزلَت سورةٌ في التَّوراةِ ولا في الإنجيلِ ولا في الزَّبورِ، ولا في الفُرقانِ مِثلُها، وإنَّها لَهي السَّبعُ المَثاني والقُرآنُ العَظيمُ”.


تنوع موضوعاتها: المواضيع في سورة الفاتحة كثيرة رغم قصر آياتها؛ ففيها كافة أنواع التوحيد لله عز وجل وهي: (توحيد الربوبية – توحيد الألوهية – توحيد الأسماء والصفات).

ردودها على المبطلين: فالصراط المستقيم يعني أن تعي الحق وأن تقدمه عن سواه فتنقاد له ولا تدعو لغيره، وأن تجاهد في سبيله بالرد على أهل الملل وأصحاب البدع والضلال بالمجتمع الإسلامي.

فيها الشفاء للقلوب والأبدان: رأى ابن القيم الجوزي -رحمه الله- أن الفاتحة خير ما تشفى به أم العلل في القلب (الضلال – الغضب) النابعين من فساد العلم والقصد، ومتى اهتدى العبد إلى الصراط المستقيم شفاه الله عز وجل من الضلال وما يتبعه من الغضب وآثاره اللعينة، لذا وجب سؤال الهداية في الدعاء كقوله تعالى بسورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.


بالفاتحة معاني الكتب السماوية: ففيها أنفع الدعاء وهي الدليل لكل خير وبها يبلغ العبد السعادة في الدنيا والآخرة.

فوائد وأحكام سورة الفاتحة
اليقين بملك الله ويوم الحساب.
المحاسبة والجزاء بالعدل.
التهيؤ ليوم الحساب.
تقديم صفة الرحمة على غضب الله وعقابه.
الرد على من ينكر وجود الله.
التأدب في طلب المقاصد من الله.
إنّ قراءة العبد المسلم سورة الفاتحة بمثابة باب يستخلص منه بحراً شاسعاً من الفائدة والأحكام، ولكن نختزله بما يلي:


اليقين بملك الله ويوم الحساب: فيوم القيامة ثابت؛ إذ قال تعالى قولاً يمكننا أن نرد به على من أنكَرَ أننا مبعوثين ومردنا إلى الله تعالى: {مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ}، والملك الحقيقي لله يبدو في هذا اليوم الذي لا ملك فيه سوى ملكه.

المحاسبة والجزاء بالعدل: فالله يجزي عباده المخلصين ويجزل لهم بالعطاء ويعاقب المنافقين ويزيد لهم بالعذاب، وكونه المالك ليوم الدين فهذا يعني أنه سيعدل بحكمه على العباد، فالخير جزاؤه خيراً والشرّ جزاؤه شراً، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، وكل ما يأتيه المرء من عمل مسجل في صحائفه التي يشهدها يوم الحساب.


التهيؤ ليوم الحساب: فقد أمرنا الله بالاستعداد ليوم الدِّين فنؤمن به بصدق ونتزود بالصالحات لآخرتنا، كما في الفاتحة التنبيه لضرورة مجافاة الكفر والمعاصي التي تجلب سخط الله.

تقديم صفة الرحمة على غضب الله وعقابه: فقد جعل الله عز وجل آية {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} مقدمةً على آية {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، وهو ما يوثق معنى حديث النبي ﷺ: “إنَّ اللَّهَ كتبَ في كتابٍ موضوعٍ عندَهُ فوق العَرشِ: إنَّ رحمتي تغلِبُ غضَبي، وفي روايةٍ: تسبِقُ غضبي”، في هذا جمعاً ما بين الترغيب بالدين والترهيب من مخالفة أمر الله.

