قصر ناعور في هوية المكان
أمس تذكرت مقولة جلالة الملك، عبد الله الثاني، حين أهديته كتابي عن "المقامات والأضرحة والمساجد القديمة في الأردن“ والذي رعى الديوان الملكي طبعته الانجليزية بعد صدور العربية، فقد قال معلقاً، "نعم نريد الأردن على الورق" كنت أجبت على أسئلة استفسارية بحضور الراحل دولة فايز الطروانة، حين سأل جلالته عن العدد الكبير من المقامات والأضرحة على الأرض الأردنية، وقد أجبت بتقصير مناهجنا عن ذلك وأن الأغلبية لا تعرف، والمناهج لا تجيب وهوية المكان بحاجة الى اضاءة.
أمس تذكرت ذلك وأنا أزور "قلعة العدوان" في ناعور عند سيل حسبان، والمؤرخ بناؤها عام 1777 م، والتي أعاد سلطان عبد المجيد السلطان ترميمها المكلف وأعدادها كمتحف لتراث قبيلة العدوان، وتظل شاهدة على عظمة الماضي الأردني وغيرة أبناء الأردن على تاريخهم.
هذه "القلعة" هي أجمل بيت رأيته في الأردن، ولا اعتقد أن هناك من يضاهيه في القيمة والأهمية والجمال،
ورغم أنني ألفت كتابي قبل حوالي عام بعنوان "بيوت الأردن القديمة وقصصها" والذي جمعت فيه قصص اكثر من 45 بيتاً مميزاً عبر المملكة، وأكثرها من عمان، (جبل عمان، الدوار الأول)، واللويبدة والجوفة، وأيضاً من مدينة السلط، حيث البيوت التاريخية القديمة ومن أشهرها، بيت السكر، الذي أقام فيه لليلة المندوب السامي البريطاني، هربرت صموئيل، عام 1921، واستقبل فيه الأمير عبد الله الأول قبل أن ينتقلا معاً الى القدس حيث أعلن قيام إمارة الشرق العربي آنذاك.
أمس اعتبرت كتابي ناقصاً لأنني لم أضمنه هذا البيت وهو بيت الشونة أو تحديداً "قلعة العدوان" ناعور، سيل حسبان، الموقع ضارب الجذور، وقد ذكر في التاريخ والأديان، ولدى كثير من الأمم وتاريخها المنساب.
البناء طراز عثماني، وهو على طراز قلعة القطرانة وقلعة العقبة، ولكنه ينفرد بجمال خاص أو باهتمام لم يحظ به اي مكان آخر في المملكة، فقد أفرغ عليه العدوان، رعاية مميزة وتحديدا سلطان العدوان، وابنه عبد المجيد، وهو حفيد الشخصية الهامة المعروفة، عبد المجيد العدوان، الذي يتمتع بسيرة عميقة وطويلة وعطرة.
البيت يحكي قصة الأردن والمنطقة والعلاقات الأردنية عشية تأسيس الإمارة والى وقت متأخر، حيث زارته شخصيات أردنية وعربية وعالمية شهيرة، وما زال يحوي قطعا أثرية هامة جداً لا تقدر بثمن، لا يحويها أي مكان أو متحف آخر في الأردن.
ساقني للزيارة بالصدفة، دعوة من أخي الدكتور، الفطين بن حسين البداد، الذي دعاه صديقه عبد المجيد العدوان، لزيارة القلعة ليولم له ويكرّمه، وقد كرمني الفطين بأن دعاني بصحبته وقد فعلت وتعرفت على وجوه الخير.
كان عبد المجيد طيب الذكر الذي يحمل اسم جده، قد استقبل الجميع من المدعوين الذين ربما بلغوا المئة شخصية من اصدقائه وأصدقاء الفطين، ومن جاءوا في معيته، وقد قدم لنا تاريخ القصر وتراثه وقدم شرحاً جميلاً، فقد رأينا صوراً للهاشميين لم أرها في أي مكان أخر ومقتنيات هاشمية آلت للقصر وأنواع من الأسلحة والمخترعات القديمة والشهادات والوثائق التي تعكس اقتصاد سنوات العشرينات والثلاثينات والعلاقة مع فلسطين وجوارها، وقد أمضى المضيف، "المعزّب"، الكريم في الشرح لنا أكثر من ساعة ونصف، وكان في وفادة الفطين مجموعة من الأخوة العرب وتحديداً الإماراتيين الذين رافقوه في الزيارة.
يشعر الزائر بالاعتزاز في المكان والفخر من القدرة على المحافظة عليه، وتستطيع أن تسمع تاريخ الأردن وسيرة شخصيات قديمة وجزءا من سيرة للملك الشهيد عبد الله الأول، ودوره في بناء الدولة الأردنية العتيدة.
