وجهات نظر

لماذا صرح الوزير بهذا الكلام؟

لماذا صرح الوزير بهذا الكلام؟


أثارت تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ردود فعل واسعة، وأثارت تحليلات حول دوافعها، وماذا تعني في هذا التوقيت؟

الوزير الإيراني قال إن بلاده لم تسعَ أبداً إلى تدمير إسرائيل وإزالتها عن الخريطة، فيما خرج مسؤولون أميركيون ليعلقوا على تصريحاته حيث قال ماثيو ويتاكر، سفير الولايات المتحدة لدى الناتو إن واشنطن لا تصدق كلمة واحدة مما يقوله وزير خارجية النظام الإيراني، مشيرا إلى أنه متأكد أن باقي المسؤولين في الحكومة الأميركية يشعرون بنفس الشيء.

تصريحات الوزير الإيراني تعني أحد أمرين: أولهما، أن إيران حقا لم تكن تريد تحرير فلسطين وإنهاء إسرائيل كما كانت تقول وتتمدد في المنطقة تحت هذا العنوان، أو أنها برقية حسن نوايا تجاه واشنطن وإسرائيل من أجل طيّ صفحة الماضي والوصول إلى تفاهمات تنهي المواجهة القائمة.

في الوقت ذاته لا يمكن إنكار حدوث أضرار جسيمة وقعت على إيران وبرنامجها النووي، والصاروخي، بما يجعل إعادة مراجعة أولويات طهران أمرا منطقيا، في ظل الاتصالات الإيرانية الأوروبية، والضغط الدولي لجلب طهران إلى مائدة التفاوض للتفاهم على ما يتعلق ببقايا البرنامج النووي والصاروخي، وما يتعلق سرا بنفوذ إيران الذي تبقى في المنطقة وخصوصا في العراق، واليمن، وما تعرض له لبنان وسورية أيضا.

ويطرح مراقبون رأيا مغايرا لكل الذي يجري ويقول هؤلاء إن إيران ربما لديها أسلحة مختلفة عن النووي، لم تعلن عنها حتى الآن، وقد تكون طورت أسلحة نووية صغيرة في مواقع بعيدة، ولم تصل إليها شبكات التجسس الأميركية والإسرائيلية، وأصحاب هذا الرأي يصرون على أن إيران لديها أوراق لم تلعبها حتى الآن، وتعمّدت عدم توظيفها في المواجهة الأخيرة لاعتبارات تكتيكية، وهذا الرأي يبدو مغرقا في التوقعات، خصوصا، مع التقييمات الأمنية حول أضرار إيران من الحرب، وما يتعلق بهشاشة الداخل الإيراني وضعف الاقتصاد، ومظالم التكوينات الإيرانية المختلفة.

يستند أصحاب الرأي السابق على نقطتي ارتكاز لتفسير رأيهما، وهي تصريحات الرئيس الأميركي باحتمال ضرب إيران مجددا، وتصريحات الإسرائيليين التي تهدد بضربة جديدة، وكل هذه التصريحات تؤشر على عدم وجود ثقة كاملة بنجاح الضربات الأميركية والإسرائيلية السابقة ضد إيران، ووجود مخاوف من وجود قوة كامنة فاعلة، وليس خوفا من استعادة إيران لقدرتها على التخصيب وصناعة الأسلحة النووية خلال سنوات.

إيران بدورها تعيد التموضع في منطقة حساسة، وهي لا تريد الحرب، لأنها مكلفة ولم تقدم نفسها إلا جبهة إسناد لغزة، وليس شريكا في الحرب، حتى أنها تخلت عن تنظيمات مقاومة شيعية محسوبة عليها مثل حزب الله في لبنان، فلماذا ستتحرك من أجل تنظيمات مقاومة سنية في غزة وغيرها من دول المنطقة، وهذا يعني أن إيران حاليا أمام مفرق طرق، إما البقاء بذات الحالة التي نراها دون حرب ودون سلام، وإما الوصول إلى صفقة تشمل كل شيء، بما في ذلك النفط والطاقة والنفوذ في المنطقة، والممرات البحرية، والمشاريع الكبرى في إيران التي تريد واشنطن الحصول عليها، وغير ذلك من تفاصيل لا يتم الحديث عنها علنا.

الخلاصة تقول هنا إن تجدد الحرب مع إيران، إذا حدث لن يكون بذات الطريقة التي رأيناها بعد كلف الحرب التي دفعتها إيران وإسرائيل أيضا، مثلما أن الحديث عن صفقة قريبة مع واشنطن قد يكون توقعا متفائلا.

ستعبر إيران والمنطقة، فترة غموض وتعليق للملفات، فيما تصريحات الوزير الإيراني، فاجأت أنصار هذا المحور، وبعضهم يرى تصريحاته تكتيكا إيرانيا مؤقتا، فيما البعض الآخر يقول إن إيران تعيد رسم سياساتها.