الرد على من ينكر وجود الله: فقوله تعالى {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ} فيه:


الخطاب لموجود، إذ انتقل به الله من صيغة الغائب لصيغة المخاطبة كأسلوب لشد انتباه القارئ والمستمع.
الاعتراف بالعبودية لله وحده ومعنى العبودية هنا شامل وبه مقاصد حب الله والطاعة له التي توجب عدم عصيان ما يأمر به،.
عدم الاستعانة على قضاء الحوائج بسوى الله كصورة من صور الإخلاص في العبادة للخالق عز وجل وتحقيق الربوبية ووحدانيتها وإبطال مقاصد الشرك، كما أن الاستعانة بالله في هذه الآية لها معنى الدعاءٌ لتيسير الأمور الدينية والدنيوية، فالعبد مطالب بمناجاة الله في كل صلاة.
تقديم حقِّ الله على حق العبد وجعل الحقوق العامة سابقة لما هو خاص وجعل الغايايات مقدمةً على أساليب بلوغهان فيذلل العبد لخالقه ولا يتعاظَمَ في نفسه.
التأدب في طلب المقاصد من الله: ففي الفاتحة تم تقديم آيات توصيف الله وتمجيده وإثبات العبودية له على آيات السؤال من حاجات الدنيا والآخرة بقوله تعالى: {ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ}، ومن واجب العبد التضرع لله وان يسأله الهداية لنفسه ولغيره، كما أن في الآية السابقة رد من الله عز وجل على من يقول بأن العبد خالق لفعل نفسهن والهدى السويُّ والحقيقي هو هدى الله وسواه ليس سوى ضلال، وبطلب الهداية نكون قد جعلنا لفوزنا برضا الله سببه لأن من يعلم الحق ويعمل به هو المهتدي طمعاً بخير النعم التي أنعم الله على مطيعيه ورسوله الكريم.

تفسير سورة الفاتحة
تفسير سورة الفاتحة يرمي إلى ثلاثة معاني أحدها خاص بالله عز وجل والآخر مشترك بين الله وعبده، والاخير خاص بالعبد.

في موضوعات سورة الفاتحة قُدمت المعاني والحقوق الخاصة بالله تعالى في سورة الفاتحة على سواها من المعاني لأنها خاصة بالخالق، ثم تم سرد المعاني المشتركة بين الله وعبده، وأخيراً المعاني الخاصة بالعبد، والمعاني والحقوق الخاصة بالله هي (الحمد لله والشكر والثناء له والتمجيد لشأنه) أما الحقوق المشتركة فهي (إعلان العبودية لله والاعتراف بالاستعانة به)، بينما حق العبد فيقتصر على طلب الهداية والنعم ثواباً لها، هو ما يجزي الله به عبده.

قال رسول الله ﷺ: “إن اللهَ تعالى يقولُ : قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ ، نصفُها لي ونصفُها لعبدي ولعبدي ما سألَ ، فإذا قالَ : {الحمدُ للهِ ربِّ العالمين} قالَ اللهُ: حمِدني عبدي، وإذا قالَ: {الرَّحمنِ الرَّحيمِ} قالَ اللهُ: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قالَ: {مالكِ يومِ الدينِ} قال اللهُ عز وجل: مجّدني عبدي، وفي روايةٍ فوَّضَ إليَّ عبدي، وإذا قالَ: {إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعينُ} قال: فهذه الآيةُ بيني وبين عبدي نصفينِ ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ: {اهدنا الصراطَ المستقيمَ صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالينَ} قال: فهؤلاءِ لعبدي ولعبدي ما سألَ”.

حكم قراءة الفاتحة في الصلاة
حكم قراءة الفاتحة في الصلاة المنفردة.
حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجماعة.
حكم قراءة الفاتحة في الصلاة فيه تفصيل بحسب طريقة الصلاة العبد، سواءً أدى صلاته منفرداً أو مأموماً:

حكم الفاتحة بالصلاة المنفردة: يجمع جمهور الفقهاء أنّ قراءة الفاتحة في صلاة العبد منفرداً واجبة، وأنّ الصلاة باطلةً بدونها كونها ركناً من أركانها، وأن من تركها فقد أساء، وقل من قال بأن عدم قراءتها تجزء في الصلاة وأن يثاب عليها العبد.

حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجماعة: يجمع أهل العلم بوجوب قراءة الفاتحة في الصلاة بالنسبة للمأموم بالصلاة السرية، بينما يجب الإنصات إلى ما يقرأ الإمام بالصلاة الجهرية؛ استناداً لقوله عز وجل: {إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، لكن المشهور عند الشافعية وبعض الحنابلة بالنسبة للصلاة الجهرية بوجوب عدم قراءة الفاتحة خلف الإمام سراً أو جهراً، بينما فصل الإمام مالك الأمر فقال بوجوب قراءتها من المأموم بصلاته السرية وإنصاته بصلاته الجهرية.