كانت تلك الساعات التي أمضيناها مع عبق التاريخ من أجمل الساعات التي عشتها في أي موقع أردني.
تمنيت على المضيف الكريم الذي أغدق على ضيوفه بالترحيب والحفاوة والكرم، أن يضع المكان حيث يليق أن يوضع في معرفة الأردنيين ومناهجهم وتداولهم وان يكون جزءاً من مسوقات السياحة الأردنية مع الحفاظ على الخصوصية التي أعطاها أياه أصحابه اذ استمروا في الإقامة فيه بلا انقطاع.
القصر أقيم على مكان تاريخي، ويقدر عمر المكان بأكثر من اربعمئة سنة، وما زال المكان حيّاً، فالحياة ما زالت تتدفق فيه، وهو ليس مهجوراً أو مغلقا، وما زلت أتمنى أن يكون منبراً ومنصة آخرى لقراءة التاريخ الأردني الذي لا بد أن ينهض من المكان ليحتفظ بمصداقيته وعبقه.
المكان يقدم لنا هويته ويراكم في هذه الهوية،جهد الأردنيين وعمق جذورهم واحتفائهم بتاريخهم.
لقد شغل عبد المجيد العدوان، المتخرج من أرقى المعاهد والمؤسسات، مواقع عدة في الدولة الأردنية، وخاصة في الحكم المحلي، ويعرفه ابناء الأردن جيداً بدوره الوطني الذي ما زال أحفاده يحافظون عليه ويمسكون به في اخلاصهم وولائهم لوطنهم وقيادتهم.
غادرت المكان وأنا لا أرغب بالمغادرة، وكان بودي لو يطول الوقت، فالموقع مذهل وعبق التاريخ، ينافس اللحظة القادمة، ليقدم هذا المكان، (قصر العدوان)، أوراق اعتماده للحاضر، مؤكداً أن هذا الوطن العزيز يستحق أن يُخدم وأن يحمى وأن يدافع عنه، وأن تذكر أمجاده ودوره في خدمة عروبته.
القصر يفتح على نموذج من سيرة القبيلة الأردنية وعلى عشائر هذه البلاد العظيمة، وامتدادها في تاريخها العربي والاسلامي، منذ وصول، شرحبيل بن حسنة، فاتحاً و ورود الصحابي حسان بن ثابت، البلقاء وزيارته السلط وكتابته الشعر عن جلق التي عاد منها ليخدم الرسول في كتابة الوحي!!.
أمس تذكرت مقولة جلالة الملك، عبد الله الثاني، حين أهديته كتابي عن "المقامات والأضرحة والمساجد القديمة في الأردن“ والذي رعى الديوان الملكي طبعته الانجليزية بعد صدور العربية، فقد قال معلقاً، "نعم نريد الأردن على الورق" كنت أجبت على أسئلة استفسارية بحضور الراحل دولة فايز الطروانة، حين سأل جلالته عن العدد الكبير من المقامات والأضرحة على الأرض الأردنية، وقد أجبت بتقصير مناهجنا عن ذلك وأن الأغلبية لا تعرف، والمناهج لا تجيب وهوية المكان بحاجة الى اضاءة.
أمس تذكرت ذلك وأنا أزور "قلعة العدوان" في ناعور عند سيل حسبان، والمؤرخ بناؤها عام 1777 م، والتي أعاد سلطان عبد المجيد السلطان ترميمها المكلف وأعدادها كمتحف لتراث قبيلة العدوان، وتظل شاهدة على عظمة الماضي الأردني وغيرة أبناء الأردن على تاريخهم.
هذه "القلعة" هي أجمل بيت رأيته في الأردن، ولا اعتقد أن هناك من يضاهيه في القيمة والأهمية والجمال،
ورغم أنني ألفت كتابي قبل حوالي عام بعنوان "بيوت الأردن القديمة وقصصها" والذي جمعت فيه قصص اكثر من 45 بيتاً مميزاً عبر المملكة، وأكثرها من عمان، (جبل عمان، الدوار الأول)، واللويبدة والجوفة، وأيضاً من مدينة السلط، حيث البيوت التاريخية القديمة ومن أشهرها، بيت السكر، الذي أقام فيه لليلة المندوب السامي البريطاني، هربرت صموئيل، عام 1921، واستقبل فيه الأمير عبد الله الأول قبل أن ينتقلا معاً الى القدس حيث أعلن قيام إمارة الشرق العربي آنذاك.
أمس اعتبرت كتابي ناقصاً لأنني لم أضمنه هذا البيت وهو بيت الشونة أو تحديداً "قلعة العدوان" ناعور، سيل حسبان، الموقع ضارب الجذور، وقد ذكر في التاريخ والأديان، ولدى كثير من الأمم وتاريخها المنساب.
