وجهات نظر

" النمرة الحمراء" .. من عقدة لنعمة

" النمرة الحمراء"  ..  من عقدة لنعمة


لطالما كانت "النمرة الحمراء" مادة للتندر وربما الغضب أحيانا، فهي تحمل في أرقامها إشارات لا يخطئها الناس، وتثير مشاعر مختلطة بين التوجس والتهكم ، لا لشيء إلا لأنها اختزلت لسنوات طويلة في الوجاهة أكثر من الوظيفة، لكنها اليوم، وبفلسفه جديدة، تتحول الى نعمة تصب في مصلحة الطالب الجامعي، فماذا تغير؟.
ما قرره مجلس الوزراء ليس مجرد تعديل إداري على نظام لوحات المركبات، بل هو تحول بالفلسفة التي تدار بها الأمور، فعندما يعاد النظر بمفهوم الأرقام المميزة، وتخصص عوائد بيعها لدعم صندوق "الطالب الجامعي"، فإننا أمام نقلة نوعية في التفكير الرسمي، تعكس رغبة حقيقية في قلب الطاولة على الأساليب القديمة، وفي توجيه القيمة نحو مستحقيها، لا مستهلكيها.

لم يعد رقم المركبة المميز رفاهية منعزلة أو أداة لإثبات المكانة، بل بات أداة تمويل ذكي للتعليم، يستثمر في المستقبل بدل أن يتكئ على المظهر فقط، فعوائد الأرقام المميزة، التي كانت تباع وتستهلك في دائرة ضيقة، ستتحول الآن إلى منح جامعية وفرص تعليمية للطلبة الذين يتعثرون أمام فاتورة القسط الجامعي، ومن هنا يأتي المعنى الحقيقي للعبارة، من "عقدة اجتماعية" إلى "نعمة وطنية".

المسألة أعمق من مجرد مزاد أو لوحة، فنحن اليوم نشهد تغيرا في عقل الدولة، حين تقرر الحكومة تحرير التراميز الحكومية غير المستغلة وإعادتها للمخزون،لتوسيع قاعدة الأرقام المتاحة للمواطنين،دون أن تمس بسياسات الترخيص، بل على العكس، تعزز كفاءتها وتفتح بابا جديدا للموارد.

الحكومة لم تقف عند هذا الحد، بل سبقت هذه الخطوة برفع مخصصات صندوق الطالب الجامعي بنسبة 50% هذا العام، لتصل إلى 30 مليون دينار، ثم أتبعت ذلك بقرار يجعل من سوق الأرقام المميزة مصدر تمويل إضافي، دائم، ومستدام.

اليوم، عندما يطرح رقم مميز في مزاد، فإن المواطن لن يرى فيه فقط تنافسا على لوحة، بل سيفهم أن جزءا من ثمنه قد يصنع مستقبلا لطالب في الكرك أو معان أو الرمثا، فهذه الرؤية الإنسانية للاقتصاد هي التي تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، بين ما يدفعه وما يحصل عليه، بين ما يبدو ترفا وما يتحول لضرورة.

خلاصة القول، بين كل ما قيل وما سيقال،تبقى الصورة الأوضح،بأن لوحة سيارة كانت تثير الجدل، أصبحت تفتح أبواب الجامعات للطلبة، وما بين العقدة القديمة والنعمة الجديدة، هناك تفكير حكومي تغير، ورؤية بدأت تترجم لا بالأرقام فقط، بل بما تصنعه تلك الأرقام من فرق في حياة المواطنين.