البناء طراز عثماني، وهو على طراز قلعة القطرانة وقلعة العقبة، ولكنه ينفرد بجمال خاص أو باهتمام لم يحظ به اي مكان آخر في المملكة، فقد أفرغ عليه العدوان، رعاية مميزة وتحديدا سلطان العدوان، وابنه عبد المجيد، وهو حفيد الشخصية الهامة المعروفة، عبد المجيد العدوان، الذي يتمتع بسيرة عميقة وطويلة وعطرة.
البيت يحكي قصة الأردن والمنطقة والعلاقات الأردنية عشية تأسيس الإمارة والى وقت متأخر، حيث زارته شخصيات أردنية وعربية وعالمية شهيرة، وما زال يحوي قطعا أثرية هامة جداً لا تقدر بثمن، لا يحويها أي مكان أو متحف آخر في الأردن.
ساقني للزيارة بالصدفة، دعوة من أخي الدكتور، الفطين بن حسين البداد، الذي دعاه صديقه عبد المجيد العدوان، لزيارة القلعة ليولم له ويكرّمه، وقد كرمني الفطين بأن دعاني بصحبته وقد فعلت وتعرفت على وجوه الخير.
كان عبد المجيد طيب الذكر الذي يحمل اسم جده، قد استقبل الجميع من المدعوين الذين ربما بلغوا المئة شخصية من اصدقائه وأصدقاء الفطين، ومن جاءوا في معيته، وقد قدم لنا تاريخ القصر وتراثه وقدم شرحاً جميلاً، فقد رأينا صوراً للهاشميين لم أرها في أي مكان أخر ومقتنيات هاشمية آلت للقصر وأنواع من الأسلحة والمخترعات القديمة والشهادات والوثائق التي تعكس اقتصاد سنوات العشرينات والثلاثينات والعلاقة مع فلسطين وجوارها، وقد أمضى المضيف، "المعزّب"، الكريم في الشرح لنا أكثر من ساعة ونصف، وكان في وفادة الفطين مجموعة من الأخوة العرب وتحديداً الإماراتيين الذين رافقوه في الزيارة.
يشعر الزائر بالاعتزاز في المكان والفخر من القدرة على المحافظة عليه، وتستطيع أن تسمع تاريخ الأردن وسيرة شخصيات قديمة وجزءا من سيرة للملك الشهيد عبد الله الأول، ودوره في بناء الدولة الأردنية العتيدة.
كانت تلك الساعات التي أمضيناها مع عبق التاريخ من أجمل الساعات التي عشتها في أي موقع أردني.
تمنيت على المضيف الكريم الذي أغدق على ضيوفه بالترحيب والحفاوة والكرم، أن يضع المكان حيث يليق أن يوضع في معرفة الأردنيين ومناهجهم وتداولهم وان يكون جزءاً من مسوقات السياحة الأردنية مع الحفاظ على الخصوصية التي أعطاها أياه أصحابه اذ استمروا في الإقامة فيه بلا انقطاع.
القصر أقيم على مكان تاريخي، ويقدر عمر المكان بأكثر من اربعمئة سنة، وما زال المكان حيّاً، فالحياة ما زالت تتدفق فيه، وهو ليس مهجوراً أو مغلقا، وما زلت أتمنى أن يكون منبراً ومنصة آخرى لقراءة التاريخ الأردني الذي لا بد أن ينهض من المكان ليحتفظ بمصداقيته وعبقه.
المكان يقدم لنا هويته ويراكم في هذه الهوية،جهد الأردنيين وعمق جذورهم واحتفائهم بتاريخهم.
لقد شغل عبد المجيد العدوان، المتخرج من أرقى المعاهد والمؤسسات، مواقع عدة في الدولة الأردنية، وخاصة في الحكم المحلي، ويعرفه ابناء الأردن جيداً بدوره الوطني الذي ما زال أحفاده يحافظون عليه ويمسكون به في اخلاصهم وولائهم لوطنهم وقيادتهم.
غادرت المكان وأنا لا أرغب بالمغادرة، وكان بودي لو يطول الوقت، فالموقع مذهل وعبق التاريخ، ينافس اللحظة القادمة، ليقدم هذا المكان، (قصر العدوان)، أوراق اعتماده للحاضر، مؤكداً أن هذا الوطن العزيز يستحق أن يُخدم وأن يحمى وأن يدافع عنه، وأن تذكر أمجاده ودوره في خدمة عروبته.
القصر يفتح على نموذج من سيرة القبيلة الأردنية وعلى عشائر هذه البلاد العظيمة، وامتدادها في تاريخها العربي والاسلامي، منذ وصول، شرحبيل بن حسنة، فاتحاً و ورود الصحابي حسان بن ثابت، البلقاء وزيارته السلط وكتابته الشعر عن جلق التي عاد منها ليخدم الرسول في كتابة الوحي!!.